“اقلب الصفحة يا فتى”: كتاب آخر لجبران خليل جبران
نقولا طعمة – بيروت
أصدرت “لجنة جبران خليل جبران الوطنية” كتابا جديدا تضمن دفعة من كتابات جبران ونصوصه لم يسبق أن نشرت سابقا، وتعود لسني مراهقته، بدءا من مقاعد الدراسة. واختارت اللجنة عنوانا للكتاب مستوحى من عبارة درج جبران على استخدامها في نهايات الصفحات التي كان يدون عليها أفكاره وانطباعاته وهي “اقلب الصفحة يا فتى”.
وبينما يعتقد رئيس اللجنة الحالي الدكتور طارق الشدياق أن العبارة هي دعابة ذاتية، رآها رئيس اللجنة السابق أنطوان طوق، الذي بدأ البحث في المخطوطات الجديدة، أن العبارة هي تعبير عن فرح جبران بإنجازه مقطوعة من مقطوعاته.
الكتاب صدر في ندوة عقدت في قصر الأونيسكو ببيروت من ضمن فعاليات احتفالية “بيروت عاصمة عالمية للكتاب”،في حضور وزير الثقافة اللبناني سليم وردة الذي تحدث فيه إلى جانب الرئيسين الحالي والسابق للجنة، إضافة إلى الناقد الفني سيزار نمور، وكاتب الصفحة الثقافية في جريدة “الحياة” عبده وازن، وتناول كل منهم العمل الجبراني من زاوية اختصاصه.
الكتاب حجم كبير من نحو 350 صفحة، تضمن نصوصا ورسوما جديدة، وأثار نقاشا حول الحق في إصدار الكتاب الذي لو أراد صاحبه نشره لفعل، وذلك بحسب وازن، لكن اللجنة دافعت عن النشر واعتبرته إضاءة قيمة لأعمال جبران ومن شأنه إثراء تراثه الفكري والفني والإضاءة على تطوره.
الدكتور طارق الشدياق
وتحدث رئيس اللجنة الدكتور طارق الشدياق عن حكاية الكتاب، بقوله:”عندما عثرنا على المخطوطات وقمنا بترميمها، وجدنا أن جبران عند إنجازه لكتابة ورقة يقيم نوعا من الدعابة مع نفسه أومزحة صغيرة، يكتب “أقلب الصفحة يا جبران”، أو “أقلب الصفحة يا فتى”.
وأضاف :” كان عندنا قسم في المتحف، وكان علينا تجميع مخطوطات أخرى، فجمعنا مخطوطات أكثرها من الولايات المتحدة، و بالتحديد من جامعة نورث كارولينا، وألفنا لجنة للتحقيق والدراسة بهذه المخطوطات على أن تعيد طباعتها على أوراق بيضاء فاختارت اللجنة ما نشر في الكتاب”.
وتحدث عن أهميتها: “هذه الوثائق ثبتت كل ما نعرفه عن جبران. فجبران تناول العلاقات الإنسانية، علاقة المرأة والرجل، أو الظلم اللاحق بالمرأة، بالسلام والعطاء والمحبة ومختلف القيم الإنسانية، كلها ظاهرة في المخطوطات، إنما بأسلوب مختلف. وهي تضيف جديدا على ما قاله جبران، لأن فيها مقالات كاملة تصلح للنشر. ولم ينشرها في حينه، وتناولت قضايا الناس الموجودين منتقدا عدم خروجهم نحو الحضارة والرقي وتعبدهم لأصحاب السلطة وخضوعهم للقمع، لكنها تصب في الروح الجبرانية”.
![]() |
المتحثون في الندوة |
وشبه الرسوم في الكتاب بالخربشات، ربما بقلم الرصاص أو قلم فحم صغير، مضيفا “هذه الرسوم نشعر أننا شاهدناها سابقا في مكان ما، وهي رسوم ولكن فيما بعد طورها ورسمها على لوحات”، وهناك رسوم جديدة وفيها العديد من البورتريهات لأشخاص لا نعرفهم ربما كانوا رفاق دربه أو جيرانه، ولم يترك عليها أسماء”.
أنطوان الخوري طوق
بداية البحث في المخطوطات كانت عام 2008 عندما كان أنطوان طوق رئيسا للجنة، وهو عرض تجربته البحثية في الكتاب الجديد: بدأنا البحث منذ سنة 2008، بترميم مخطوطات بدأ تاريخها عندما كان جبران في السن الخامسة عشرة من عمره حيث كان يتعلم في مدرسة الحكمة في بيروت. وهي موجودة في المتحف ولم تكن مرممة فرممناها لدى مختبر متخصص بالترميم في جامعة الكسليك، وعملنا منها معرضا في الجامعة، ثم حفظناها، ووجدنا فيها مادة كبيرة، ونصوصا لم تنشر سابقا، وعثرنا فيها على جبران عندما كان تلميذا يتعلم الفرنسية ويصرف الأفعال. والمخطوطات تعود لمرحلة الحكمة وذهابه إلى باريس 1902-1910، وهي نصوص من دون تواريخ، وهي أقدم من كتاباته المعروفة”.
أضاف: “النصوص موجودة في دفاتر قديمة ومتعددة وأوراق، لم نحصها. واخترنا منها قسما، وهذه المخطوطات عمرها مائة عام، وقد شكلنا لجنة فيها ألكسندر نجار وهو كاتب باللغة الفرنسية، ومتري بولس، وهو دكتور بالأدب العربي، ووهيب كيروز حافظ متحف جبران، ومحسن يمين كمؤرخ، وأجرينا بحوثا عن كتابات جبران والكتب الصادرة له لنتأكد من نصوص إن كان قد سبق نشرها، ووجدنا أن ليس أي منها منشورا. والوثائق غير المكتملة، والمسرحيات والقصائد والأشياء التي سبق أن نشر ما يشبهها، كلها لم ننشرها، واكتفينا بقسم على ان ننشر قسما ثانيا في فترة لاحقة”.
ودافع عن فكرة نشر الكتاب لأنها “لا تعتبر تجاوزا لإرادة جبران فهناك نظرة لمعرفة كيف بدأ وكيف تطور واستمر، وفي هذا العمل إضاءة على تطور النص عنده، فإذا نظرت إلى مسودة واحدة تجده يكتب فكرة، وبعد قليل تخطر على باله فكرة ثانية لا علاقة لها بالأولى. فأكثر كتاباته توارد خواطر، وأقوال متناثرة، وبعد ذلك يشكل نصا منها. وعندما كان يكتمل النص كان يفرح فيعبر عن فرحه بكتابة عبارة “اقلب الصفحة يا فتى”، و”اقلب الصفحة يا جبران”، ومن هنا استوحينا عنوان الكتاب”.
ورأى أنه “في النصوص أقوال تشبه ما ورد في رمل وزبد، والنصوص الشعرية ووجدانيات ومقالات وقصص وفصول مسرحية. وفي نفس الوقت، الرسوم الأولى. لاحظنا أنه عندما يكتب يريد أن يستريح، أو يفتش عن فكرة فيخربش ويرسم، جمعنا هذه الرسوم”.
الكاتب عبده وازن
وفي الندوة التي أطلق الكتاب فيها، علق الصحافي والشاعر عبده وازن بالسؤال: “هل كان يرضى جبران بنشر كتاب “إقلب الصفحة يا فتى” بعد أكثر من نصف قرن على رحيله؟”. لكن “هذا السؤال لا جواب له وقد طُرح مرّات ومرّات. لو كان يبغي إصدار هذا الكتاب، أما كان أقدم بنفسه على غربلة النصوص فيه وإصدارها؟”.
وأضاف أن الكتاب “ينمّ عن أسرار الصنيع الجبراني. ليس كتاب جبران هذا سوى كتاب اللا اكتمال وفرادته تكمن في هذا اللا اكتمال. فهو كتاب الكتب، وهو أيضاً كتاب اللاكتب. لكنه حتماً يُقرأ بمتعة خاصة”.
وخلص وازن إلى أن الصفحات “تفاجئ القارئ بآراء جريئة لجبران، وتكشف عن الرؤيا الجبرانية”.
![]() |
وثيقة بخط جبران خليل |
الفنان والناقد سيزار نمور
سيزار نمور علق على رسوم جبران في الكتاب فرأى أنها “تشير إلى إهتمام جبران الشديد بالرسم، وتؤكد نظرته إلى نفسه كأديب وفنان في آن”.
أضاف: “أقام جبران معرضه الأول في أميركا في سن مبكرة نسبيا، أي في الحادية والعشرين. ويظهر أن اهتمام جبران منذ صغره انصب على موضوعين رئيسين: تصوير الشخص ورسم العارية يجسد بها ذاته كرسام أفكار ألبسها الشكل الإنساني، وبقي ضمن الحدود التي رسمها لنفسه، وقلما حاد عنها.
وقال أن “جبران يظهر في رسومه رومنتيكي النزعة، ولكنه بعكس الرومنتيكيين، ابتعد عن رسم الطبيعة وأشيائها، وهو رمزي الاتجاه في تعبيره عن خياله بالتبصر بأوضاع الأجساد كأدوات إيحائية دون تفصيل واقعي”.وانتهى نمّور قائلاً: “ما رسوم جبران في هذا الكتاب إلا استراحة فنّان”.