العشم العربي …. الفيلم العربي بين المركز والهامش

بين فترة وأخرى تسود الأجواء الثقافية والفنية وتتصاعد خلافات ونقاشات حول مسألة السيادة الفنية والانفتاح على الآخر ، وتبقى دائما مصر قطبا في مواجهة الأقطاب العربية الأخرى باعتبار أن مصر رائدة الفن الدرامي ( سينمائيا وتلفزيونيا ) ، ومؤخرا بدأت النقاشات تأخذ بعدا آخرا وخصوصا بعد أن شعرت مصر بتراجعها عن مركز الصدارة، فبدت الدراما السورية وخاصة التلفزيونية منها تظهر على السطح وبقوة ، بل أكثر من ذلك بدأت العناصر الفنية السورية تتدخل وتتداخل بشكل كبير في الأعمال العربية الأخرى وخصوصا المصرية منها ،وجاء  أفول نجم المحطات والقنوات التلفزيونية الأرضية وسطوع نجم القنوات الفضائية -الخاصة تحديدا- ليكسر حاجزا آخر أضعف قليلا أو كثيرا هيمنة الدراما المصرية عربيا .
هذه القضية كانت مثار جدل بناء وحوار رصين على هامش انعقاد مهرجان الرباط السينمائي لسينما المؤلف المنعقد مؤخرا في الرباط في المغرب حيث ارتأت كل من قناة النيل سينما بالاشتراك مع القناة الأولى المغربية إلى جمع عدد لا بأس به من نجوم وصناع السينما في الوطن العربي تعزيزا للحوار وفتح هذا الملف الشائك من خلال سهرة تلفزيونية  اطلق عليها اسم ” العشم العربي “بثت يوم الخميس  5 اغسطس 2010.

 أسئلة كثيرة…

 

“المر والرمان” الفيلم الفلسطيني الذي نال جوائز 

 الكل يتساءل لماذا لا يتم ترويج الفيلم السوري أو الجزائري أو المغربي أو التونسي أو غيره في مصر؟ ولماذا لا تستقبل دور العرض السينمائية في مصر  أفلام العالم العربي؟ ولماذا لا يبث التلفزيون المصري أعمالا سينمائية عربية  وخصوصا بعد أن أصبحت له قنوات متخصصة ؟؟ ولماذا تحب السينما المصرية أن تصّدر نفسها  لتكون في بيوت جميع العرب ولا تحب أن يدخل على بيتها الفيلم العربي …؟؟
دارت أسئلة كثيرة ومحاور عريضة وواسعة  كانت أكبر من أن تحل او تناقش فقط في حوار خاص أو مع بعض النجوم والفنانين اللذين في النهاية ليسوا هم أصحاب القرار في هذا الموضوع. ولكن ربما  تكون هذه السهرة بذرة لنقاشات اكبر ولإيجاد حلول لمشكلة السينما العربية عربيا فيما بعد  ..
الهدف الرئيسي من إقامة هذه السهرة قبل تسجيلها فعليا  كان  الحديث عن مشكلة اللهجات العربية الصعبة الفهم  وخصوصا بالنسبة لمصر التي اتهمت بالانغلاق على لهجتها ولا تبذل مجهودا لفهم لهجة بقية العرب وخاصة المغرب العربي. واعتبرت هذه المشكلة هي التي تمنع  انتشار الأعمال الدرامية  العربية  بشقيها السينمائي والتلفزيوني إلى البلدان العربية وتقف حاجزا بينها وبين الجمهور. وأثناء مناقشة قضية اللهجة تحول الحوار فعليا إلى حالة من الصراحة والعتاب من النجوم العرب.

ولكن … لماذا مصر؟

لماذا نتجه دائما لمصر ونشعر أن المعنيين والقائمين على هذه الصناعة يقفون في وجه الأعمال العربية الأخرى، ولماذا ننقد مصر لأنها لا تعرض سوى الأعمال المصرية والأمريكية والقليل من الأفلام الهندية بينما لا تجد الأفلام العربية طريقا لها، حتى وصل الأمر إلى تسمية الفيلم المصري بالفيلم العربي أما الفيلم الأجنبي فهو الفيلم الأمريكي تحديدا .
بالدرجة الأولى وكرد على هذا التساؤل يذهب البعض إلى أن المتحكمين في حركة السينما في مصر لا يقفون في وجه العروض السينمائية العربية فقط، بل إنهم يقفون أيضا في وجه العروض المصرية المستقله ذات التوجه النخبوي ويقفون أيضا في وجه الأفلام الأجنبية غير الأمريكية أيضا، فلا تعرض فيلما ايطاليا أو فرنسيا أو إيرانيا ….الخ ، فهل المسألة لها علاقة بالأرباح والاحتكار. وهنا طرح سؤال آخر وهو هل أن هذا العالم السينمائي الافتراضي تحكمه فئات تديره حسبما تشاء فتروج لما يخدم مصالحها الشخصية وثقافتها وتغفل ما يخالفها ويتناقض مع مصالحها أم أن المسألة لا تتعدى الربحية ( إنتاج رخيص يحقق ربحية اكبر) ؟؟ الإجابة عن هذا السؤال رده فقط لدى شركات التوزيع والإنتاج السينمائي عامة..
وإذا كانت كلمة الربحية تعني أن دور العرض تشهد إقبالا جماهيريا فهل هذا يعني أن الموزعين والمنتجين على وعي كامل بحاجيات الجمهور ورغباتهم ؟ وإذا كانت هذه الجماهيرية تعني أن الفيلم جيد فهل هو حقيقة فيلم جيد يستحق المشاهدة أم أنه في الحقيقة فيلم رث ومتدني كتدني الوضع الاقتصادي والثقافي في بلادنا العربية ؟؟؟

عندما التقيت الكاتب مصطفى محرم  صاحب القلم الرصين ويعتبر من الكتاب الذين يوازون بنجاحاتهم وكتاباتهم الكتاب الكبار في مصر، أخبرني ولربما صدمني حينما تمسك برأيه بأن العمل الدرامي(وكان كلامه متجه إلى السينما تحديدا) “ما لم يحقق جماهيرية ومبيعات لا يمكن أن نعتبره عملا ناجحا بأي شكل من الأشكال”.
 في حقيقة الأمر رأي مصطفى محرم هذا يثير الخوف  وهو الرجل المثقف، الذي يميز الرث من الجيد فكيف لنا مثلا  أن نعتبر ان أفلاما مثل سلسلة (اللمبي) للنجم محمد سعد  هي أفلام ناجحة ؟وهل نستطيع أن نعتبر ميل الجماهير لهذا أنواع من الأفلام – التي يصنفها النقاد بأنها الرديئة- هو معيار لنجاح الفيلم ومعيار للذوق العام في مصر مثلا ؟؟
وكيف لنا أن نقول إن بعض الأفلام العربية التي كان لها حظ الوصول لصالات العرض المصرية إنها أفلام فاشلة لأنها لم تستمر سوى أسبوعين ولم تجد اقبالا جماهيريا لها وهي التي كانت قد نالت جوائز عديدة وحظيت بإعجاب النقاد مثل الفيلم الفلسطيني “المر والرمان” و “سكر بنات” اللبناني وغيرها من الأفلام، وهي ليس لأنها أفلام نخبوية تطرح قضايا في الصميم لا يريد الجمهور المصري المتعب والمكسور الخاطر الذي يريد أن يدفع ماله لمشاهدتها بعد يوم طويل مجهد .
وماذا سيقول الأستاذ محرم عندما يعرف أن فيلما ناجحا في مصر لنجم الكوميديا عادل إمام لم يستمر عرضه سوى أيام في صالات دمشق أو تونس أو بيروت، فهل هذا يعني انه فيلم فاشل ؟؟
ولماذا لا نربط هذا التخلف السينمائي بتخلف الثقافة نفسها التي أدت إلى اختلاف ذائقة الجمهور الفنية وتراجعت بسبب وجود مؤسسات وشركات خاصة تعمل منذ سنوات على تخريب هذا الذوق لتمهد لنفسها سوقا رائجة لاستقبال منتجاتها التي تصنعها برغبتها وتدعي أن ( الجمهور عاوز كده) ؟ ومن قال إن الجمهور وحده يقرر ما يريده أو ما يحتاجه ؟؟

 

آخر سلسلة من أفلام اللمبي الشهيرة جماهيريا 

فهناك عشرات الأفلام إن لم نقل أكثر بكثير من الأفلام السينمائية المصرية وغيرها التي يتم إنتاجها كل عام غير صالحة  للمشاركة في المهرجانات السينمائية حتى العربية منها بل وغير صالحة للعرض المحلي أصلا ، مع ذلك تلقى رواجا وسوقا لها في مصر.

المشكلة السينمائية عربيا عربيا..

المشكلة الأخرى التي تم تناولها في هذا الحوار  هي مشكلة عربية عربية ، فمثلا الأفلام السورية والجزائرية …الخ ،  لا تعرض في الصالات السينمائية المغربية والتونسية والعكس صحيح..
قد يبدو للبعض وبنظرة سطحية أن مشكلة الدراما العربية وتحديدا السينمائية تكمن فيما ما أطلق عليه القائمون على السينما من منتجين وموزعين خطأ مشكلة اللغة (وهم يعنون بطبيعة الحال اللهجة ) ،وهو أمر قد يبدو في جانب منه احد أسباب الابتعاد عن الأفلام العربية في الأسواق العربية وخصوصا شمال أفريقيا الذين ينطقون العربية بلكنة خاصة ويلونونها في كثير من الأحيان باللغة الفرنسية، وهو أمر  لا يمكن التنازل عنه من جانبهم طالما أن الدراما تعكس واقعا اجتماعيا لمجتمع ما، فكيف لنا أن نغير من طبيعة تلك المجتمعات، ولماذا لا نبدأ بالتدريج بفهمها وتقبلها كما تفعل هي حين تتقبل لهجاتنا المحلية سواء  المصرية أو السورية واللبنانية وتتبناها .
على أية حال لا يمكن أن تكون مشكلة اللهجات العربية  هي  السبب الحقيقي والوحيد  وراء عدم ترويج أو توزيع الأفلام العربية عربيا، ولكن بالتأكيد هناك مشكلات  أخرى تتعلق بمسألة الإنتاج نفسها فمعظم البلدان العربية  فقيرة إنتاجيا لا يتعدى إنتاجها السنوي فيلمين أو ثلاثة أفلام ، فيما لو استثنينا المغرب الذي وصل إنتاجه إلى ما يقارب 15 فيلما روائيا سنويا بدعم أوروبي صريح ، وهو رقم يحسب له الحساب في الخارطة السينمائية الحديثة، هذا الإنتاج الكبير والذي يسمح للمغرب كدولة بالتواجد في معظم المهرجانات السينمائية وخصوصا العالمية منها، لم يشفع له بالتواجد على الساحة العربية وخاصة المصرية منها  .
ثم هناك مسألة تشمل أيضا معظم البلدان العربية فيما لو استثنينا مصر والأردن وربما لبنان ، ألا وهي مسألة قلة  صالات العرض السينمائية، فمثلا في مدينة دمشق  كلها لا نجد سوى خمس صالات عرض وهذا لوحده يعتبر كارثة على الموزع والمنتج وعلى الصناعة برمتها، وبحسبة بسيطة سنجد أن أي فيلم عربي أو حتى سوري سيكون خاسرا فيما لو عرض سينمائيا، خصوصا مع وجود سوق الأفلام المقرصنة   أما في الأردن فالمسألة مختلفة تماما فالأردن لا تعاني من مشكلة في الصالات بل تعاني من الفقر في الإنتاج الروائي رغم بعض التجارب ، والبديل لديها لشغل هذه الصالات هو عرض الأفلام المصرية والأمريكية وغيرها كحل لتغطية نفقات هذه الصالات .
اذا ليست مشكلة ترويج الفيلم العربي عربيا متوقفه على اللهجة ، وليست فقط مسألة انغلاق على الآخر أو انفتاح عليه، بل هي مشكلة  اكبر من ذلك بكثير ولها أقطاب وأطراف عديدة ، وحلها الأكيد في قدرتنا على الإنتاج و التوزيع المشترك والقدرة على تحمل الخسارة لفترة محدودة، وأهم من ذلك رغبتنا في تحقيق تواصل ووحدة عربية ثقافية وفنية  عجزت الأنظمة السياسية عن تحقيقها بينما تمكنت الدراما التلفزيونية مؤخرا من تحقيقها وحصاد نجاحها فنيا و ماديا ومعنويا .


إعلان