المشاهد العربي في رمضان أعيته المسلسلات
لمى طيارة / دمشق
رغم أن الوقت قد يبدو مبكرا للخوض في الأعمال الدرامية الرمضانية التي أعيت المشاهدين حين وصلت إلى حد فاق احتمالهم لكثرتها بداية ,وثانيا لطرحها مواضيع قد لا تتناسب والشهر الفضيل ، شهر العفة والأعمال الصالحة . إلا أن واقع الحال هذا العام يشير الى تراجع مستوى النصوصٍ الدرامية العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص .
أن هذا السباق المحموم الذي تقوم به القنوات الفضائية وقبلها شركات الإنتاج الدرامي ، أصبح على أشده هذا العام ، لدرجة أن المشاهد العربي لو أراد ان يشاهد ثلث ما يعرض على شاشاته لوجب عليه التوقف عن الطعام والقيام والعمل ..
وفي حين تجاوزت ميزانية الأعمال المقدمة في شهر رمضان لهذا العام ما قيمته 300 مليون دولار أمريكي وهو رقم كبير جدا يصلح لتجهيز جيش كالجيش اللبناني ، ولإطعام وكسوة وتحقيق الأمان ولو لفترة محدودة ٍلشعب كامل يتضور جوعا وظلما كشعبنا الفلسطيني .
ولكن رغم ذلك ورغم كل ما يصرف على انتاج الأعمال الدرامية العربية من أموال وتسابق الممثلين وقبلهم المخرجين وكتاب السيناريو على نيل نصيبهم من هذه الوليمة الرمضانية التي لم تعد بخافية على احد لم نجد أي عمل يتطرق للقضايا الكبرى التي تعيشها امتنا العربية او التي ستعيشها قريبا ، حتى أننا لم نجد عملا واحدا يتطرق للقضية الفلسطينية او لوضع الشقيقة العراق، فيما لو استثنينا ” انا القدس” للمخرج الفلسطيني الاصل باسل الخطيب العمل (الذي للاسف) لم يحظى بالاهتمام و بالمشاهده المطلوبه.
بل على العكس وجدنا هذا العام تراجعا للأعمال ذات البعد القومي وتقدما ملحوظا للأعمال المغرقة في المحلية ، طبعا مع وجود بعض الاستثناءات.ولم تخلو بطبيعة الحال هذه الأعمال من الدموية والعنف الجسدي ومشاهد الإثارة .
كل ماسبق يدفعنا للتساؤل:
لماذا يقوم صناع الدراما التلفزيونية العربية بشكل عام بالاستخفاف بالمشاهد العربي ، وهل أصبح المشاهد العربي على حد قول الاعلامي غسان بن جدو ” ملطشة”؟.
لماذا لم تعد القضايا الكبرى محط أنظار واهتمام الكتاب وشركات الانتاج؟ام ان السوق يفتقد اصلا لامثال هؤلاء الكتاب وان سوق العرض والطلب يفرض الابتعاد عن تلك القضايا ؟
و هل أصبح المشاهد لعبة خشبية يتقبل كل ما يقدم له وكأنه وليمة لشخص فقير جائع تتحكم بها رؤوس الاموال المنتجة لتلك الاعمال ؟.
قد يجيبني البعض ان المشاهد العربي رقيب نفسه ، لديه العقل والمقدره ليختار ما يتناسب وثقافته واخلاقياته ومبادئه ، فهل هذا صحيح يا ترى ؟ وهل بامكان المشاهد العربي الذي هجر الثقافة والكتاب واصبحت هذه النافذه السحرية مكانه اليومي ليستقي منها آخر الاخبار وليتعرف على التاريخ ، بقادر على ان يعرف ما يريد ؟ ان الحرية المسموح بها للمشاهد العربي هي في الاختيار ما بين (باب الحارة والراية ، مابين الجماعة او ما ملكت ايمانكم ، ما بين ملكة في المنفى او كليوباترا، ما بين سقوط الخلافة او السائرون نياما) ..الخ دون ان نضع له ملاحظة او تنويه وخاصة فيما (يتعلق بالاعمال التاريخية وربما السياسية) انها ليست التاريخ الحقيقي وانما التاريخ كما يراه اصحاب العمل او لنقل التاريخ من وجهة نظر صنّاعه فنيا .
![]() |
من مسلسل الجماعة |
اعمال تستحق التوقف عندها
اعمال درامية كثيرة ما بين تاريخي واجتماعي وكوميدي لا يمكننا التطرق لها على عجاله، إلا أن أكثرها سواء كانت سورية او مصرية او حتى خليجية ، وقعت في مطب الفشل حين اتخذت من الواقع المنحل والفاسد نماذج ومادة دسمة لها ، فغاصت في أعماق القضايا الاجتماعية ودخلت في مواضيع كنا نخجل من طرحها خاصة في مثل هذه الايام الفضيلة ،فها نحن نرى الفساد والخسة والعهروالعري في اعمال كثيرة مثل (العار و الخبز الحرام وما ملكت إيمانكم وغيرها ) .
ولكن رغم ذلك تبقى هناك اعمال تستوقفنا وتلفت انتباهنا ، ليس فقط لجديتها وانما ايضا لاسباب تقديمها في هذا الوقت بالتحديد ، واول هذه الاعمال ما كتبه وحيد حامد في مسلسله ( الجماعة) متطرقا فيه الى قصة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد الشيخ حسن البنا ، العمل الذي يلقى اعتراضا كبيرا من قبل الإخوان المسلمين انفسهم ، لانه برأيهم يتناقض كليا مع ما يتعرض له الاخوان في مصرفي وقتنا الحالي ، بل انهم يشككون في الوقائع نفسها ، ورغم ان توقيت كتابة هذا العمل وبثه في زمن اقتراب الانتخابات في مصر ليس بريئا ، وقد يكون له اعتبارات واهداف اخرى كما يرى الكاتب الصحفي صلاح عبد المقصود ، مع ذلك لا نستطيع ان ننكر اهميته ، من حيث النص الدرامي والاداء والاخراج.
اما العمل الثاني فهو( ملكة في المنفى) للمخرج السوري احمد زهير رجب من بطولة النجمة ناديا الجندي ، وهو العمل الذي يصور لنا الجانب الاخر للملكة نازلي زوجة المللك فؤاد وام الملك فاروق ولعل هذا العمل جاء كرد على العمل التلفزيوني السابق (الملك فاروق ) الذي اعتبره الكثيرون من النقاد غير صحيح تاريخيا وانه اعتمد فقط على الشكل الجميل لبطله تيم حسن .
اما العمل الثالث ، فهو العمل الذي فاجأنا به المخرج نجدة انزور ( ذاكرة الجسد) المقتبس عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة الجزائرية احلام مستغانمي والذي اعادت بث الروح فيه الكاتبة المبدعة ريم حنا ، وجسد بطولتة جمال سليمان والوجه الجديد امال بوشوشة ، العمل الذي يروي قصة الثورة الجزائرية والحزن الجزائري بعد الاستقلال ، فيما فشل نجدة انزور في عمله الاخر ” ما ملكت ايمانكم” وتعرض للتوقف والالغاء مرات عديده حتى بعد بثه .
![]() |
من مسلسل سقوط الخلافة |
اما العمل الرابع الذي اردت الوقوف عنده في هذه العجالة فهو العمل الاكثر اهمية والاصدق من وجهة النظر التاريخية فهو ” سقوط الخلافة ” من تاليف يسري الجندي واخراج محمد عزيزية ومن بطولة عباس النوري، هذا العمل الذي يصور لنا الدولة العثمانية في تركيا ابان حكم السلطان عبد الحميد ، والدور الذي لعبه اليهود الضولمة في سقوط هذه الدولة العظيمة وتلقيبها بالرجل المريض.
ولعل هذا العمل من اهم الاعمال الدرامية والتاريخية وربما هو درس للاجيال الحالية والقادمة واعادة تذكير للمقولة الشهيرة ( التاريخ يعيد نفسه) ، ولكن للاسف هذا العمل ايضا لم يلق الإقبال الجماهيري الكافي لانه لا يعرض في كافة المحطات بداية، ولان المشاهد العربي وبكل تأكيد ستجذبه المواضيع الابسط والاكثر سخونه واثارة .
و بنظرة سريعة وشاملة لواقع الدراما العربية نجد ان اكثر الاعمال جدية واهمية هذا العام هي الاعمال ذات التعاون العربي الفني المشترك ، الذي اجتمع فيه النص الناجح جنبا الى جنب مع مخرج جيد وممثلين اكفاء وميزانية مناسبة .