أبو زيد: “علماء مسلمون” الجوهر تاريخي والظاهر فني

سلسة “علماء المسلمون” من المشاريع الوثائقية المهمة التي بدات قناة الجزيرة الوثائقية ببث جزئها الأول في رمضان الماضي. وتم استكمال إنتاج جزئها الثاني وعرضه خلال رمضان هذه السنة. وجاء هذا الاستكمال لسلسة بعد نجاح جزئها الأول.
موقعنا كان على موعد للمرة الثانية مع منتجة السلسة دينا أبو زيد للحديث عن أسباب إنتاج الجزء الثاني وعن خصوصية هذا المشروع الوثائقي ورسالته الحضارية..

******

* لماذا قررتم إنتاج الجزء الثاني من علماء مسلمون هل لأنه لقي نجاحا جماهيريا أم لأن رسالته لم تكتمل في الجزء الأول
فكرة استكمال كامل السلسلة مطروحة منذ اليوم الأول لطرح فكرة السلسلة على قناة الجزيرة الوثائقية، ومنذ بداية التخطيط لها ونحن نضع نصب أعيننا الرسالة المرجوة وكيف ومتى تستكمل بجميع شخصياتها. ولكن لطبيعة السلسلة التاريخية والتراثية، اقتضت تجزئتها حتى يتسنى لنا تقديم الرسالة ويكون لنا الوقت الكافي للبحث والتنفيذ. كذلك كنا في انتظار أصداء المشاهدين، لان المشاهد هو الحكم الأول والأخير لأي عمل تليفزيوني، والحمد لله، فقد رصدنا أصداءه من المحيطين ومن موقع الجزيرة الوثائقية كذلك من خلال الجهات المتخصصة التى تعاونا معها السنة الماضية والتي جاءتنا من خلالها العديد من الطلبات التى تحث على استكمال مسيرة التأريخ وتوثيق تلك الحقبة تلفزيونيا بعيون عربية. حيث جرت العادة على أن يكون الانتاج الغربي هو من يهتم بتراث الحضارة الاسلامية بما تمثله تلك الحقبة من همزة وصل في التاريخ العلمي الانساني.

* نلاحظ في هذه السنة تركيزا أكثر على العلوم “الصحيحة” كالطب والتشريح والفيزياء (11حلقة من مجموع 16) ما المقصود بالتركيز والاهتمام أقل بالعلوم الدينية واللغوية
لم نخطط للسلسلة على أن تهتم في مجموعتها الثانية بالعلوم البحتة كالطب والتشريح والفيزياء كما اسلفت بالذكر، ولكننا خططنا لها من البداية لتقديم منارات علمية في شتى ميادين العلم كانت مشاعل الحضارة الإسلامية في أزهى عصورها. وبالتالي تناولنا الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه، اللذان بدونهما ما كانت هناك نظريات لغوية حول اللغة العربية (كانت لغة العلم والثقافة انذاك) إلى يومنا هذا وسط غزو ثقافات أخرى ولغات عديدة، تناولنا كذلك زرياب وما يمكن أن نسميه صاحب مشروع حضاري أتى من العراق إلى الأندلس حاملا معه فنون الذوق (الاتيكيت وكيفية الاعتناء بالروح والجسد) والموسيقى. كذلك ابن العوام الذى حول الفلاحة إلى علم ممنهج الان يسمى بعلم الزراعة بروافدها المتعددة…وابن رشد والمسعودي وابن بطوطة. ولكن وجب التنويه إلى أننا لم نتناول “العلماء المسلمون” كقعيدة الإسلام ولكن كثقافة إسلامية أشرقت في العالم كله طيلة سبع مائة عام. أى حاولنا التأريخ لتلك الفترة وتوثيق “أعلام الحضارة الإسلامية” من خلال مقومات إزدهارها وفي مقدمتها “العلم”.

المنتجة دينا أبو زيد (يمين) تتابع مشاهد التصوير

   * البحث في التاريخ العلمي الإسلامي اليوم هو بحث عن المآثر الحقيقية والباقية للأمة كيف نحافظ على هذا الشعور دون أن ينقلب إلى بكاء على الأطلال
السلسة لا ترسخ فقط  فكرة أننا كنا أمة وحضارة إسلامية  لها شأن حينما اتخذنا العلم دربا والعقل مرشدا والتجربة منهجا. وإنما تحث على احترم قيمة العلم وأننا إذا قمنا بالحث عليه فباستطاعتنا أن نكون مرة أخرى إذا أصدقنا الفعل لا القول وابتعدنا عن البكاء على الأطلال. وأعتقد أننا الآن في أمس الحاجة إلى الاهتمام بتلك الحقبة المشرقة علميا درءا  لما يردد خارجيا بأن الاسلام هو دين الإرهاب وداخليا لإعادة صيانة البنيان وإعادة الثقة بالنفس وإعادة إعمال العقل. خاصة وان هناك حوالي ثلاثة ملايين مخطوطة موزعة بين متاحف ومستودعات المكتبات في أنحاء العالم، دون تحقيق أو دراسة، أى انقطعت صلتنا بتلك الفترة تماما وأهملنا حتى فهمها حق الفهم. ومن قام بالدراسة والتحقيق للقليل جدا من تلك المخطوطات معظمهم من الغرب.

* لقائل أن يقول إن الجمهور العربي والإسلامي مجمع على رقي تراثه العلمي ولا يحتاج إلى تذكير فما هي الغاية من هذه السلسة التي كان من الأحرى أن تتوجه إلى الجمهور الغربي ؟
للأسف العكس هو الصحيح، قد يبدو الأمر لك غير ذلك ولكن إن أمعنت النظر وتوجهت بأسئلة ميدانية للشارع العربي عن مدى معرفتهم بتخصصات الجاحظ، وعمر الخيام، الزهراوي، الخوارزمي…إلخ ستصدم بالإجابات..!! فهناك من سيقول أن عمر الخيام هو ناظم الرباعيات الشعرية، وهو ما غير مثبت علميا ولكن صيته في كل العالم كعالم رياضيات احدث طفرة في علم الرياضيات. ثقافة الشارع العربي اليوم ثقافة قشور، إن وجدت..!!. والدليل أن معظم المتخصصين في تاريخ العلوم في الوطن العربي أعمارهم ما بين 55 إلى 80 عام بينما الحال عكس ذلك في الغرب، حيث تجد متخصصين في العلوم العربية من متوسطي العمر في معظمهم. وذلك ليس حبا واهتماما بشأننا بقدر ما هو عمل جاد من قبلهم على فهم منظومة العلم كاملة، على فهم تاريخ العلوم كاملا، على فهم ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم بشكل مكتمل. ودليل اخر أن معظم معرفتنا بهؤلاء جاءت من الغرب سواء دراسيا أو بتحقيق المخطوطات العربية أو حتى إعلاميا، أنه لم تفكر بعمل توثيقي كهذا جهة عربية غير الجزيرة الوثائقية..

كاستينغ حلقة زرياب

* أيهما كان غالبا على السلسلة البعد التاريخي العلمي أم الجانب الفني واللغة السينمائية بعبارة أخرى ما المساحة التي احتلها الفن في هذا العمل..؟
نحن بصدد عمل في جوهره تاريخي علمي تراثي، ولكن يجب ان يقدم لمشاهد – قد يكون متخصصا وقد لا يكون – بواسطة شاشة تليفزيونية كوسيط مرئي. وعليه، لا يمكن أن يغلب البعد الترايخي العلمي وإلا أصبح نصا مقروءا ينشر في كتاب ويحتفظ به الجمهور بالمكتبة..!! كذلك لا يمكن أن يغلب الجانب الفني دون الجوهر المعلوماتي العلمي وإلا أصبح فيلم روائيا وليس وثائقيا. فأولا وأخيرا نحن نقدم صورة أو بمعنى آخر نستخدم خواص الصورة لإيصال رسالة ومعلومة. خاصة وأنه في سلسلة “العلماء المسلمون” كانت المشاهد التمثيلية مهمة لعدم وجود مواد فيلمية أو أي شواهد مكانية لازلت على حالها من ذلك العصر، فأحدث شخصية تناولناها كانت منذ ثمانمائة عام..!! وعليه جاءت المشاهد التمثيلية كوسيلة مرئية لتحتل ما بين 50% إلى 75% من المساحة البصرية للفيلم وليس من كامل المحتوى المعلوماتي للفيلم الذي يمثل 95% وال 5% المتبقية فراغات موسيقية قد يصحبها تعليق صوتي في بعض الأحيان.

* أخيرا ما هي الرسالة الحضارية لهذه السلسلة أو بعبارة أخرى ماذا ستقدم للمشاهد المسلم الواقع تحت حملات إعلامية وثقافية محبطة احيانا وعدائية احيانا أخرى ؟
لابد أن نتفق ان المجتمع الإنساني اليوم  لم يعد بسيطا كما كان، بل غدا مركبا غاية في التعقيد، وكلما اتسعت دوائر البشر تسعت معها دوائر أخرى: عرقيات-عصبيات-أديان- جدل ونزاع، وحروب. ويبقى الإنسان الحقيقي الذي يعتنق التسامح دينا، والحوار مذهبا، والتعايش أسلوب حياة. وهو على يقين من أن الإنسان لاغنى له عن أخيه الإنسان.
ولما تعالت أصوات في الآونة الأخيرة تقرن الإسلام والإرهاب في أبشع صورها، رأينا من واجبنا ألا ندافع عن الإسلام بالأصوات العالية، بل بإزاحة بعض الغبار عن الصورة الكلية، فالإرهاب ليس مرتبطا بالإسلام كدين، بل هو صفة إنسانية ذميمة تصاحب كل تعصب وغطرسة…ومن ناحية أخرى أردنا أن نتحدث بلغة العلم التي لا يختلف عليها اثنان رافعين راية لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل، ألا وهي: “خير الناس أنفعهم للناس”.
لذا، وبكل بساطة  فقد آلينا على أنفسنا أن نبحث في الجانب العلمي للحضارة الإسلامية…الجانب الذي يعد أساسا لكل حضارة وتقدم، ففتشنا عن أولئك العلماء المسلمين الذين حملوا مشعل النور وأضاءوا، خلال حقبة علمية،  للعالم أجمع  طريق التقدم والرقي في كل المجالات: (اللغة – الطب – الكيمياء – الفلسفة – الحيوان – الجغرافيا – التاريخ – الموسيقى – الفلاحة -النباتات والأعشاب -البصريات – الفلك) وغيرها من المجالات المتغلغلة في حياة الناس.
وقد حرصنا على الرجوع لأكثر من مصدر، ولذنا بأكثر من عالم؛ كل في مجاله بغية الأمانة العلمية، والتوثيق ورد الأمور إلى مصادرها.


إعلان