ساندرا أبرص: حديث عن المفقودين وتجارب أخرى

الفيلم الوثائقي “17000” لساندرا أبرص من إنتاج الجزيرة الوثائقية، يعرض قضية المفقودين، وقد عرضه في  “يوم المفقود” الذي أحيته جمعية “العمل من أجل المخفيين” بالتعاون مع هيئات معنية بالقضية مساء يومي 3 و 4 أيلول (سبتمبر) الجاري.

ساندرا أبرص أخرجت الفيلم اللبنانية من ضمن سلسلة “شهادات ضد الإنسانية”، واعتمدت فيه على مقابلات مع أهالي المفقودين، وعدد ممن أفرج عنهم، بالإضافة لأشخاص عايشوا القضية، وتراكمها التدريجي، ومنهم من مارس عمليات الخطف.

لساندرا أبرص

وعلى امتداد ساعة من الزمن، تلخص ساندرا القضية بكثافة وبراعة لافتتين، منطلقة من شخصية باتت رمزية في القضية هي أوديت سالم الفاقدة لابنيها وزوجها أوائل الثمانينات، وساهمت بفعالية- إلى جانب مهتمين آخرين- في إحياء قضية المفقودين عبر إقامتها في الخيمة المنصوبة أمام الأسكوا ببيروت. لكنها قضت منذ نحو عام في حادث سير أمام الخيمة.

تتحدث ساندرا عن ثلاث جهات مسؤولة عن المخفيين قسرا وهي الداخل اللبناني بما يعنيه من صراعات بين القوى السياسية، وسوريا، وإسرائيل. وتقيم مقابلات مع مفقودين محررين، أو أهاليهم من الأطراف الثلاثة بموضوعية.

وكعادتها، تغرق ساندرا في البحث في القضية التي تعالجها حتى تصبح جزءا منها. وتعلق على قضية المخطوفين بأنها ” أقسى بكثير من القتل.. إنها صعبة ومرة. لقد جعلتني التجربة معنية بالقضية بالصميم وكأن المفقودين كلهم يخصونني”.

ولساندرا باع طويلة في الفن التصويري، والتوثيق، ولها رؤية وأسلوب خاصين بها، ولشدة ولعها بعملها، تشعرك أنها  ولدت وبيدها آلة تصوير، أو قلم تعد به أفلاما قادمة لزمن غير مرئي. ورغم أن الاهتمام لديها بالفيلم ناعته لم يبدأ إلا في الثامنة عشرة من عمرها، لكنها مجبولة بالفيلم، وبحبه، تعجنه بعقلها وتتصوره بمخيلتها، ولا تبدأ العمل عليه، وتنفيذه قبل الغوص عميقا في تفاصيله باحثة عن كل خفاياه وعناصره، حتى إذا شعرت أن معطياته نضجت، أدرك�� أنها قطعت نصف المسافة حتى نهايتها.

ساعتئذ يبدأ المشوار التقني والفني والتخيلي لإخراجه.

تجربتها…

لم تكن ساندرا تدرك علاقة الحب بين التصوير والرواية. فهي أحبت التصوير فكان أبواها يذهبان إلى العمل، وتبقى في المنزل تشبع نهمها للتصوير.. تمارسه بكاميرا الهواة. وكانت تحب القصص والأخبار والروايات. ميول لا تحتاج إلى دراسة جامعية ملحة، ولا إلى شهادات عالية بقدر ما تحتاج إلى رؤية ومخيلة و”حاسة شم” حساسة للوقائع.

وقبل أن تكتشف انه بالإمكان جمع المهارتين، الرواية والخبرة التقنية الإخراجية، لإنتاج أفلام وثائقية من أصناف مختلفة، بدأت تشتغل بتقنيات تصوير الإعلانات، وبشكل تخصصي، وبعد ذلك بإخراج برامج متنوعة مع حطات تلفزيونية مثل  MBC و “أوربيت” وغيرها.

سبق عملها الإعلاني- التلفزيوني التوجه للدراسة الجامعية، فالتحقت بالجامعة اللبنانية- الأميركية لدراسة فن لتواصل.

تقول ساندرا إن “التجربة تقدم للفنان أكثر من الدراسة أحيانا على مستوى معين، ولذلك لا ضرورة للدراسات العليا، خصوصا في مجال السينما، فاعتمدت على الحياة العملانية أكثر مما اعتمدت على الدراسة، واكتفيت بالتخرج الجامعي من جامعة ال BA”.

وفي مقابلة معها تحدثت عن بداياتها في العمل التفزيوني حيث أنتجت الكثير من الأعمال، وكانت الأعمال حلقات على المستوى الثقافي والفني وغيره”.

وفي هذا المجال اكتسبت خبرات متنوعة. تقول: “تدربت على مختلف التقنيات الضرورية للسينما مثل الإضاءة والإخراج والمونتاج، وعملت فيها مع عدة شركات. وفي تلك الفترة كنت أحلم أن أكون مديرة تصوير، لكنني نقلت الحلم للإخراج، ولم أكن خاسرة في حلمي. ورحت أشتغل على إعداد الأفلام، وإخراجها بنفسي”.

وعن بداياتها في الأفلام الوثائقية، قالت: “منذ نحو ست سنوات بدأت بالأفلام الوثائقية. هنا علي تأمين الفكرة، وربما طرحها أحد علي، ومتى تقبلتها، تحمست لها، وانطلقت بها. أستخرج الفكرة من الواقع الذي أعيشه، وأنطلق للعمل عليها. المهم أن يكون الدافع متوافرا لنجاح العمل”.

أفلامها الوثائقية..

 اعتمدت ساندرا خيارات صعبة لإنتاج أفلامها، إن على صعيد الموضوعات التي كانت شديدة التعقيد والحساسية أحيانا، أم على صعيد الأسلوب البحثي المتقدم والمعمق.

تقول إن أول أفلامها هو تاريخي- سياسي عن الرئاسة اللبنانية الأولى منذ بشارة الخوري، أول رئيس رسمي لجمهورية دولة لبنان الكبير، وكان بحدود الساعة طولا. تبعته بآخر عن الرئاسة الثالثة، أي رئاسة الحكومة، بالمنحى عينه، مع إضاءات على إشكاليات حكمت العلاقة بين الرئاستين أحيانا، وطوله أيضا ساعة.

وتنطلق بعد ذلك من الفيلم الهادئ إلى بداية المغامرة مع فيلم “شبح القرصنة”، وهو من جزئين، في ساعة لكل منهما. وشرحت كيف كانت تغوص في إشكاليات موضوعها القاصد للقرصنة الفكرية والثقافية والتقنية الرائجة في عصر الكومبيوتر، بدءا من قرصنة قطع الكومبيوتر الأساسية، والأفلام والأقراص المدمجة، وأنواع النسخ، حتى كادت تتخصص بكل جانب من جوانبها قبل أن تخرجها فيلما موثقا وواسعا عن الأشكال المختلفة لهذه القرصنة في لبنان.

ثم “بيوت بيروت القديمة” وهو وثائقي لساعة عن بيوت بيروت التراثية، وتشكيلاتها، ومصادر تصاميمها الأوروبية المتمازجة مع الطابع المحلي.

وثمة فيلم عن حرب إسرائيل 2006 على الصناعة اللبنانية وكان من المفترض إجراء مقابلة مع وزير الصناعة آنذاك بيار الجميل، وبسبب حادثة اغتياله المفاجئة خلال إنتاج الفيلم، خصصت الفيلم إهداء في بدايته للراحل الجميل.

مع الجزيرة..

إضافة لفيلمها “17000”، وصلت عدة أعمال لها من خلال “هوت سبوت فيلمز” ل “الجزيرة”، فمن ضمن سلسلة “حكايات الشوارع” للجزيرة ، وضعت فيلما عن آخر معاقل ال”كوزموبوليتية” في لبنان وهو شارع الحمراء. وتقول: “عرضت كيف كان الشارع ندا للشانزليزيه، ثم تغير تحت وطأة الأحداث ليصبح شارعا شبيها ببقية أحياء بيروت”.

البحث عن المقابر الجماعية

والفيلم نصف ساعة بحسب شروط “الجزيرة”، وتم من خلال شركة “هوت سبوت فيلمز” أيضا.

ومن ضمن السلسلة عينها، جاء فيلمها “عين الرمانة” تحت عنوان “قلعة الصمود”، وقالت: “وضعته من خلال تحقيقات ومقابلات مع الناس في الشارع، من الذين عايشوا حادثة بوسطة عين الرمانة وما تلاها من أحداث على خط التماس التقليدي”.

“نريد نعود” عن اللاجئين العراقيين ضمن سلسلة “شهادات ضد الانسانية” أيضا، وقد “ترددت عليهم كثيرا وأجريت معهم لقاءات عديدة قبل أن أبدأ تصوير الفيلم لكي أعكس حقيقة معاناتهم”.

وثمة تجربة فذة في فيلم “ناجي العلي” الذي وضعته من ضمن سلسلة “جريمة سياسية” لفضائية الجزيرة. تابعت ساندرا قضية العلي، ومزجت فيه الرواية بالتوثيق، وصور في خمسة بلدان، مع فريق تصوير وتمثيل وتقني كبير ساهمت فيه جوسلين أبي جبرايل كمديرة تصوير في المشاهد التمثيلية الروائية، فكان عملا مميزا من جزئين، في 48 دقيقة لكل منهما.

لساندرا مشاريع مستقبلية صامتة راهنا.


إعلان