المرأة المسلمة و السينما .. طريق لم تفرش بالورود
د. فاطمة الصمادي
لم تكن طريق المرأة المسلمة إلى السينما بالطريق الهين ولم تأت مفروشة بالورود ،وبالعودة إلى تاريخ السينما في الدول الإسلامية مثل تركيا و إيران وأفغانستان نجد أن دخول المرأة إلى هذا الفن كممثلة قبل أن تكون مخرجة جاء مصحوبا بالكثير، ففي مطلع القرن العشرين كانت تركيا تشهد دخول السينما كصناعة للمرة الأولى في تاريخها ، لكن المرأة و وفق قوانين الدولة الدولة العثمانية لم يكن مسموحا لها التمثيل بأي شكل من الأشكال، و لذلك فإن ممثلين رجال هم من كانوا يقومون بدور النساء في السينما التركية، ثم قامت بالدور نساء أرمنيات.
و مع مجيء دولة اتاتورك العلمانية عام 1923 كانت الطريق تفتح أمام النساء لدخول السينما كما في غيرها من المجالات ،ولقيت مشاركة المرأة التركية في التمثيل قبولا واسعا، وحظيت كاهيد سونكو(Cahide Sonku) وهي أول إمرأة تركية ممثلة و مخرجة بشعبية قل نظيرها.
لكن ما حصل في تركيا لم يحدث ما يشبهه في أفغانستان التي مازال مجتمعها إلى اليوم يجد صعوبة في قبول هذا الفن عموما و حضور المرأة فيه على وجه الخصوص، و يروي الناقد علي كريمي في مقال له حول السينما و المرأة المسلمة أن كشف وجه المرأة في أفغانستان كلف الشاه أمان الله خان عرشه حين ظهرت زوجته ثريا سافرة الوجه عام 1928، بعد سلسلة مقالات نشرتها و دافعت فيها عن حرية المرأة و حق تعليمها، مما قاد إلى موجة اعتراض واسعة أدت في النهاية إلى اسقاطه.
| ||
|
وإن كانت السينما الأفغانية اليوم تشهد نشاطا واسعا يقوم عليه عدد من المخرجين و المخرجات الشبان غير المعروفين و الذين درسوا السينما في الخارج، إلا ان الماضي القريب شهد قطع أرجل نساء كن سيمثلن في أفلام على يد حكومة طالبان، و قبل طالبان بكثير لم يكن للسينما الأفغانية تاريخ مضيء بشأن المرأة ، ففي العام 1946 شهد أفغانستان أول فيلم سينمائي بعنوان “العشق و الصداقة” لكن مخرج الفيلم لم ينجح في إيجاد إمرأة أفغانية واحدة تؤدي دورا في هذ الفيلم ، و حلت المشكلة بالسفر إلى لاهور و الإستعانة بفتاة هندية لتؤدي دور الفتاة الأفغانية في الفيلم ، و لم يكن الحال بالنسبة للمسرح بأفضل و بقي الرجال يؤدون أدوار النساء على الخشبة، لكن الحال إختلف كثيرا مع صناعة الفيلم الأفغاني الثاني ، اي بعد عشرين عام من صناعة الفيلم الأول، وبات مألوفا مشاركة النساء في السينما و المسرح و الإذاعة و التلفزيون، لكن المرأة الأفغانية كمخرجة لم تظهر إلا بعد سقوط حكم طالبان، و اليوم لايكاد يخلو مهرجان للسينما خاصة الوثائقية و الخاصة بالشباب من مشاركة نسائية أفغانية، ومن أبرز المخرجات الأفغانيات رؤيا سادات التي تتركز أفلامها على قضايا النساء الأفغانيات لكنها تعمد إلى لغة شاعرية للتعبير عن المعاناة و الألم و من أفلامها “تار و زخمه” اي التار و المضرب ( التار آلة موسيقية وترية) أو كما ترجم اسم الفيلم إلى الإنجليزية playing Tar.
وفي إيران التي تضم اليوم أكثر من عشرين مخرجة و عددا كبيرا من الممثلاث، فالفضل في دخول المرأة إلى السينما يعود إلى المخرج عبد الحميد سبنتا ، وإمراة تسمى صديقة سامي نجاد .وإن كان فيلم إبنة اللر “دختر لر” الذي انتج عام 1933 قد شكل نقظة تحول في تاريخ السينما الإيرانية لأنه كان أول فيلم إيراني ناطق،فقد كان في الوقت ذاته نقطة تحول أخرى بالنسبة للمرأة ، و إن كان الفيلم يحمل تأييدا صريحا لشخصية الشاه رضا خان الذي عاد من زيارة لتركيا معجبا أيما إعجاب بحال النساء في مملكة اتاتورك، فهو في الواقع سجل حضور أول ممثلة مسلمة في السينما ، حيث أدت صديقة نجاد شخصية جلنار ، وقبل ذلك كان ممنوعا على النساء المسلمات التمثيل ، ولتعويض النقص كان يتم اللجوء إلى صبية صغار أو نساء أرمنيات.
![]() |
صديقة نجاد سونكو |
سجلت صديقة نجاد اسمها كأول أمرأة إيرانية ممثلة، لكنها لم تكن تعرف ما ينتظرها رغم النجاح الكبير الذي لقيه الفيلم عند عرضه ومن كل الفئات العمرية حتى الجدات الكبيرات في السن اللواتي كن متشوقات لمعرفة مصير جلنار، فصديقة نجاد التي لقيت التشجيع و الترحيب في طهران و أصفهان و باقة من الورد في آبادان، لم تسلم من الضرب و الشتم في مناطق أخرى، و هو ما ترويه صديقه في الفيلم الوثائقي الذي قدمه محمد تهامي بعنوان: “سينماي ايران از مشروطيت تا سپنتا”/ السينما الإيرانية من المشروطة إلى سبنتا عام 1971 .
ترك زواج محمد رضا شاه و الأميرة المصرية فوزية عام 1939تأثيره في عالم السياسة، لكن هذا التأثير لم يبق بعيدا عن السينما و حضور المرأة فيها.و كان الفيلم المصري المشهور(ليلي بنت الصحراء) الذي أخرجته بهيجة حافظ التي تعد أول مخرجة مصرية عام 1937 قد منع في إيران بسبب ما قيل بأنه إساءة إلى كسرى انوشروان كما يقول حميد رضا صدر في كتابه التاريخ السياسي للسينما الإيرانية ، ثم ما لبث أن منع في مصر حفاظا على العلاقات مع إيران، لكنه عاد إلى العرض 1944 بإسم جديد هو “ليلى البدوية”.
وقبل فوزيه كان حضور نساء الشاه مقصورا على “الحريم” ، لكن السينما و كذلك المجتمع الإيراني وجدا نفسيهما أمام أميرة لاتضع حجابا و تلبس ملابس غربية و تسرف في أدوات الزينة.مالبثت فوزية أن تركت إيران دون عودة بعد طلاقها من الشاه لكن تأثيرها بقي ولم يذهب. لقد رافق حضور فوزية حضور كبير للسينما المصرية و الفنانين المصريين من أمثال ام کلثوم و فريد الاطرش، و هو ماترك تأثيره على السينما الإيرانية لفترة من الزمن خاصة في نهاية عقد الأربعينيات وعقد الخمسينيات من القرن العشرين.و الحقيقة أن مصر و لبنان تركتا تأثيرا كبيرا في التمهيد لحضور المرأة في السينما في مجتمع اسلامي محافظ مثل إيران.