“الفيسبوك” بطلا مرة أخرى ، وعزلة العالم الافتراضي

محمد موسى
رغم ان عروض الفيلم التسجيلي الامريكي “كاتفيش” الاوربية والبريطانية بدأت قبل اربع اسابيع من نهاية عام 2010 ، ولم يتسنى للكثيرين مشاهدته بعد ، الا ان العديد من الصحف والمجلات الاوربية المتخصصة وصفته بانه افضل افلام العام المنصرم كله. الفيلم حصل على اهتمام اعلامي اوربي كبير ، لاسباب منها مجموعة الاتهامات التي وجهت اليه ومنذ عروضه العالمية الاولى ، بعضها من مخرجيين افلام تسجيليين معروفين ، بان الفيلم بالحقيقة هو خدعة كبيرة ، وان ما نراه على الشاشة جرى الاعداد له بذكاء مفرط. تهمة التلفيق هذه ، اصبحت تلازم بعض الافلام التسجيلية وخاصة الامريكية ، والتي تكشف نهايتها عن منعطفات كبيرة تصل الى المفاجئات ، مما يزيد الشكوك حول تدخل صانعيها في الاتجاه الذي اخذته بعض الشخصيات ، او ان يكون الفيلم ملفقا بالكامل ، كما هو الحال مع فيلم “لازلت هنا” ، والذي عرض في عام 2010 ايضا ،وفيه يرافق الممثل الامريكي الموهوب ويكين فينيكس في رحلته للتحول الى مغني “راب” ، حيث تم الكشف بان قرار الاعتزال للممثل السينمائي والذي سبق إنتاج الفيلم ، كان لتضليل الاعلام والوسط الفني ، ومن ثم فرش الطريق لفريق الفيلم في مغامرته والتي لم تلقى استحسان يذكر وقت عرضه.

تهمة التضليل كانت بانتظار فريق انتاج فيلم “كاتفيش” ، مع بدء حملاتهم الترويجية للفيلم في اوربا.حيث هاجمت صحف ومواقع الكترونية على شبكة الانترنيت ادعاء صاتعي الفيلم بانهم لم يتدخلوا ابدا في تسلسل الاحداث في القصة التي بدأت في مدينة نيويورك وانتهت في احد القرى الامريكية الصغيرة ، فكيف تسنى اذن لمخرج الفيلم وابطاله معرفة ان القصة التي بدئوا بتصويرها و التي بدأت عادية سوف تنتهي بتلك النهاية الصادمة حقا؟
رد المخرج جاء مبسطا كثيرا ، ومنسجما مع المناخ الذي صار احد صفات العمل لجيل جديد من مخرجي الافلام التسجيلية الشباب ، بان التكنولوجيا الحديثة الرخيصة جعلت من الممكن تسجيل يوميات مكتب صغير في نيويورك ، مثل ذلك الذي انطلقت منه القصة، على فرض ان يتم الاستعانة بالمواد الفيلمية في وقت ما ، او يتم التخلص منها او اهمالها. فالكاميرات الصغيرة والموجودة في كل مكان في المكتب تقوم بالتصوير اليومي ، لتنقل المادة المصورة بعدها الى الكمبيوتر لخزنها دون عناء كثير. وان التركيز على بداية القصة ، بدأ  بعد ان بدأت تصل الى المكتب والذي يتشارك فيه المخرج السينمائي مع اخيه المصور الفوتغرافي وشاب ثالث ، لوحات موقعة من فتاة في الثانية عشر ، عندها بدئت الكاميرات بتسجيل القصة والتركيز عليها.
والمفارقة ان فيلم “كاتفيش” هو الفيلم الثاني لهذا العام ،والذي يكاد يكون موقع التواصل الاجتماعي الشهير “الفيسبوك” اهم ابطاله ، وبعد فيلم “شبكة التواصل الاجتماعي” للامريكي ديفيد فيتشير والذي عرض في عام 2010 ، ويعتير احد ابرز الافلام المرشحة لجائزة الاوسكار القادمة. ورغم ان الفيلم الروائي الطويل يستمد احداثه من موقع الفيس بوك نفسه بدايته والصراعات التي رافقت تلك الفترة ، ومؤسسيه ، الا ان الفيلم التسجيلي بدا اقرب الى روح موقع التواصل الاجتماعي ، رغم ان الفيلم الاخير لم يكن معنيا كثيرا بالموقع الشهير. حتى انه يمكن القول بان احداث الفيلم التسجيلي نفسه لم تكن ممكنة بدون “الفيسبوك”. فعن طريقه تم ربط او خداع الشخصية الاساسية في الفيلم ( الرسام) ، مع الفتاة الصغيرة ، ومن ثم باهلها ، واختها خاصة ، والتي نشأت علاقة عاطفية (افتراضية) بينها وبين الشاب الرسام.

واللافت ان الفيلم لم يبذل اي جهد في تفسير مرجعياته التكنولوجية الحديثة ، والتي وصلت الى اللغة المستخدمة ايضا. من هنا سيكون الفيلم غائرا في الإبهام وغير مهم على الإطلاق للذين لا يستخدمون موقع الفيسبوك ، موقع “غوغول ايرث”. او الهواتف المحمولة الذكية.
حضور التكنولوجيا الكبير في النصف الاول في الفيلم ، والذي سجل بديات العلاقة العاطفية بين الشخصية الأساسية والفتاة ، تراجع مع النصف الثاني من الفيلم.والذي اختلف ايضا ببطئه وحركة الكاميرا المتأنية ، ليختلف عن نشاط البدايات وخاصة في المكتب النيويوركي. فعندما يقرر الشاب مع اخيه ورفيقهم السفر الى منزل العائلة ، وبدون علمهم ، وبعد ان ماطلت الأخيرة بتأجيل اللقاء الذي صار هاجس الشاب. تبدأ مجموعة الاكتشافات ، والتي وان حملت بعض النفس المخيف الذي قدمته افلام رعب خيالية مثل الفيلم المعروف “مشروع الساحرة بلير” الا ان سرعان ما تتراجع مفسحة المجال للحالات الإنسانية الغير متوقعة والصادمة التي تواجها مجموعة الشباب الأمريكي.
وتماشيا مع اتجاه عام بعد الكتابة عن تفاصيل الفيلم ، وحتى لا تفسد المتعة للذين لم يشاهدوه بعد ، تمتنع هذه المقالة أيضا عن كشف تفاصيل الجزء الأخير من الفيلم. لكن يمكن الإفصاح بان مفاجأة كانت بانتظار الشاب الأمريكي. والفيلم سيأخذ بعدها اتجاه آخر ، ويقدم قصة غير متوقعة على الإطلاق. وشخصيات غاطسة في وحدتها وعزلتها، والى درجة مخيفة احيانا.في إشارة جديدة بان العديدين صاروا يكتفون بعالم افتراضي بدل حيواتهم الهاربة او المتعثرة.
وعودة الى موضوع “الأمانة” في تسجيل القصة في الفيلم. هناك مشاهد وحوارات عفوية الى درجة كبيرة تجعل من الصعب جدا التصديق بانه جرى الاعداد لها او التفكير بها. كمشهد المحادثات التلفزيونية بين الشخصية الرئيسية والشابة. او تلك التي تعقب اتضاح حقيقة العائلة. والتي قدمت بعفوية يعجز اي تخطيط مسبق او سيناريو مكتوب  عن تقديمها بالشكل الذي قدمت فيه.لكن ليس من المستبعد ان يكون الفيلم قد أضاف بعض المشاهد لاحقا وبعد ان تبين ابعاد القصة بالكامل.
ينتهي الفيلم  بتقديم صور ايجابية كثيرة لجيل الشباب. فالمجموعة تكشف خفايا إنسانية نبيلة كثيرا امام الصدمة التي واجهتها في رحلتها.والشكوك التي راودت المجموعة حسمت سريعا بأفعال يمكن ان توصف بأنها أرضت الأجيال الأكبر عمرا ، والتي تعيب دائما على هذا الجيل إسرافه في استخدام التكنولوجيا الحديثة مقابل التواصل الإنساني المباشر.


إعلان