داخل / خارج الغرفة
فيلم وثائقى يكشف الصورة الحقيقية لمنفذ الإعدام فى مصر
القاهرة – سهام لطفى
تختزن ذاكرتنا صورة “عشماوى” ذاك الرجل الضخم صاحب العضلات المفتولة، والشوارب والنظرة الجارحتان، ويديه الخشنة الممتلئة براحة الدم..وهو يقف وفى يده حبل المشنقة يلفه بكل قسوة علي رقبة المجرم، وهو ينفذ عليه الحكم بالإعدام..
قد تكون هذه صورة ملصوقة فى مخيلتنا، من واقع الأفلام التى ظهر فيها عشماوى، لكن تظل الصورة الحقيقية هى التى اوردتها لنا المخرجة الشابة دينا حمزة فى فيلمها الوثائقى “داخل / خارج الغرفة”، والذى عرض مؤخراً فى القاهرة، وسبق ان شارك فى مهرجان أبوظبي السينمائى الدولى، ومن المنتظر ان يشارك فى الدورة المقبلة من مهرجان تطوان السينمائى الدولى فى المغرب.
فى فيلم “داخل / خارج الغرفة” – 52 دقيقة- تطرح فكرة كيفية تعاملنا مع الموت والقتل، من خلال شخصية “حسين قرنى” والشهير ب “عشماوي” وهو الوحيد فى مصر الذى لديه القدرة علي تنفيذ حكم الإعدام علي المجرمين..
وطوال فترة إعداد الفيلم، كانت “دينا” منشغلة بكيفية قدرة هذا الرجل الذى تجاوز الستون عاماً، علي مواصلة عمله ووظيفته كمنفذ لحكم الإعدام لألف شخص، وماذا تعنى له فكرة الموت..؟ ورغم ذلك فإن عم “حسين” – كما اخبرتنى دينا- أنه رجل يحب الحياة بكل بما تحمله من عذابات وألم وموت..
و تعترف دينا بأنها ضد هذا الحكم، لكونه غير أدمى، فكثيراً ما سألت نفسها: كيف يأتى شخص يحدد الوقت الذى يفارق فيه شخص اخر الحياة، لذلك تقول: “الشئ المخيف هو فكرة الإعدام فى حد ذاته وليس الشخص الذى ينفذ هذا الحكم، إضافة لأننى اكره الموت ، وبالتالي اكره الطريقة التى ينفذ بها..ورغم أن الكثير منا يرفض تنفيذ حكم الإعدام، إلا أن عم حسين، يرى نفسه مثل رسول، ينفذ ما امر به الله، وبما جاء فى القرأن الكريم .!! وهذا هو قمة الألم والقسوة” .
كانت دينا منشغلة طوال الوقت بالرغبة فى معرفة مالا يعرفه أحد عن هذا الشخص المسمى ب “عشماوى”، خاصة وأن الإعلام المصرى، إعتاد أن يعطينا صورة غير حقيقية عنه، وزرع الخوف فى قلوب الناس منه، لذلك تقول : “لم أشعر بالخوف من هذا الرجل إطلاقاً، وأرى ان “عشماوي” لا يجب أن يخاف منه احد، وهو فى الأصل يعمل داخل مصلحة السجون، وقرر أن يصبح كما هو عليه الآن، ورفض ان يكون مجرد عسكرى فى وزارة الداخلية والأمن المصري، ويأتي ضابط ويصفعه باليد علي عنقه، فكانت وظيفة العمل كمنفذ لحكم الإعدام فى مصلحة السجون المصرية بمثابة رفض منه ان يكون شخص ضعيف..ومن ثم ادركت أن الخوف منه، مجرد صورة يضعها الإعلام أمامنا، فهو رجل يحمل خفة دم لا يصدقها احد”..
لم يكن سهلاً خوض تجربة إخراج فيلم مثل هذا، خاصة وأن رائحة الموت والقتل كانت حاضرة فيه طوال الوقت.
![]() |
المخرجة دينا حمزة عشماوي |
لذلك قررت المخرجة دينا حمزة بثقة شديدة، خوض تلك التجربة، والتركيز مع من ينفذ الإعدام، وتقول : ” كان لدى تحدى كبير، فى معرفة إحتمال ان يقنعنى عشماوي بأهمية وظيفته ام يفشل فى إقناعى..!! وكيف يهتم بأن يحبه الناس..وطوال الوقت كانت لدى اسئلة عنه، وماهي شكل حياته، هل هو راض عنها”..
منذ فيلمها الروائى القصير الأول “مكحلة” – عام 2004- ، وأنا أدرك موهبة المخرجة الشابة دينا حمزة، كنت انتظر منها الكثير، مثل القليل من المخرجين الشباب فى مصر، والذين يصنفون كمخرجين للأفلام البديلة – المختلفة- أو المستقلة..فهى الان تترقب رد فعل النقاد السينمائيين حول فيلمه الوثائقى “داخل / خارج الغرفة” والذى يشارك فى مسابقة أفاق جديدة فى مهرجان أبوظبي السينمائى الدولى، ومدته 52 دقيقة..
وفى كل مرة كانت المخرجة “دينا حمزة” تقرر العمل علي فيلم روائي، تجد السينما التسجيلية تأخذها، وهو ما يجعلها تسجيب لندائها، فهى ترى ضرورة ان يمر المخرج السينمائى بتجربة الفيلم التسجيلى، لأنه يمنحه القدرة علي الإحتفاظ بالحس التسجيلى فى أفلامه، ويجعله يختار شخصيات أفلامه بعناية شديدة، مثل افلام المخرج خيرى بشارة، والمخرج السوري محمد ملص.
دينا حمزة، التى درست الإنجليزية فى كلية الأداب جامعة القاهرة، أحبت السينما، وقررت أن تتعلم اصولها، فأختارت ان تلتحق بمعهد السينما فى مصر، لكن كمستمعة فقط – بدون مشاريع تخرج مثل بقية الدارسين- بعدها..
ولم تكتفى بذلك، فقد شاركت “دينا” فى العديد من الورش والسينمائية فى صناعة الافلام، بعدها حصلت علي منحة لدراسة السينما فى معهد الفيلم العربي فى الأردن، ومنه انجزت فيلمها الوثائقى الأول “رؤية”، والذى كان بطاقة سينمائية لمخرجة تسجيلية من الجيل الذى ننتمى إليه، وتكمل طريق كانت قد بدأته المخرجة عطيات الأبنودى.. وبعدها عملت كمساعد مخرج مع العديد من المخرجين فى السينما المصرية مثل يسرى نصر الله، وخالد يوسف، وكاملة أبو ذكرى وإنعام محمد على وساندرا نشأت..
وخلال الفترة التى عملت فيها كمساعد مخرج، أخرجت فيلمها الوثائقى الثانى “أصوات” عام 2008، وبعدها شاركت فى إخراج فيلم وثائقى من إنتاج معهد جوتة مصر إسمه “بس فيه حاجة ناقصة” مع مخرج مصري شاب “احمد نور”، واثنان من المخرجين الألمان الشباب..