طنجة: المهرجان الوطني يفتتح السنة السينمائية
دشن المهرجان الوطني للفيلم، الذي تحتضنه مدينة طنجة، تقليدا في السنين الأخيرة، بأن يكون هو التظاهرة السينمائية التي تفتح السنة السينمائية في شهر يناير خاصة بعدما استقر في المكان (مدينة طنجة) وفي الزمن (أصبح سنويا). وهذه علامة إيجابية بكون مفتاح الفضاء السينمائي بيد الإنتاج الوطني.
وعليه، فإن أول تظاهرة سينمائية يعرفها المغرب، في بداية كل سنة جديدة، هو المهرجان الوطني الذي يرسم ملامح المستقبل ويخطط له ويضيف خطوة أخرى بما يتيحه من تداول نقدي وفكري وفني يخص الإنتاج المحلي، دون أن يكون منغلقا على ذاته بقدر ما هو مفتوح على الآخر، إذ أصبح يتابعه عن قرب كثير من الأجانب لمُلامسته والعمل على اختيارات أفلام لمهرجاناتهم. إن المهرجان الوطني هو ملتقى لكل من يهَمُه أمر السينما المغربية.
إن المهرجان الوطني للفيلم حدث استثنائي، بكل المقاييس الممكنة، إذ كل دورة تعيش إيقاعا مختلفا باعتباره اللحظة المُكثفة في الإنتاج والحضور الملموس لجميع الفعاليات وأطيافها الفكرية والفنية. وهو ما يجعل النقاشات الدائرة خلال المهرجان تعرف سخونة في النقد والمتابعة الإعلامية وامتدادهما طيلة اليوم، منذ جلسات الفطور إلى ساعة متأخرة من عُمق الليل. خاصة إذا علمنا أن المدينة نفسها تتيح هذا البُعد بإرثها الثقافي في مجال فنون السينما الذي اكتسبته مع ظهور فن السينما قبل قرن من الزمن وبطبيعة نمط العيش بها. تُعقد الندوات الصحفية صباح كل يوم لمناقشة الأفلام بشكل جماعي ورسمي لكن في الواقع يستعد المتتبعون لها سلفا في حلقات النقاش ضمن مجموعات صغيرة بعد عرض الأفلام مباشرة كما سلف القول.
لم تمر دورة من دورات المهرجان مر الكرام أو “بَارِدة” (رغم أنها تُقام في فصل الشتاء) بقدر ما تكون فرصة للتعبير والتقييم سواء تعلق الأمر بالأفلام أم بالقوانين المُؤطرة أو بالبنيات التحتية. وكل دورة تدفع بالجميع إلى إجراء خطوة أو خطوات إلى الأمام بعد تصحيح ما سبق من تعثرات الماضي، وهذا القانون الجدلي الطبيعي يخضع له الجميع. لهذه الأسباب عرفت السينما بالمغرب طفرة وصل صداها بعيدا.
![]() |
قاعة روكسي المحتضنة للمهرجان
• مميزات الدورة 12 …
فبماذا ستتميز الدورة التي تحمل رقم 12 خلال المدة الممتدة من 21 إلى 29 يناير الجاري؟
أول شيء هو أنه تم تمديد مدة المهرجان بإضافة يوم آخر هذه السنة ليصبح عُمره 9 أيام عوض 7 أو 8 كالأعوام السابقة.
وثانيا يشارك 19 فيلما طويلا في المسابقة بعد أن كانت المشاركة تتوقف عند 10 أفلام كل سنتين (كان المهرجان يُعقد كل سنتين وأحيانا أكثر من ثلاث سنوات) ثم ارتفع العدد إلى 14 فيلما في السنتين الأخيرتين عندما أصبح سنويا ليرتفع العدد في هذه الدورة إلى 19 كما سبق القول وكاد العدد يتجاوز 20 لو أن البنية التحتية (المختبرات أساسا) تسمح بذلك إذ أن بعض الأفلام جاهزة تقريبا تنتظر فقط رتوشات تقنية طفيفة. وهنا ينبغي أن ينكب النقاش على دعم هذه البنية وتوسيعها لكي لا تبقى مقتصرة على المركز السينمائي المغربي فقط أو لالتجاء إلى الخارج.
نشير أن جميع الأفلام الروائية الطويلة المُنتجة خلال السنة لها الحق في المشاركة بالمهرجان الوطني بغض النظر عن مستواها الفني والإبداعي فهل ستخضع مستقبلا للانتقاء للمشاركة حين يرتفع العدد إلى 30 مثلا؟ كما هو الحال مع الأفلام الروائية القصيرة التي تجاوز عددها 70 في السنة فيتم اختيار منها العدد المناسب للأفلام الطويلة من لدن لجنة مستقلة عن المؤسسات المُنظمة للمهرجان الرسمية منها والمدنية.
وقد تم الحسم فعلا منذ ثلاثة أسابيع في الأفلام القصيرة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم (19 فيلما يكون العدد دائما مرتبط بعدد الأفلام الطويلة كما ذكرنا من قبل) وترأس لجنة الاختيار السينمائي المغربي نور الدين كونجار فيما سيترأس لجنة التحكيم الرسمية الخاصة بالفيلم القصير السينمائي محمد مُفْتَكِر.
أما لجنة التحكيم الرسمية للفيلم الطويل فسيترأسها السيد أحمد غزالي، رئيس الهيئة العليا للسمعي البصري، وهو واحد من مؤسسي الأندية السينمائية وجامعتها الوطنية في مطلع السبعينات من القرن الماضي.
وثالثا، أصبح المهرجان الوطني يحتضن أيضا الفيلم الأمازيغي حيث وجد مكانه في هذه التظاهرة بنفس الحقوق في المسابقة الرسمية كمنتوج وطني في إطار التعدد بعد أن كان محروما منها في عهد المدير السابق للمركز السينمائي المغربي سهيل بنبركة. لم يعد يُنظر إليه كإنتاج شاذ وإقصائه بقدر ما يخضع بدوره للنقد والتقييم ودفعه للتطور.
وفي هذا الإطار، وكتتويج لهذه المكانة للفيلم الأمازيغي، فإنه لأول مرة في تاريخ هذه التظاهرة الوطنية يدخل حرف تيفيناغ (الحرف الأمازيغي) إلى ملصق المهرجان أيضا بشكل رسمي.
ونشير، بالمناسبة أيضا، أن قانون المهرجان لا يفصل بين الأجناس السينمائية في المسابقة الرسمية إذ يشارك الفيلم الوثائقي إلى جانب الفيلم الروائي في فقرة مشتركة وليس مفصلا عن بعضهما.
رغم أن مشاركة الفيلم الوثائقي مازالت ضعيفة أو محتشمة لا تتجاوز فيلم واحد في السابق أو حاليا (يرجع ضعف الفيلم الوثائقي في المغرب لاعتبارات سياسية في الدرجة الأولى والتي تستحق تحليلا مفصلا ومنفصلا في العمق التاريخي لفهم واقعه الحالي). ربما حين يرتفع عددها ستحظى بفقرة خاصة لأن مقاييس الحُكم تختلف كثيرا من فيلم وثائقي إلى فيلم روائي.
أما النقطة الرابعة الجديدة، في مهرجان السنة الجارية، فتتعلق بتغيير في بند المشاركة للأفلام بالحامل التقني “بيطا” (beta). ففي الوقت الذي لم يكن مسموحا به سابقا حيث تقتصر المشاركة على الأشرطة (pellicule) فقط، أصبح الآن بمقدورها ذلك بكامل الحقوق.
هذا التغيير فرضه الواقع الجديد الملموس والذي استوعبته الجهة المُنظمة الرسمية للمهرجان وهي مؤسسة المركز السينمائي المغربي بتعاون وباتفاق مع الغرف المهنية (المنتجون والتقنيون والموزعون وأرباب القاعات إلى آخره).
القصد من هذا التغيير يستجيب للتطورات التقنية الحاصلة في العالم إذ أن السينما تتوجه أكثر نحو “الرقمنة” سواء في الإنتاج أو العرض. وإذا لم يواكب المغرب العالم سيجد نفسه في مؤخرة القطار، وربما لن يركبه أصلا، حتى لا يتكرر المشكل الحاصل حاليا مع القاعات السينمائية التي تجاوزها التاريخ.
إن الاشتغال السينمائي الآن يتم بالرقمي (أنهيت من قراءة كتاب بالفرنسية جد مهم وفي غاية الأهمية القصوى بعنوان “موت الشريط” Mort de la pellicule) ليس مجال عرضنا له الآن وإنما أثيره كدعوة للعمل على الانخراط في التطور والتخلص من السينما التقليدية من جانبها التقني أيضا. وهذا ينطبق أيضا على القاعات التي ينبغي أن تغير أجهزة عرضها (هذا موضوع آخر قد نعود إليه في نص مستقل).
![]() |
طنجة الجميلة تليق بالسينما وتليق بها السينما
• في مؤسستنا سينمائي…
إن اختيار عقد المهرجان الوطني خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير فيه نوع من الحكمة إذ يصادف العطلة المدرسية لنصف السنة فيسمح بالتالي بمتابعته عن كثب ليس من لدن الجهور المحلي أو المدن القريبة فقط بل أيضا من باقي التراب المغربي خاصة وكما سبق القول بأن مدينة طنجة مُغْرية بقضاء العطلة فيها لكل من تُتاح له الفرصة.
أمكنة متعددة بالمدينة تعيش على إيقاع المهرجان، ففضلا على القاعة الرسمية، تشارك الخزانة السينمائية بطنجة في هذا الحفل السينمائي بعرض نفس الأفلام المُبرمجة في القاعة الرسمية بالمجان، وتكون ملتقى للزوار بمقهاها المطلة على الساحة الرئيسية بالمدينة العتيقة كفضاء يعرف بدوره نقاشات هامة حول السينما المغربية وأفلامها.
و العطلة المدرسية تفسح أيضا مجالا لأنشطة سينمائية بالمؤسسات التعليمية التي دأب المركز السينمائي المغربي بتنظيمها فيها تحت عنوان “في مؤسستنا سينمائي” بالاشتراك مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين وبتعاون مع المنتدى الثقافي لطنجة ومن تأطير مايسترو التنشيط الثقافي بالمدينة منذ سنوات عدة الكاتب والباحث المسرحي الأستاذ مكروم الطالبي الذي يستحق التصفيق لمجهوداته الجبارة بدون كَلَلٍ بل بحب وعشق وتفان وصمود لا مثيل له.
يتضمن هذا البرنامج ثلاثة أيام (24 و25 و26 يناير كل صباح من العاشرة صباحا إلى الثانية عشرة والنصف) تتمحور حول المهن السينمائية بحضور بعض المخرجين والممثلين والتقنيين حيث يناقشون مجال اشتغالهم مع التلاميذ في نقاشات مفتوحة بمنهجية تسمح باستيعابها. وسيُدشن هذا النشاط التربوي الأستاذ نور الدين الصايل، المدير العام للمركز السينمائي المغربي، بدرس افتتاحي تحت عنوان “السينما والتربية والتكوين” يرافقه فيه الأستاذ عبد الوهاب بنعجيبة، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتعليم لجهة طنجة – تطوان. وقد سبق، في السنة الماضية، عرض أفلام صحبة مخرجيها وممثليها تركت استحسانا عند التلاميذ والطلبة وذويهم إذ أن العطلة تكون في هذه الحالة مُنتجة ومُفيدة ولا تكون هذه الأنشطة الموازية إبان الدراسة لا ينتبه إليها أحد أو باهتمام أقل. ويلتقي هؤلاء التلاميذ والطلبة بعد ذلك في العروض السينمائية بالقاعات التي تبدأ بعد الزوال وتستمر إلى منتصف الليل.
لا يتوقف برنامج المهرجان عند هذا الحد بل ينتقل كذلك إلى المؤسسات الاجتماعية كالملاجئ الخيرية والسجون مثلا بعرض أفلام فيها يصاحبها بعض الفنانين.
لكن، للأسف، يبقى الإعلام المُتابع للمهرجان (خاصة المرئي منه) دائما حبيس القاعة الرسمية وندوات الفندق بسبب الفقر الفكري في التخطيط، بل لا يصل حتى إلى جمهور المدينة للاستماع إلى نبضه وإشراكه في الاحتفال بالسينما المغربية حتى يقترب منها أكثر بالمشاهدة والرأي والإدلاء بملاحظاته مهما كان مستواها.
إذا كان المدير العام للمركز السينمائي المغربي قد قدم في دورة السنة الماضية الحصيلة السينمائية ومناقشتها في مؤتمر صحفي كبير، في اليوم التالي للافتتاح، يحضره كل المشاركين والمدعوين وغيرهم من المهتمين والمتتبعين، فإنه هذه السنة، حسب علمنا، قد فضل أن يقدم الحصيلة في آخر يوم من المهرجان، يعني قبل الإعلان عن الجوائز حتى تكون قد ارتسمت عند الجميع صورة جديدة عن الصورة السينمائية المغربية وما ينبغي اتخاذه من قرارات مستقبلية.