“طبق الديابة”.. النفايات الطبية صناعة وتجارة الموت

أمل الجمل

في “مصر” يُجرم قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 أي نقل أو تداول أو إعادة تدوير للمخلفات الطبية. لأن مخلفات المستشفيات مثل الحقن المستخدمة أو أكياس الدم أو الإبر والمشارط وغيرها من الأدوات الطبية تتسبب في نشر الأمراض المعدية والأوبئة ومنها الإيدز، وكل من فيروس “سي” (C)، و”بي” (B)، أي أشد الفيروسات فتكا بالكبد، فهما يُسببان سرطان الكبد وسرعان ما يقضيان على الإنسان. 
ينص القانون أيضاً على وجوب التخلص من هذه النفايات بالحرق أو بالدفن، على أن تكون درجة حرارة الحرق 120 درجة مئوية حتى تقتل كل شيء طبقاً للقانون. لكن الفيلم التسجيلي “طبق الديابة” للمخرجة الشابة “منى عراقي” يُثبت بالدليل القاطع، المرئي والسمعي، أن الواقع الطبي في “مصر” متردي تفوح منه روائح الغش والفساد إذ لا يحترم القانون أو المواثيق الدولية. فالحرق إذا تم أصلاً يكون عند درجة 40 أو 45 درجة مئوية، أي أن هذه المخلفات الخطرة حتى بعد حرقها تظل شديدة الخطورة وقابلة للفتك بالمتعاملين معها.
أثبت الفيلم أيضاً أن المخلفات الطبية بكافة أنواعها وبدرجات خطورتها- خصوصاً ما يتم وضعها في أكياس حمراء لأنها مُعدية وشديدة الخطورة، أو ما يتم وضعها في أكياس صفراء لأنها مخلفات حادة – لا يتم حرقها وإنما يتم نقلها وتداولها، مع ان المفروض أن ذلك جريمة يُعاقب عليها القانون. أما الجريمة البشعة الكبرى هى إعادة تدوير هذه المخلفات واستخدامها في صناعة الأواني وعلب الطعام البلاستيكية والأكياس ومُبسم النرجيلة وغيرها، كذلك يتم تدوير بعضها الآخر ليُصنع منها الأدوات الطبية مثل الحقن والسرنجات وغيرها الكثير والكثير.

المخرجة منى عراقي

والمفروض أن كل المستفيات فيها محرقة. هذا هو المفروض والحتمي والضروري لأن القانون يُلزمها بأن تقوم بحرق كل مخلفاتها. ليس هذا رأينا وحدنا أو رأي صانعة الفيلم، لكن المتخصصين أيضاً ومنهم د/”ماهر الأعصر” – خبير أمراض الكبد الذي عمل في بعض المستشفيات الحكومية – يُؤكد بحسم: “المستشفيات تنفذ ما يطالب به القانون وتتخلص من مخلفاتها بالحرق.. أصل هتوديها فين؟!” 
لكن بالتدرييج وبعد طرح الأسئلة المستفزة عليه، ومواجهته بأن المخرجة نفسها ظلت على مدار ثلاثة أشهر تشتري هذه المخلفات من مستشفى “قصر العيني” هنا فقط يأخذ الحوار منحى آخر ليُؤكد “الأعصر” أن هناك مستلزمات طبية هو نفسه متأكد من كونها نتيجة إعادة تدوير، وأنه يعرف ذلك تماماً أثناء استخدامه لها مثل السرنجات فهو كطبيب لديه حساسية لمعرفة الأصلي من المُعاد تدويره. 

يهتم فيلم “طبق الديابة” بمن يحيون في قلب الخطر. ويستند إلى نتائج البحوث التي أُجريت عليهم ففي أول حصر سنة 1996 تم اكتشاف 17000 شخص تم علاج 162 حالة فقط. وفي آخر إحصاء سنة 2008 تم أكتشاف 32000 شخص منهم 361 حالة فقط تم علاجها. 

مخلفات طبية

 
مدة الفيلم 35 دقيقة. استغرق تصويره ثلاثة أشهر. اضطرت مخرجته إلى التورط في هذه الصناعة وتلك التجارة والتعامل مع المهربين والإقامة الطويلة في أحد هذه الأحياء حتى تتمكن من تصوير ملابسات تلك القضية الشائكة. قد ينشغل بعض المهوسين بفقدان الجماليات الفنية الضرورية للشريط التسجيلي، بأن الكاميرا الخفية التي لجأت إليها “منى عراقي” أحياناً أثرت على جودة الصورة والإضاءة فجاءت حركة الكاميرا شديدة الإهتزاز ومقلوبة أحياناً، والكادر غير مضبوط، والإضاءة خافتة وضعيفة. مع ذلك ورغم كل ما سبق يُعد الفيلم وثيقة إدانة تفضح هؤلاء المسئولين. ولاشك أن حالة الرعب والفزع الشديد التي تنتاب المرء عقب مشاهدته لهذا الفيلم هى بمثابة ناقوس للخطر، صرخة توعية وجرس إنذار للناس في بلادنا ولغيرهم في المجتمعات الآخرى التي تعيش نفس الظروف الإقتصادية والإجتماعية. 
 


إعلان