المُخرجات العربيات بمسابقة المهر التسجيلية
صلاح سرميني ـ دبي
تضمّنت مسابقة المهر العربي للأفلام التسجيلية في الدورة السابعة لمهرجان دبي السينمائي التي انعقدت خلال الفترة من 12 وحتى 19 ديسمبر 2010 عشرة أفلامٍ روائية طويلة، و13 فيلماً تسجيلياً طويلاً، و15 فيلماً روائياً قصيراً، وكلّ من شاهد تلك الأفلام، أو بعضها، أو تصفح على الدليل الرسميّ على الأقلّ، لاحظ رُبما بأنّ المرأة العربية المخرجة(أو من أصولٍ عربية) قد غابت تماماً عن الأفلام الروائية الطويلة، بينما وقفت أربع مخرجاتٍ خلف الكاميرا من مجموع 15 فيلماً روائياً قصيراً:
ـ حبيبتي، نور وزي (لبنانية)، المملكة المتحدة.
ـ تليتا، سابين الشمعة (لبنانية)، لبنان
ـ مختار، حليمة ورديري (مغربية)، كندا.
ـ ما نموتوش، أمل كاتب (جزائرية)، فرنسا.
ولا أعرف فيما إذا كانت الصدفة وحدها هي التي رجحت كفة عدد مخرجات الأفلام التسجيلية الطويلة المُتسابقة( 7 أفلام من أصل 12 فيلماً، وفيلمٌ واحدٌ من إخراج مشترك بين مخرج، ومخرجة) .
ولا أمتلك إحصائياتٍ توثيقية أكيدة، وغير أكيدة عن حضور المرأة العربية المخرجة في كلٍّ من الأفلام الروائية الطويلة، والتسجيلية (ومن المفيد إضافة أفلام التحريك، الأفلام التجريبية، والفيديو كليب)، ورُبما تستوجبُ هذه الإشارة دراسة مُعمّقة حول ميول المرأة العربية المخرجة (ومن أصولٍ عربية) نحو أحد الأنواع السينمائية .
وسوف أكتفي اليوم بتقديم كشف عامّ للأفكار، والقضايا الشخصية، والعامة التي تشغل المرأة العربية المخرجة في أحدث إنتاجاتها (كلّ الأفلام من إنتاج عام 2010).
في فيلمها “بيروت ع الموس” تُنجز اللبنانية “زينة صفير” فيلماً عائلياً حميماً عندما تُوجه الكاميرا نحو أبيها “إيلي صفير”، وتنبش في ذكريات حياته المديدة حلاقاً في أحد أكثر صالونات بيروت رقياً، وفخامة، ويبقى هذا النوع من “الأفلام التكريمية” أكثر صدقاً من موضوعاتٍ أخرى يُغلفها القليل، أو الكثير من التصنّع.
“بيت شعر” فيلم المصرية المُقيمة في ألمانيا “إيمان كامل” أكثر من رسالة إعجابٍ تُوجهها إلى النساء البدويات في شبه جزيرة سيناء المصرية، وليست الصدفة وحدها التي قادت المخرجة للسفر إلى ذلك المكان القاسي حياتياً، واللقاء مع البدوية “سليمة جبالي” التي تمكنت من تحطيم الكثير من العادات، والتقاليد، حيث تعلمت، وعملت، وتزوجت في سنٍ متأخرة من قاهريّ.
![]() |
من فيلم سقف دمشق |
في المُقابل، يعكس الفيلم صورة امرأة أخرى هي المخرجة نفسها التي ترّبت في أجواء فنية، وثقافية متميزة، وفي عام 1987 رحلت بدورها إلى ألمانيا، وعادت إلى سيناء في رحلةٍ تأملية صوفية، تتعلم منها، وتُعلم.
يُظهر الفيلم قواسم مشتركة بين المرأتيّن على الرغم من اختلاف الظروف المكانية، والحياتية بينهما.
“سقف دمشق، وحكايات الجنة”، فيلم السورية “سؤدد كعدان” لا يقلّ شعريةً عن عنوانه، وهي بدورها أنجزت فيلماً طازجاً يحتفي بالمكان، والناس العاديين ينبشون ذكرياتهم، حكاياتهم، وأساطيرهم عن الأمكنة التي يعيشون فيها، أو تعيش فيهم، فيلمٌ “تواصلي”ّ بين الأجيال، يخطف العين، والقلب في رقته، وحنانه.
في فيلمها “حمامة”، لم تبتعد الإماراتية “نجوم الغانم” كثيراً عن زميلاتها، فقد اختارت امرأة مسنة عاشت حياتها تمارس الطبّ الشعبي، وهي لا تقلّ صبراً، وعزيمة على الرغم من سنواتها التسعين، ومنها سنوات طويلة بدوية مثل “سليمة جبالي” المصرية الأكثر شباباً في فيلم “بيت شعر” للمخرجة “إيمان كامل”.
تتشارك الأفلام الأربعة بتيمةٍ واحدة، قصّ الحكايات، والإصغاء لها، حكاية والد “زينة صفير”، الحكايات التي كانت تنسجها “إيمان كامل” صغيرةً، وتلك التي تحكيها “سليمة جبالي”، “سؤدد كعدان” تستمع إلى الحكايات المُسترخية في باحات البيوت الدمشقية القديمة، و”نجوم الغانم” تكرم حكاية “حمامة” التسعينية.
بينما تُواجه التونسية “كوثر بن هنية” في فيلمها “الأئمّة يذهبون إلى المدرسة” موضوعاً حساساً في فرنسا، إن لم نقل ملتهباً، وتُعرفنا على الأئمة الجدد في جامع باريس الكبير الذين ينجزون برنامجاً تدريبياً لا علاقة له بالدين امتثالاً للتشريعات الاجتماعية الجديدة.
وفي فيلمها “الطريق إلى بيت لحم”، تلجأ الفلسطينية “ليلى صنصور” إلى القصص الشخصية التي يمتزج فيها الخاصّ بالعام، وتُضفي عليه مسحةً روائية، إنها قصة المخرجة نفسها التي تعود إلى مدينتها “بيت لحم”، فتجد المشروع الذي فكرت مسبقاً بإنجازه عن الجدار، يأخذ مساراً آخر لم تتوقعه، فيلمٌ داخل الفيلم، نفس الانطلاقة التي بدأتها المخرجة المصرية “إيمان كامل” في بداية فيلمها “بيت شعر”، وتعليقها الصوتي “حكايتها” بأنها في طريقها لإنجاز فيلم، وفي الحالتين، تعود المخرجتان من مكان إقامتهما، “إيمان كامل” من ألمانيا إلى “جبل البنات” في سيناء المصرية، و”ليلى صنصور” من المملكة المتحدة إلى “بيت لحم” الفلسطينية.
![]() |
بيروت ع الموس الطريق إلى بيت لحم |
الجزائرية “رحمة بن حمو المدني” في فيلمها “تاغناوييتود” حاضرة بدورها تكشف عن شغفها الشخصي بالطقس التقليدي للـ”غشية”، فيلمٌ عن موسيقى “الغناوة” الفولكلورية المُطعمّة بعناصر من الموسيقى الغربية، والعربية، ورغبة في اكتشاف جذور هذه الموسيقى، ورحلة في العادات، والتقاليد، والطقوس التي لا تزال حية في المغرب، ومالي.
ويبقى “ظلال” من إخراجٍ مشترك بين رجلٍ، وامرأة، المصرية “ماريان خوري”، والتونسي المصري الهوى “مصطفى الحسناوي”.
يرصد الفيلم يوميات المرضى في مستشفى العباسية للأمراض النفسية، والعصبية بالقاهرة، والذي منحنا “د. حسين عبد القادر” أستاذ علم النفس في المعهد العالي للسينما بالقاهرة فرصة زيارته يوماً، ومنذ ذلك التاريخ ما تزال بعض الصور عالقة في ذهني عن تلك الزيارة، يومها فكرت بأنّ الكاميرا يمكن أن تلتقط الكثير من القصص، والحكايات عن المكان، والشخصيات.
ويعتبر الاقتراب من هذا الموضوع الحساس نوعاً من المُحرمات، ليس في الوطن العربي فحسب، ولكن في العالم، بينما قدم الجزائري “مالك بن إسماعيل” في عام 2004 فيلما تسجيلياًً بعنوان “اغترابات” تدور أحداثه في أحدى المصحات النفسية في “قسطنيطنة” الجزائرية، ويظهر “الجنون المُعلن” في داخل الجدران، بينما ينتشر “الجنون العادي” خارجه.
أخيراً، من المُفيد الإشارة، بأنّ أربع من المخرجات الثمانية يعشن خارج بلادهن :
المصرية “إيمان كامل”، التونسية “كوثر بن هنية”، الفلسطينية “ليلى صنصور”، والجزائرية “رحمة بن حمو المدني”.
هامش : من بين 13 فيلماً اشترك في مسابقة المهر العربي للأفلام التسجيلية في الدورة السابعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي 2010، هناك 6 من إنتاجٍ مُشترك مع الإمارات العربية المتحدة، وفيلمٌ واحد من إنتاج إماراتي خالص (بمجموع 7 أفلام بدعمٍ من “سوق دبي السينمائي الدولي”).