حديث مع المخرج تيم بيرتون المشهور بالمخرج الغريب
محمد رُضـــا
الفيلم المقبل الذي سنشاهده للمخرج تيم بيرتون هو أنيماشن يجمع بين الرعب والخيال العلمي وبعض الكوميديا وعنوان “فرانكنويني” مع أصوات وينونا رايدر، كاثرين أوهارا، مارتن لانداو، مارتن شورت من بين آخرين …. ومن دون جوني دَب هذه المرّة (على غير عادة). لكن جوني على موعد مع بيرتون في فيلم لاحق هو “لظلال الطويلة” وكلا الفيلمين موعدهما العام 1912
أما آخر ما شوهد لهذا المخرج الغريب كأفلامه فكان “أليس في أرض العجائب” الذي عرض قبل نحو ستة أشهر لكن الحديث يتكرر عنه الآن بسبب موسم الجوائز، وهناك فرصة كبيرة أن يخطف الفيلم جائزة غولدن غلوب من “جمعية المراسلين الأجانب في هوليوود” عنوة عن بعض أفلام لا تحمل ذات القدر من الغرابة والتجديد0
تيم بيرتون (52 سنة في منتصف العام الجديد) من نباتات ستديو ديزني التي دخلها شابّاً لديه أفكاراً لأفلام عجائبية قصيرة. تركته ديزني يفكّر ويبتدع على هواه فأنجز لها بضعة أفلام من هذا النوع، ثم شارك في إنجاز أفلام كرتونية طويلة من بينها “الثعلب والكلب”0
على ذلك، فيلم بَرتون الأول لم يكن كرتونياً، بل كوميدياً ولم يكن من إنتاج ديزني بل وورنر. إنه Pee-wee’s Big Adventure .
وما يعلق بالأذهان في هذا الفيلم المنجز سنة 1985 إنه مختلف بالفعل في شكله وحركته: الألوان الأساسية، الأزرق والأحمر والأخضر والأصفر، وطريقة استخدامها كما الطاقة التي يحتويها أمام الكاميرا وخلفها. ذلك الفيلم أسس أيضاً للشخصيات التي يحب بَرتون تقديمها على الشاشة: شخصيات نافرة عن المعتاد. لديها حب للجديد والمختلف وتبدو كما لو أنها كَبُرت من دون أن تنمو كثيراً. الطفل الذي عاش في داخلها بقي ملازماً لها وقد أصبحت راشدة0
هذه الصورة تكررت في أول أفلام بَرتون مع ممثله المفضّل جوني دَب “إدوارد سيزرهاند” وازدادت قتامة فيما بعد إذ نجدها هناك أخرى قاتمة ومخيفة نجدها في فيلمه الثالث مع دب Sleepy Hollow
حيث العالم داكن لا يؤتمن والشخصيات تدور داخل عواطفها لا تستطيع الخروج مما هي فيه من أزمات. وسواء أكان الفيلم الذي يخرجه كرتونياً او حيّاً، او مزيجاً، كما الحال في “أليس في أرض العجائب”، الا أن هذه المعالجة للشخصيات المتوحّدة والمنفردة، وللعالم الداكن الذي تعيش فيها وتتشرب من لونه وشروطه كل مصادر شخصيّتها، دائماً ما هي موجودة. بَرتون من المخرجين القلائل اليوم الذين لا داعي لقراءة أسمائهم على الشاشة حين دخول أفلامهم. تعرفه من بين طيّات أعماله مهما تنوّعت مواضيعها: “إد وود”، “سليبي هولو”، “السمكة الكبيرة”، “كوكب القردة”، “تشارلي ومصنع الشوكولا”، “سويني تود” وسواها0
في غرفة مغلقة في فندق وسط منطقة بفرلي هيلز جلست وإياه أطرح الأسئلة وأنظر الى شعره غير الممشط من حين لآخر..
كثيراً ما نكتب عن تعاونك الدائم مع جوني دب0 أعتقد أن “أليس …” هو السابع بينكما… لكن الآن هناك تعاون آخر يربطك مع الممثلة زوجتك هيلينا بونهام كارتر. كيف تعمل لإصباغ جديد على إداء ممثل تتعاون معه بانتظام؟
بيرتون: أحياناً ليست هناك حاجة للإتيان بأي جديد. على العكس أنت تطلب الممثل ذاته لأنه استطاع في الماضي تقديم ما تريده من شخصية او ملامح او أداء في فيلمك الجديد. بونهام ممثلة تبذل أقصى ما في وسعها للتأكيد من تفاصيل الدور. جوني أيضاً مستعد لفعل كل ما يمكن لكي يغرق في الشخصية التي يؤديها. أنا محظوظ (يضحك)0
![]() |
تيم بيرتون |
الا يعني أنه من الصعب أن يجد الممثل نفسه قادرا على التطوّر إذا ما أراد تأمين ذات الملامح او الشروط التي تطلبها منه في كل مرّة؟
بيرتون: لا. لا أعني هذا على الإطلاق. بصرف النظر عن العلاقة التي تربطني بهيلينا أشعر بسعادة كبيرة حين أسند إليها مهاماً بحجم ما أسندته اليها في هذا الفيلم وفي “سويني تود”. مرّة ثانية أريد منها تلك الموهبة الخاصّة التي لديها وأن تعمل على وضعها في قالب هذه الشخصية او تلك. تلعب هنا شخصية “الملكة الحمراء” بجدارة تجعلني غير مرتاح الآن لمشاهدتها بملامحها وشكلها الطبيعي (يضحك)0
بالنسبة لعملي مع جوني دب، لدي سرور مماثل بالعمل معه . بديهيا، أصبحنا الآن على ثقة مطلقة كل بالآخر. وهو كان دائماً ما يمنح ثقته حين يريد وحين يفعل لا يتراجع. إنه ليس من أولئك الممثلين الذين يريدون التأكد مما أنجزوه بعد كل لقطة بمراجعة المونيتور او بالحرص على مشاهدة ما تم طبعه من مشاهد. يتركني على راحتي وهناك أحيانا حاجة ملحّة تستوجب أن يشاهد ما تم تصويره0 لكنه قلّما يطلب ذلك. في الحقيقة، وسأذهب هنا الى أبعد من ذلك، لست واثقاً من أنه شاهد أي من الأفلام التي صنعناها معاً (يضحك). لا. أتحدّث جدّياً. هذا غريب لكنه ليس أمراً منافياً او سيئاً على الإطلاق0
كل من فيلم »أليس في أرض العجائب” و” العروس الجثّة” يشتركان في أشياء كثيرة من بينها أن أحداثهما تقع تحت سطح الأرض. هل من سبب يدعوك للذهاب في هذا الاتجاه؟
بيرتون: لا أدري. هذه ملاحظة لم أسمعها من قبل لكنها صحيحة ربما لأنه عالم يجمع بين عناصر عالمنا نحن والملامح الخاصّة به. لا ندري ما تحت الأرض فعلاً فنتخيّل، ولا أقصد الحديث عن نفسي فقط، هناك المؤلّفون عبر التاريخ، البعض ذهب الى الفضاء والبعض نزل تحت الأرض ولأسباب كثيرة والنتيجة في الغالب مثيرة0
هل ألاحظ تأثيرات تعبيرية من فترة الفيلم الألماني الصامت؟
بيرتون: أعتقد نعم. خصوصاً في أفلام رعب. أعتقد أن هذه التأثيرات ظاهرة أكثر في فيلمي السابق “سويني تود” من أي فيلم آخر. لكن دائماً ما أريد إضافة عناصر من عندي، أو اعتقد أنها من عندي. مسألة التأثيرات متشابكة لأن ما في بالك هو عالم كامل من الصعب البحث فيه عن أصول ومصدر تلك التأثيرات0
حين قررت تحقيق “أليس في أرض العجائب” ما الصور التي تداعت في مخيّلتك. أي نوع من الأفلام هدفت إليه؟
بيرتون: إنها ذات النوع الذي مارسته من قبل. إذا شاهدت أفلامي تجد إنها تختلف تقريباً في كل شيء ما عدا في استلهاماتها التعبيرية0
في أفلامك عموماً هناك دائما نقطة اهتمام عاطفية. أحياناً، كما الحال هنا وفي “سويني تود” هناك قصّة حب كبيرة في الأساس. كيف تفسّر ذلك؟
بيرتون: أحب أن يلفت هذا الأمر اهتمام المشاهد. الحب قد ينمو في أي بيئة حتى في دكانة بعض أفلامي. فيلم مثل “أليس في أرض العجائب”0 فيلم مثل “سويني تود” كما ذكرت. شخصياتي تعيش أزمات مختلفة ناتجة عما تريده. ما تريده أليس في هذا الفيلم ليس ما تريده أمّها مثلاً. في “سويني تود” ما تريده هلينا (يقصد هيلينا بونهام كارتر التي لعبت البطولة النسائية) هو ذلك الرجل الذي تحب، لكن الرجل الذي تحب يريد شيئاً آخر. يريد ان ينتقم من القاضي. بعض الشخصيات بالنسبة لي تطرح أكثر مما تبديه وأنا لا أمانع في ذلك0
![]() |
بيرتون يوجه جوني دب |
هناك أيضاً العلاقة المتأزمة دوماً بين الابن وأبيه كما ظهرت في “السمكة الكبيرة” وفي “تشارلي ومصنع الشوكولا”. لماذا هذا القدر من التركيز على العلاقة بين الآباء والأبناء؟
بيرتون: في بعض أفلامي السابقة كان لابد من رسم بعد لهذه الشخصية التي تكمن في منتصف الأحداث. تجدها أيضاً في “إدوارد سيزرهاندز” وفي “إد وود”. ليس أن جوني دب فيهما لديه أب ماثل أمامه، بل رمز لأب يؤديه فنسنت برايس ومارتن لانداو. في أفلام أخرى هناك أب حقيقي لتلك الشخصيات لكن كل هذا لكي أؤكد أهمية الأب في الحياة الفردية. إنه ليس مطلقاً من أي باب نفسي فرويدي او سواه، كما اقترح بعض الذين ناقشوا أفلامي. إنها مجرّد رغبتي في توطيد علاقة كثيراً ما نلحظ أنها ضائعة خصوصاً هنا في الغرب بين الأب وإبنه. كلاهما يشق طريقاً ربما مختلفاً لكن العلاقة الروحية بينهما لا تنقطع سلباً او إيجاباً وعندي أنها من الأفضل أن تكون إيجاباً0
كيف ترى مستقبل السينما … ببعدين او بثلاثة؟
بيرتون: أميل للاعتقاد بأن استبدال عادة عمرها اليوم أكثر من 100 سنة ليس أمراً هيّناً ولسبب مهم في اعتقادي: ليس كل فيلم يصلح لأن يكون بالأبعاد الثلاثة. بالتالي هل سنخرج من صالة تعرض فيلماً بالبعدين وندخل صالة تعرض فيلماً بثلاثة أبعاد ونقارن؟ هل يمكن لهما أن يتقاسما السوق من دون أن ينفر الناس منهما معا او من أحدهما؟ أيضاً هاك سبب آخر: بعض المخرجين، وأنا من بينهم، ليسوا متأكدين من أن الأبعاد الثلاثة مهمّة الى الدرجة التي تدفعنا لنبذ الفيلم ذي البعدين. لقد قمنا بإعادة عرض فيلم “هالووين قبل الكريسماس” الذي كما تعرف تم إنتاجه بالشكل العادي، أعدنا عرضه بالأبعاد الثلاثة ولم ينجز ذلك تطوّراً او يجلب اليه معظم من كان شاهده أول مرّة0
هل يقلقك أن يعتقد البعض أن أفلامك عنيفة؟
بيرتون: لا وسأقول لك السبب. لا أعتقد على الإطلاق أنها عنيفة0 أنت لا ريب تعلم أن “سويني تود” او أي فيلم آخر أخرجته وفيه مشاهد يصفها البعض أنها عنيفة هو فيلم خيالي لا يمكن تجزأته حين نرغب الى مشاهد نسحبها من توليفته الكاملة. أقصد أن الفيلم ليس واقعيا، لذلك فإن العنف الذي فيه ليس واقعياً بدوره وبالتالي لا يترك التأثير نفسه التي تتركها أفلام رعب مباشرة كتلك التي لا نيّة عندي في تحقيقها. على أي حال هذه الملاحظة لم تعد مثارة بنفس الحدة كما في الأمس. هناك ضروريات خلال العمل لابد منها ليس من بينها أن ترضي كل الأذواق معاً0