الأسكندرية السينمائي : اخفاق وختام يثير الفوضى
غياب وزير الثقافة ورئيسا لجنة التحكيم وجمعية الكتاب والنقادا والنجوم عن الختام
الأسكندرية: سميرة المزاحى
إختتم مهرجان الأسكندرية دورته السابعة والعشرون على مسرح دار الأوبرا بالأسكندرية، والتى أقيمت تحت شعار” السينما والثورة”، والتى حظيت بلقب أسوأ دورة فى تاريخ المهرجان،على الرغم من أنه أول مهرجان يقام فى مصر بعد ثورة 25 يناير ،على إعتبار أن الفنون هى دائما القوى الناعمة للمجتمعات ،وأن الفن السينمائى يعطى للحياة إبداعا وذاكرة تخلد للأمم .
إلا أن الذاكرة لم تخلد لهذه الدورة إلا إدانة للأداء غير المهنى والمتمثل فى إدارة المهرجان،والذى أسهم فى إثارة الفوضى والمشاحنات التى شهدها حفل الختام الذى بدأ بكلمة الناقد الفنى نادر عدلى رئيس المهرجان وقد تضمنت الإعلان عن بيانين صدرا عن السينمائيين والكتاب والنقاد ضيوف المهرجان، الأول شدد فيه على أن الثورة لم تصل للسينما بعد من خلال مطالبته بتشكيل لجنة محايدة من المثقفين والسينمائيين لتكون البديل لجهاز الرقابة الفنية فى مصر وقال:”مئة عام مرت على إنشاء جهاز الرقابة الفنية فى مصر والذى أنشىء فى عهد الإحتلال البريطانى ،ولايوجد سينمائى واحد لم يعانى من تعنت الرقابة،واليوم أؤكد على أنه من الإهانة لهذا الشعب أن تستمر الرقابة على ماهى عليه،وأطالب السينمائيين والمثقفين بضرورة تشكيل لجنة لتقف حائلا للقيود والرقابة”.
البيان الثانى كان بعنوان (الحرية لفادى مصطفى السعيد) والذى أعلن فيه إستنكار السينمائيين والنقاد والفنانين القبض على فادى أثناء تصويره لتداعيات أحداث الثورة، ومثوله أمام القضاء العسكرى ومطالبتهم بالتدخل الفورى لإطلاق سراحه دفاعا عن الحق،
ومنذ تلك اللحظة تحول الحفل إلى ساحة استخدمت فيها الشعارات السياسية، بعضها هاجمت المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورددت هتافات تنادى بإسقاط حكم العسكر ، والتى رفضها رئيس المهرجان نادر عدلى بعد أن تدارك الموقف. مؤكدا على ان الحفل ليس مكانا لإطلاق الشعارات وأن ماتمر به مصر ماهى إلا مرحلة إنتقالية.
وفيما كان الجميع ينتظر فى شغف لمعرفة الفائزين بجوائز مسابقات المهرجان،خاصة بعد إلغاء المؤتمر الصحفى المعتاد إنعقاده كل عام والذى كان مقررا إنعقاده صباح يوم حفل الختام للإعلان عن الجوائز،تعرض مخرج الفيلم التسجيلى (جلد حى) أحمد فوزى صالح لهجوم شرس ومطالبته بالنزول من على خشبة المسرح قبل إستلامه للجائزة والتى تمثلت فى شهادة تقدير،حيث أطلق إتهامات صريحة وغير منطقية لقوات الجيش بأنها تقتل المتظاهرين الأقباط أمام مبنى ماسبيرو بالقاهرة وقال: “أن هناك العشرات من إخواننا المسيحيين تم قتلهم الآن على أيدي إخواننا في الجيش” ،وهو ماأدى إلى إستثارة مشاعر الحضور على خلفية الأحداث التى كانت تحدث فى الميدان أثناء حفل الإفتتاح ،وتعالت الأصوات في قاعة الحفل تطالبه بالتوقف عن الكلام والنزول من على المسرح، وحمل البعض نادر عدلي مسئولية ما حدث لأنه سمح للمخرج بالحديث من الأساس.
كما حمل البعض رئيس المهرجان مسئولية إحداث التوتر في الحفل بعد السماح للمخرج خالد يوسف بارتداء وتوزيع “تيشيرتات” تحمل صورة طالب معهد السينما فادي السعيد المعتقل فى أحداث السفارة الإسرائيلية، وكتب عليها جملتين هما “الحرية لفادى السعيد”، و”لا للمحاكمات العسكرية”. وكان من بين السينمائيين الذين ارتدوا«التيشيرت» المخرجون خالد يوسف، ومجدى احمد على، وعمر عبد العزيز، وعمرو عابدين، والفنانون خالد صالح، وحسن الرداد، كما شاركهم كل من الفنانين خالد الصاوى وجيهان فاضل عضوى لجنة التحكيم بالمهرجان، والدكتور خالد عبد الجليل رئيس المركز القومى للسينما، والمطرب ايمان البحر درويش نقيب الموسيقيين.
وبلغة أقل ماتوصف به أنها تحريض على الاضراب وجه المخرج خالد يوسف.. (والذى حصل فيلمه “كف القمر” على الجائزة الأولى وقيمتها مائة ألف جنيه مهداه من وزارة الإعلام ،كما حصل يوسف على درع المهرجان تحية من المهرجان على موافقته على عرض فيلمه فى حفل الإفتتاح بعد أن عجزت إدارة المهرجان عن العثور على فيلم مصرى يشارك به).. رسالة لكل من وزيرى الثقافة والاعلام ليبادرا بالوقوف إلى جانب فادى السعيد المصور والطالب بمعهد السينما وقال: ” إننى أقدر الحالة التى تمر بها البلاد، ولكن هذا لن يمنعنى من المطالبة بالافراج عن طالب معهد السينما فادى السعيد ورفاقه ممن ألقى القبض عليهم ،ويحاكمون محاكمات عسكرية،وأقول لوزير الاعلام لو المصورين اضربوا عن العمل لن تكون هناك شاشة وسيتم تسويدها، وأقول لوزير الثقافة عماد ابو غازى ماذا ستفعل اذا اضربت جميع المعاهد والاكاديميات السينمائية والمسرحية تضامنا مع فادى”.
وإستكمالا للحدث ووسط فوضى غرقت فيها القاعة، قام المخرج خالد يوسف بدعوة جميع السينمائيين اللذين إرتدوا التيشرتات لالتقاط صورة تذكارية، وقال ان الهدف منها «رسالة إلى المسئولين بأن شوكة السينمائيين أقوى مما يتصورون وأنهم لن يهدأوا الا بعد الافراج عن فادى السعيد ومحاكمته مدنيا امام قاضيه الطبيعى.”
يذكر أن حفل الختام غاب عنه النجوم ،ولأول مرة منذ سنوات طويلة يختفى ممدوح الليثى رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما المنظمة للمهرجان قبل حفل الختام بساعات مما أثار علامات إستفهام كثيرة، وتناقلت بين الكواليس حوارات تؤكد رغبته فى تغيير بعض النتائج التى توصلت إليها لجان التحكيم إلا أن الفنان خالد الصاوى عضو لجنة التحكيم بالمسابقة الرسمية حال دون ذلك ورفض إطلاعه على النتيجة وهو ماأدى إلى غضبه والإنسحاب قبل موعد حفل الختام بساعات قليلة،وإنسحبت كذلك رئيسة لجنة التحكيم الدولية المخرجة الإسبانية هيلينا تابرنا ولم تحضر حفل الختام ومن داخل كواليس المهرجان أكد البعض أن السبب الحقيقي وراء غيابها هو غضبها من مشاركة بعض الأفلام غير الـ 35 مم وهي من الشروط الأساسية لمشاركة أي فيلم بالمسابقة الرسمية،وبعد إنسحاب المحافظ لمتابعة الظروف الطارئة التى ألمت بالبلاد، وعدم حضور وزير الثقافة ،أصبح حفل ختام المهرجان الذى خلا أيضا من صفة الدولية،خالى من وجود مسئول رسمى عن الحكومة .

أما عن جوائز مسابقة المهرجان لدول حوض البحر المتوسط، فقد فاز فيلم “سيرك كولومبيا” وهو من إخراج دانيس تانوفيتش من البوسنة بجائزة أفضل فيلم،لتناوله بداية حرب البوسنة بإسلوب إنسانى ، وجائزة أفضل ممثلة لبطلته جيلينا استوبليجان، وفاز بجائزة أحسن ممثل مناصفة بين ليكر أكسوم وفاتيح آل بطلا الفيلم التركى “يأسنا الكبير”، ، بينما فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة الفيلم الإيطالي “حياتنا”،وهو من إخراج دانيل لوشينى، والذي فاز أيضا بجائزة أفضل سيناريو للرؤية الذكية التى تناولت أهم مشاكلنا المعاصرة ، وفاز المغربى محمد مفتكر بجائزة أفضل سيناريو عمل أول أو ثان عن فيلمه “بيجاسوس”والذى قدم فيه الأصالة والشجاعة والؤية السينمائية العميقة. وذهبت جائزة أحسن إخراج للمخرج التركى سليم دميردلن عن فيلمه “يأسنا الكبير”لإسلوبه السلس وقد تسلمها عنه القنصل التركى بالأسكندرية ،أما عن جائزة أحسن عمل فنى فقد فاز بها المخرج جانيس بورجر من سلوفينيا عن فيلمه “سوناتا صامتة”وعلل أعضاء لجنة التحكيم حصوله على تلك الجائزة بقولهم أن الواقع الذى قدمه لنا أهم كثيرا من الكلمات.
وتسلم خالد يوسف الجائزة الأولى لوزارة الإعلام عن فيلمه كف القمر، وفاز بالجائزة الثانية فيلم “حاوى” للمخرج إبراهيم البطوط”.
وعن جوائز مسابقة الأفلام القصيرة،فقد فاز فيلم” السندرة”إخراج محمد شوقى بشهادة تقدير بمسابقة الفيلم الروائى القصير، وفاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة فيلم “حواس” من إخراج محمد رمضان، بينما فاز فيلم “صلصال” بجائزة أفضل فيلم وهو من إخراج أحمد النجار، وفازت نيفين شلبى بشهادة تقدير بمسابقة أفلام 25 يناير عن فيلمها “أنا والأجندة”، وفاز بجائزة لجنة التحكيم فيلم “ثورة شباب”من إخراج عماد ماهر، كما فاز فيلم”برد يناير” للمخرج رومانى سعد بجائزة أفضل فيلم.
وفى مسابقة الفيلم التسجيلى فاز فيلم “جلد حى “إخراج أحمد فوزى بشهادة تقدير،كما فاز بجائزة أفضل عمل فيلم “داخل وخارج الغرفة” إخراج دينا حمزة، بينما ذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم “حرق أوبرا القاهرة”إخراج كمال عبد العزيز، أما جائزة أفضل فيلم تحريك فكانت من نصيب “برة وجوة”للمخرج محمود المصرى، وذهبت جائزة لجنة التحكيم لـفيلم “الساقية”من إخراج مهند حسن رزق.
أما درع المهرجان فقد قدم لتونس تكريما لنجاح ثورتها وتسلمها المخرج عبد اللطيف بن عمار والفنانة التونسية ليلى أوز واللذين شاركوا بفيلمهما “النخيل الجريح”ضمن أفلام المهرجان،كما حصل أيضا المخرج السورى محمد عبد العزيز والذى شارك فى المهرجان بفيلمه “دمشق مع حبى” على درع المهرجان تقديرا للدور السورى فى مواجهة الفساد ،ومن مصر حصل المخرج خالد يوسف على درع المهرجان تقديرا لمشاركته الإيجابية بالمهرجان والذى شارك فيه بفيلم الإفتتاح”كف القمر” قبل عرضه فى دور العرض.

جدير بالذكر أن أيام المهرجان الخمس كانت قد شهدت سلسلة من الإخفاقات بدءا من إلغاء العديد من الندوات الرئيسية حيث تم إلغاء ندوة تكريم الكاتب الكبير نجيب محفوظ بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده ، كما تم إلغاء ندوة تكريم السيناريست بشير الديك ،كما تم الإعتذار عن اللقاء المفتوح لوزير الإعلام مع الإعلاميين والسينمائيين ،وقد حدث أن تكرر تعديل عروض الكثير من الأفلام حتى أصيب الحاضرون بحالة من الارتباك،وألغيت كافة حفلات الإستقبال التى كانت تنظم على هامش المهرجان ترحيبا بضيوف المهرجان،ويظل السؤال الذى يطرح نفسه …إذا عادت الساعة الى الوراء هل نجد ذات الإصرار من القائمين على المهرجان لإقامته؟.