قرى، ومدن الصيف الهنديّ في باريس
صلاح سرميني ـ باريس
بمُغادرة “كالكوتا” مع “ساتياجيت راي”، و”ريتوبارنو غوش”، نغوص في ريف البنغال لـ”سانديب راي” ثمّ نعبر “بيهار” مع “غوتام غوس”، قبل أن نكتشف مناطق غير معروفة كثيراً في “أسام”، و”مانيبور” من خلال أفلام “جاهنو باروا”، و”شيام شارما”، ونكمل الطريق نحو “أوريسا” مع فيلم نادر لـ”سوسات ميسرا”، ومن ثمّ “تاميل نادو” مع الفيلم العلامة لـ “ك. بلاشاندرا”، ونتوقف في إحدى قرى “كارناكاتا”، ومن ثم تجمع سكانيّ من الصيادين مع “جيريش كاسارافالي” قبل أن نستمر إلى “كيرالا” مع “شاجي كارون”، وأدور غوبالاكريشنان” كي نصعد بعد ذلك إلى “ماهاراسترا”، ونقطع “مومبي”، ودارافي”.
نترك “كوجيرات” من وجهة نظر “محبوب خان”، ونرحل إلى “دلهي” بصحبة “جاهار كانونغو” قبل أن نعود إلى الغابات الشعرية، والرمزية للبنغال في فيلم “بواديب داس غوبتا”.
هذه باختصار لمحةٌ قصيرةٌ عن تيمة الدورة الثامنة للصيف الهنديّ التي يحتفي بها “المتحف الوطني للفنون الأسيوية” بباريس خلال الفترة من 7 سبتمبر وحتى 28 أكتوبر 2011.
تظاهرةٌ سينمائيةٌ فريدةٌ من نوعها، تشرف على تنظيمها، واختياراتها الخبيرة الفرنسية “مارتين أرمان”، تنقبُ في تاريخ السينمات الهندية، وكنوزها ماضياً، وحاضراً، وتقدم في كلّ دورة مجموعةً كبيرةً من الأفلام تتمحور حول تيمة محددة :
ـ مختارات من الأفلام الهندية (2004).

ـ السينما البنغالية (2005).
ـ هنديّ القلب (2006).
ـ الهند نحو استقلالها (2007).
ـ نجوم السينما الجماهيرية الهندية (2008).
ـ السينما الهندية الناطقة بلغة الماراتي، والمالايالام (2009).
ـ عوالم ساتياجيت راي (2010).
وعلى الرغم من العروض النهارية خلال أيام الأسبوع (في الثانية، والربع ظهراً)، لا يحتاج المُنظمّون إلى جهودٍ إضافية كي تمتلئ الصالة بالجمهور الفرنسيّ العاشق للثقافات الأسيوية، الهندية منها بالتحديد، ومع متابعة دوراتها السابقة، تعودتُ الوصول إلى “المتحف” قبل نصف ساعةٍ على الأقلّ من بداية العروض، وأيضاً، لم أعدّ أستغرب اندماج بعض المتفرجات الخمسينيّات العمر، وتأثرهنّ الملحوظ حدّ البكاء بأحداث أفلام بوليوودية قدمتها التظاهرة في دوراتها السابقة.
تتمحور دورة هذا العام حول تيمةٍ بعنوان “مدن، وقرى” في السينمات الهندية من خلال اختياراتٍ حاذقة جداً تجمع أفلام مخرجين تخيروا إنجاز سينما مغايرة عن الأفلام الجماهيرية التي تُنتج بغزارةٍ في عموم شبه القارة الهندية، وخاصة تلك الناطقة باللغة الهندية، والتامولية.
تقترحُ التظاهرة 17 فيلماً (منها 11 تُعرض للمرة الأولى في فرنسا) تعكس ثراء السينمات المحلية الناطقة بلغاتٍ مختلفة، ومنها البنغالية، الهندية، الآسامية، المانيبورية، الأوريا، التامولية، الكانادا،، المالايالام، الماراتي،…
في “المدينة الكبيرة” Mahanagar)) من إنتاج عام 1963 يظلّ المخرج “ساتياجيت راي” مخلصاً لأفكاره التقدمية، والتحررية، ومُدافعاً عن قضايا المرأة، وحقها في العمل، من خلال قصة “آراتي” زوجة موظف مصرف تحاول البحث عن عملٍ في “كالكوتا” العزيزة على قلب “راي”، فيلمٌ مأخوذٌ عن رواية لـ”ناريندرانات ميترا”، وكالعادة، كتب “ساتياجيت راي” السيناريو، وألف موسيقاه .
“الرحلة المُنقطعة” (Uttoran) للمخرج “سانديب راي” من إنتاج عام 1993، بدوره، تدور أحداثه في قريةٍ بنغالية صغيرة، كتب السيناريو “ساتياجيت راي”، وقبل تصوير الفيلم “الوصية” تعرض لأزمةٍ قلبية، وفيما بعد أخرجه ابنه “سانديب” محافظاً بدقةٍ على كلّ التوجيهات التحضيرية، والإخراجية، والأدوار التي حددها الأب قبل التصوير.
“ومن ثمّ”(Subho Muharat) للمخرج “ريتوبارنو غوش” من إنتاج عام 2003 هو أيضاً حول المرأة “باديميني” الممثلة السابقة التي تعود إلى “كالكوتا” بعد عشرين عاماً من غيابها عنها كي تساعد زوجها الثاني في إخراج فيلمه.
هذا الفيلم الذي تقاسمت بطولته “شارميلا طاغور”، و”نانديتا داس” مأخوذٌ عن روايةٍ لـ”آغاثا كرسيتي”.

“العبور” Paar)) للمخرج “غوتام غوس” من إنتاج 1984 تدور أحداثه في ولاية “بيهار”، وتتمحور حول العلاقة بين ثريّ، وفلاحين يعملون في أراضيه، فيلمٌ مؤلفٌ بواقعيةٍ كبيرة.
(Konikar Ramdhenu) للمخرج “جاهنو باروا” من إنتاج عام 2002، فكرة تتكرر دائماً في السينما الهندية، الانتقال من القرية إلى المدينة، الصبي “كوكوا” يترك قريته في ولاية “آسام”، ويذهب إلى المدينة للعمل فيها، يحاول صاحب الكراج الاعتداء عليه جنسياً، يدافع الصبيّ عن نفسه، ويقتله، وفي سجن الأحداث يغرق في الصمت، وتكتشف مشرفة المركز الحقيقة، ويحصل على البراءة.
(Ishanou) للمخرج “أريبهام شيام شارما” من إنتاج عام 1990 تدور أحداثه في “مانيبور”، ويعتبر مخرجه في قائمة أفضل مخرجي تلك الولاية، وقد تمّ اختيار فيلمه عام 1991 في مهرجان كان قسم “نظرة خاصة”.
“ظلال قوس قزح” (Indradhanura chhai) للمخرج “سوسانت ميسرا” من إنتاج عام 1993 حول ثلاثة نساءٍ يواجهن تحديات التقاليد، والمُعاصرة، بدوره حصل الفيلم على جائزة “الكاميرا الذهبية” في مهرجان كان عام 1994.
“Thanneer Thanneer” للمخرج “ك.بلاشاندر” من إنتاج عام 1981 تدور أحداثه في قرية جنوب ولاية “تاميل نادو” تعاني أراضيها من الجفاف، ويتوّجب على الفلاحين الذهاب إلى منطقةٍ أخرى تبعد 30 كم للبحث عن الماء، ويحاولون بكلّ الطرق إيصاله إلى قريتهم، ولكنهم يصطدمون بفساد السياسيين، ويقررون مقاطعة الانتخابات.
“ركوب الحلم” (Kanasembo Kudereyaneri) للمخرج “غيريش كاسارافالي” من إنتاج عام 2010، تدور أحداثه في إحدى قرى “كارناتاكا” في أيامنا هذه، حيث يعيش العجوز “غودا” في بيتٍ تقليديّ كبير مع خادمه المخلص، ابنه الذي يعيش في المدينة يعود لزيارته بصحبة زوجته، وابنتهما.
يمتلك حفار القبور في القرية، وزوجته معتقداتٍ خاصة، وأحلاماً تنبؤية تُعلن موتاً قادماً لأحد سكان القرية إذا تراءى لهما الرجل القديس الذي يعبدانه، ولكنّ خادم البيت الكبير لا يأخذ بعين الاعتبار أحلامهما.
“سينما غولابي” (Gulabi Talkies) لنفس المخرج، وإنتاج عام 2008 يحكي قصة “غولابي” التي تعيش في جزيرة يسكنها الصيادون، تعشق السينما، ولا تترك فيلماً بدون أن تشاهده في المدينة القريبة، تشتري جهاز تلفزيون، ويتحول بيتها الصغير إلى صالة سينما(Talkies) يتجمّع فيه كلّ سكان القرية.
فيلمٌ يجمع بين الجدية، والطرافة، ويتطرّق إلى تأثير التلفزيون في تجمع سكانيّ من الصيادين يعيشون بالقرب من ساحل “كاناتاكا” مع خلفية قضايا التجارة العالمية، والتوترات المجتمعية في مطلع القرن الحادي، والعشرين.
“خادم كالي” (Nizhalkkuthu) للمخرج “آدور غوبالاكريشنان” من إنتاج عام 2002 تدور أحداثه في الأربعينيّات في إمارة “ترافانكور” جنوب الهند (كيرالا حالياً).
ويعتبر المخرج واحداً من كبار السينمائيين في “كيرالا” منحته الدولة الهندية تكريماً في عام 2009.
“الولادة” (Piravi) للمخرج” شاجي كارون” من إنتاج عام 1988، حكاية العجوز “شاكيار” الذي ينتظر عودة ابنه “راغو” الذي ذهب إلى”تريفاندروم” لإجراء مقابلة، زوجته، وابنتها تعيشا معه في منزل تقليديّ في “كيرالا” بعيداً عن العالم الحديث، يغامر “شاكيار” يوماً، ويذهب إلى المدينة للبحث عن ابنه.
“الروح حارسة البيت” (Vaastupurush) للمخرجيّن “سوميترا بافي”، و”سونيل سوكتانكار”، وإنتاج عام 1990، يعود الطبيب “ديشباندي” إلى قريته في ولاية “ماهاراسترا، فيجد منزله وقد تحول إلى أنقاض، يسترجع الذكريات القديمة، ويتذكر الأحداث التي جعلته يرحل إلى “مومبي” للدراسة فيها.

يقدم الفيلم وقائع عائلةٍ من أربعة أجيال، ويطرح أسئلةً مهمةً حول قيمة الأفكار الغاندية بعد الاستقلال، و مكانة النساء في نهاية حقبة اجتماعية، وأخرى جديدة.
(Dharavi) للمخرج “سودير ميشرا” وإنتاج عام 1991، هي اسم منطقة سكانية عشوائية تقع على أطراف “بومباي”، يصل “راج كاران” للسكن فيها مع زوجته “كوسوم”، وأمها، ويعمل سائق تاكسي، وكي ينسى قسوة الحياة اليومية، يستغرق في أحلام يقظة مع الممثلة الهندية النجمة “مادوري ديكسيت”، يتأرجح البطل بين الحلم، والواقع، ويتخير المخرج أسلوباً حكائياً شخصياً متحرراً من التقاليد السينمائية للواقعية.
“الأم الهند” (Mother India) للمخرج “محبوب خان”، وإنتاج عام 1957 هو واحدٌ من الأفلام الأشهر، والأكثر عظمةً في السينما الهندية، وما يزال يُعرض في تظاهراتٍ سينمائية متخصصة.
تتذكر”رادا” ماضيها، زواجها من “رامو”، وصولها إلى القرية، ولادة ابنيّها، تربيتها لهما وحدها، والصراع العنيف مع المالك الذي يستحوذ على أراضيها، امرأةٌ شجاعةٌ تجسّد القيم الأخلاقية، والشرف، ويعتبر الفيلم واحداً من العلامات المضيئة في العصر الذهبي للسينما الشعبية كان له تأثيره المُعتبر على عددٍ كبير من الأفلام الهندية، وما تزال أغانيه تتردد على الأفواه، ويتذكر الجمهور أبطاله نرجس، سونيل دوت، وراج كومار.

“لمس الصمت” (Nisshabd) للمخرج “جاهار كانونغو”، وإنتاج عام 2005، يقدم حكاية “ساريت” الثلاثينيّ الذي يعمل مندوباً تجارياً في مدينة “نيودلهي”، ويمتلك حساسيةً غريبة، وغير مفهومة من أيّ ضجةٍ يسمعها حوله، مكبرات الصوت، أصوات الجيران، زحام السيارات، وحتى الطقوس الدينية،.. تجعل حياته مستحيلة، وتدفعه حاجته للصمت للعودة إلى القرية التي وُلد فيها في البنغال.
“ملجأ أجنحتها” (Charachar) للمخرج “بوداديب داس غوبتا”، وإنتاج عام 1993، حكايةٌ ناعمةٌ عن “لاخا” صياد العصافير في غابات البنغال لصالح بائعين يدفعون له مبالغ زهيدة، ولكنه أيضاً حالمٌ يحب أن يطلقها، ويشاهدها تطير بحرية، يذهب يوماً لبيعها في “كالكوتا”، وهناك يتبيّن له مصيرها الحزين.
حكايةٌ شعريةٌ تثير في أذهاننا أسئلةً عن علاقتنا مع الواقع، والانسجام بين الفعل، والتفكير، الظاهر، والباطن.
كان الفيلم واحداً من اختيارات مهرجان برلين في عام 1995 كما حصل على جائزة الجمهور في مهرجان فريبورغ (سويسرا)، والجائزة الكبرى في مهرجان فوكوكا (اليابان) من نفس العام.