مهرجان الفيلم العربي في برلين
يكرّم مارون بغدادي، برهان علوية، وعمر أميرلايّ
ويتوقف عند الفكاهة في السينما العربية
صلاح سرميني ـ باريس
منذ بداية هذه السنة، وحتى اليوم، لم تتوقف المهرجانات الأوروبية المُهتمّة بالسينما العربية عن نشاطاتها، وبرصدها ومتابعتها، يمكن استخلاص بعض النتائج، والإشارات الدالّة التي سوف تتضح من خلال هذه القراءة.
في الوقت الذي تتعثر مسيرة مهرجان السينما العربية في بروكسل(بلجيكا) بإدارة الجزائرية “رشيدة شيباني” لصعوباتٍ تمويلية، ويُواصل مهرجان السينما العربية في أمستردام(هولندة) مسيرته بصمتٍ كلّ عامين بإدارة المصري “عادل سالم”، حيث انعقدت دورته الرابعة خلال الفترة من 26 مايو، واستمرّت حتى الأول من يونيو2011، ومن ثمّ انتقلت العروض إلى مدنٍ هولندية أخرى “ماستريخت، أوتريخت، لاهاي..”، يستمرّ المهرجان الدولي للفيلم الشرقي في جنيف(سويسرا) بإدارة الجزائري “الطاهر حوشي” الذي انعقدت دورته الرابعة خلال الفترة من 11 وحتى 17 أبريل 2011، ولا تنحصر برمجته بالسينما العربية فقط، ولكنها تتضمّن أفلاماً أجنبية تتعلق موضوعاتها بقضايا الشرق الأوسط من خلال أفلام قادمة من الشرق، أو الغرب، مثل إيران، تركيا، الولايات المتحدة، وحتى أفلاماً إسرائيلية مُتعاطفة مع القضية الفلسطينية، أو تدعو إلى السلام بين الفلسطينيين، والإسرائيليين، بدوره، يُكمل المهرجان الدولي للسينما الأوروبية العربية (آمال) مسيرته بإدارةٍ عربية/إسبانية، وتنعقد دورته التاسعة خلال الفترة من 24 وحتى 29 أكتوبر 2011 في مدينة “سنتياغو دي كومبوستيلا” (إسبانيا)، وتصفه الإدارة بأنه الوحيد المُخصص للسينما الأوروبية العربية في أوروبا، حيث ترتكز برمجته على الجمع بين أفلام عربية، وأجنبية تتطرّق للثقافة العربية بشكلٍ عام، بينما يستمرّ مهرجان الفيلم العربي في فاميك(فرنسا) بإدارةٍ فرنسية، وانعقدت دورته الثانية والعشرين خلال الفترة من 14 وحتى 24 أكتوبر 2011، وهو بهذا العمر يُعتبر الأقدم تاريخاً من كلّ المهرجانات الأوروبية المُهتمّة بالسينما العربية، ولكن، من المُؤسف، بأنه يعتمد على برمجةٍ مُريبة، حيث لا نفهم أسباب تطعيم البرمجة بأفلام إيرانية، وأفريقية، وحتى إسرائيلية كما حدث في الدورة الـ 19 عام 2008 عندما عُرض فيلم “زيارة الفرقة الموسيقية” لمُخرجه الإسرائيليّ “عيران كوليرين” في المسابقة الرسمية المُفترض بأنها مخصصة تماماً للسينما العربية، وأكثر من ذلك، حصل وقتذاك على جائزة الصحافة المحلية.

ولم ننسى، أو نتناسى مهرجان الفيلم العربي في روتردام(هولندة) بإدارة التونسي “خالد شوكات” الذي انعقدت دورته الحادية عشر خلال الفترة من 7 وحتى 11 سبتمبر 2011 في تجاهلٍ واضح من الوسط السينمائيّ، الإعلاميّ، والنقديّ العربي، هذا المهرجان الذي كنا نأمل بأن يملأ الفراغ الذي أحدثه توقف نشاطات بينالي السينما العربية في باريس، أصبح في قائمة المهرجانات السينمائية المُرتجلة باختياراته، عقلية إدارته، وتركيبة فريقه، والمُلتفين حوله من الطارئين، الدخلاء، ولاقطي الأضواء، والأطباق، وهو يُراكم بعنادٍ فضائحه، وأقلها ـ كما يُقال ـ بأنّ جزءاً كبيراً من الميزانية تتسرّب إلى جيوب، وحسابات مديره، وتشير دورته الأخيرة، بأنه يعاني من حالات الاحتضار الأخيرة، ويعيش على أمصال الدعم الذي توقف، أو يكاد.
وفي هذه القراءة لن نُغفل أيضاً الدور الكبير الذي تلعبه مهرجاناتٍ سينمائية أوروبية تهتمّ جزئياً بالسينما العربية مثل : مونبلييه، نانت، آميان، باستيا، فيزول(فرنسا)، مونز (بلجيكا)، فريبورغ (سويسرا)، ميلانو(إيطاليا)،….
وفي وسط هذه المساحة المُعتبرة للسينما العربية، نلمحُ في الأفق حدثان سينمائيّان سوف يجذبا الانتباه في دوراتهما المُقبلة، ويتصدرا المشهد المهرجانيّ الأوروبيّ الخاصّ بالسينما العربية، وهما مهرجان مالمو للأفلام العربية (السويد) الذي انعقدت دورته الأولى خلال الفترة من 23 وحتى 27 نوفمبر 2011، بإدارة الفلسطيني “محمد قبلاوي”، ومهرجان الفيلم العربي في برلين(ألمانيا) بإدارةٍ جماعية عربية/ألمانية، هو الذي بدأ نشاطاته بإمكانياتٍ تمويلية محدودة جداً خرج جزءٌ منها من جيوب فريق العمل المُتطوّع الذي تجمّع في “جمعية أصدقاء الفيلم العربي في برلين ـ سينمائيات”، وهي مؤسّسةٌ ألمانيةٌ غير ربحية، تأسّست في برلين عام 2004 بهدف دعم، وترويج الإنتاج السينمائي العربي، وفي السنوات السابقة نظمّت عروضاً نوعية لأفلام عربية منها “أولاد آرنا” لـ”جوليانو خميس”، و”آخر فيلم” لـ”نوري بوزيد”، ومجموعة أفلام ضمن مشروع كايروسكيب ـ صور، ووهم المدينة الحديثة، وريتروعرب ـ الفيلم العربي، نظرة إسترجاعية، كما قامت بتكريمٍ خاصّ للمخرج الراحل “يوسف شاهين”.
في 18 نوفمبر عام 2009 أطلقت الجمعية مهرجان الفيلم العربي في برلين، يُرافقه طموحٌ بأن يصبح منبراً للثقافة العربية بتركيزه على نتاج سينمائيّ لا يلقى الاهتمام الذي يستحقه، ومنح الجمهور العربي، والألماني إمكانية، وفرصة التعرّف على وجهات نظرٍ مختلفة، وجديدة، وتوفير مساحة للسينمائيين، والمُختصين العرب، وبناء جسراً ثقافياً بين ألمانيا، والعالم العربي.
في تلك الدورة شاهد الجمهور الألماني أفلاماً عربية لا يمكن مشاهدتها في الصالات التجارية، وحظيّ الفيلم اليمني “يوم جديد في صنعاء القديمة” للمخرج “بدر بن حرسي” على استحسانٍ خاصّ، وفي نفس الوقت حضرت المخرجة السعودية الشابة “نور الدباغ” عرض فيلمها التسجيلي “ما وراء الرمال”، وتوقفت محطة تلك الدورة عند السينما الفلسطينية .
واصل المهرجان انطلاقته، وانعقدت دورته الثانية خلال الفترة من 3 وحتى 11 نوفمبر2010، وبالإضافة للبرنامج العام، توقفت تلك الدورة عند تيمة الهجرة، وتناولت قضايا عدة، منها هجرة الأيدي العاملة، والتهجير القسريّ، والعودة، وتُوّجت بحلقة نقاشٍ بعنوان “صور الاغتراب، وصورة الذات المُغتربة في السينما العربية”، كما كرّم المهرجان المخرج السوري “محمد ملص” بعرض مجمل أفلامه .
وللمرة الثالثة، سوف ينعقد المهرجان خلال الفترة من 2 إلى 10 نوفمبر 2011، ويقدم مختاراتٍ من جديد السينما العربية .
وبحسب المعلومات التي زودتني بها إدارة المهرجان، فقد وصلها ما يقرب من 400 فيلماً روائياً طويلاً، قصيراً، تسجيلياً، وتجريبياً اختارت منها حوالي 85 فيلماً في جميع الأقسام، وبعضها يُعرض لأول مرة في ألمانيا، وأوروبا.
ويتوقف المهرجان هذه السنة في محطته عند الفكاهة كي يُتيح للجمهور الألماني التعرّف على حضورها، وأشكالها المُتعددة في السينما العربية، وتجمع بين الأفلام الساخرة، المرحة، والسياسية الناقدة، وسوف تكتسب الأفلام الكوميدية الجماهيرية أهمية خاصة، وكما نجحت بجذب الجمهور العربي، فهي فرصة ملائمة لتجريب تأثيراتها على المتفرج الأجنبي، الألماني تحديداً الذي نعرف عنه ذوقه، صرامته، واختلاف نظرته عن آليات الكوميديا في السينما العربية .
وفي هذه المناسبة، ينظمّ المهرجان ندوةً حول هذه التيمة، يشارك فيها المخرجة المغربية “زكية طاهري”، المنتج المغربي “أحمد بو شعلة”، المخرج المصري “داود عبد السيد”، المخرج المصري “شريف البنداري”، المخرجة المصرية “فيولا شفيق”، والناقد المصري “كمال رمزي”.

من جهةٍ أخرى، وانطلاقاً من تأثر السينما اللبنانية إلى حدٍ بعيد بالحرب الأهلية اللبنانية، يقدم برنامجٌ تكريميّ بعنوان “نظرة استرجاعية” أفلام المخرج الراحل “مارون بغدادي” (1950-1993)، والمخرج “برهان علوية” بوصفهما من أبرز المخرجين اللبنانيين الذين تناولوا، وباستمرار، المآسي الإنسانية الناجمة عن الحرب بتجسيدٍ روائيّ، وتسجيليّ، تحليليّ، ونقديّ لظروفها، وخلفياتها.
وفي لفتةٍ تأبينيّة، يقدم المهرجان بعض أفلام السينمائي السوري الراحل “عمر أميرلاي”، ويعرض ثلاثة من أفلامه الأشهر (طوفان في بلاد البعث، مصائب قوم، والدجاج).
وفي بداية تعاونٍ مع مهرجان الفيلم العربي في برلين، فقد اقترح مهرجان الخليج السينمائي في دبي عدداً كبيراً من الأفلام الخليجية، الروائية الطويلة، القصيرة، والتسجيلية، سبق وأن عُرضت، ونال بعضها جوائز في مهرجانيّ دبي السينمائي الدولي، والخليج السينمائي.

وبحسب أدبيات المهرجان، سوف تهتمّ الدورات المٌقبلة باجتذاب الجمهور الشاب، والأطفال، وعرض أفلام تجسّد مشاغلهم، طموحاتهم، وآمالهم، وسوف تكثف عملها كي يتمكن السينمائيون العرب من التواصل مع الصحافة، والعاملين في صناعة السينما الألمانية بهدف توسيع، وتعزيز موقع المهرجان وسط المهرجانات الأوروبية العديدة بوصفه ملتقى، وحلقة وصل في المشهد الثقافي الألماني خاصة، والأوروبيّ عامة.
في خطواتٍ مرحلية، تخيّر مهرجان الفيلم العربي في برلين التخلي عن المُسابقات، الجوائز، والتنافس بين الأفلام، واكتفى حالياً بعددٍ محدودٍ من الضيوف، والأهمّ من وجهة نظري، لم ينقاد بحماسٍ حقيقيّ، أو مزيف إلى الاحتفاء بالثورات العربية(مع أنه يقدم بعض الأفلام عنها)، وذهب بعيداً نحو تيمة مغايرة تماماً تكشف عن أشكال الهزل، والإضحاك في السينما العربية، تيمةٌ لم تمنحها المهرجانات التقليدية الأهمية التي تستحقها، بل تجاهلتها عمداً اعتقاداً بأنها سوف تكتسب جديةً هي في الغالب مُفتعلة.
ولكن، هاهو مهرجان الفيلم العربي في برلين يفعلها بخفة ظلٍّ حقيقية بدون أن ينسى جديته في برنامجه العام، وتكريماته التي تطفح بأفلامٍ مثقلة بالهموم، والقضايا الحياتية، والمصيرية، في برمجةٍ تختلط فيها الضحكات مع الدموع ..