عن مهرجان أبوظبي السينمائي 2011
«هل تكفي الأفلام الجيّدة لمهرجان؟»!.. يتساءل صديقنا؛ الناقد السينمائي اللبناني نديم جرجورة، وهو في سؤاله البارع هذا، يفتح باب النقاش واسعاً على مصراعيه، مرة أخرى. إنه نوع من النقاش الذي لا ينتهي، والذي يتجدّد مع بداية موسم المهرجانات السينمائية العربية، كل عام. تتوسع خريطة المهرجانات السينمائية العربية، الدولية منها والمحلية، المتخصصة منها والعامة، ومع كل وليد جديد في هذا المجال، يتجدد النقاش، بل والجدل.
قبل قرابة عقد من الزمن، كان كل شيء يبدو وكأنه على ما يرام، بل وفي مكانه!.. مهرجانات عريقة، أو أخذت لنفسها صفة العراقة، على الأقل لعدم وجود ما ينافسها، أو يهدد مكانتها التي أخذتها، وربما من دوراتها الأولى. كان ثمة اتفاقات على حيزات خاصة لكل منها؛ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي السنوي، ومهرجانا قرطاج ودمشق، المتوافقان على تبادل الدورات سنة بعد أخرى، والاتجاه إلى سينمات محددة جغرافيا (آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية)، ومهرجانات أخرى، أقل شأناً، مع أهمية في الحضور لكل منها، وضرورته، وإن كان لا تعدو أن تكون تفاصيل في اللوحة العامة لما بتنا نسميه اليوم: موسم المهرجانات السينمائية العربية.
أعتقد أن التحوّل التاريخي، كان مع إطلاق مهرجان دبي السينمائي الدولي، إذ بدا أن صوتاً يمكن أن يأتي من البعيد، من خارج الدول العربية في مجال الإنتاج السينمائي، ليثير الكثير من الضجيج، ويرجّ السكينة التي نامت في ظلالها المهرجانات العريقة!.. ومع انتقال إدارة مهرجان دبي السينمائي إلى أيد عربية، بدا أنه سيفتح عصراً جديداً، ليس على مستوى المهرجانات السينمائية العربية، بل على مستوى صناعة السينما العربية، ودعمها، وتمويلها، وتنشيطها، وضخ الدم في عروقها.
لم يتخلّف مهرجان أبو ظبي السينمائي، سوى سنوات معدودات (دبي في دورته الثامنة، أبوظبي في دورته الخامسة)، ليدخل بقوة ملفتة منذ دورته الأولى، على الرغم من الارتباكات التي كان لها أن تسم البدايات. وبانتقال مهرجان أبوظبي السينمائي، من إدارة أولى إلى ثانية، فثالثة، ويستقر عندها، فقد كان من الواضح أنها مسيرة البحث عن الذات، الهوية، والاستقرار، والانطلاق إلى النضج والتبلور، الذي يؤهل للطموحات العظيمة، التي قاربت الأوهام، في بعض التصريحات!..
مع دورته الخامسة، يبدو مهرجان أبوظبي السينمائي، هذا العام 2011، وقد أحسن الاشتغال على العديد من المستويات. لقد حصل على مجموعة من أهم الأفلام، خاصة العربية، وبالتالي فقد استوفى لنفسه شرطاً أولياً، وصفة أساسية، من المهرجان الجيد، الذي يدرك أي الأفلام التي يريدها، ويريد لها أن تدخل برامجه، لتتناغم مع المشهد العام للمهرجان، سواء داخل المسابقات الرسمية، التي يُعدّ لها، أو البرامج الموازية التي تؤثِّث المهرجان، وتمنحه الهوية، وتضعه على طريق تحقيق الاستراتيجيات، وبلوغ الأهداف المرومة.
سندع جانباً كل ما أُثير حول القوة المالية التي يتمتع بها المهرجان، والتي تكاد تكون ميزته الأساسية!.. وسندع جانباً كل ما يُقال عن قوة الجذب التي تفرضها القيمة العالية للجوائز التي يمنحها في مسابقاته الرسمية (مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، مسابقة الأفلام القصيرة، مسابقة آفاق جديدة، مسابقة أفلام من الإمارات)!.. فضلاً عن مسابقاته، أو جوائزه، غير الرسمية!.. وسنقول بوضوح إن القوة المالية لأي مهرجان، والقيمة العالية للجوائز، ليست أمراً سيئاً البتة، خاصة إذا ما تمّ وضعها في السياق الصحيح. بل سنزيد في القول الأكثر وضوحاً، أن هذه الميزة/ النعمة، يمكن لها ببساطة أن تنقلب إلى نقمة، إذا ما تمَّ استخدامها بشكل خاطئ!..
من المؤكد أن القوة المالية وحدها، والجوائز العالية القيمة المادية، بذاتها، مهما بلغت، لا يمكن لها أن تصنع مهرجاناً جيداً!.. إنها تصنع جيباً ممتلئاً، يمكن للسينمائيين أن يمدوا أياديهم (عبر أفلامهم) ويغرفوا منها، ويرحلوا!.. هذه أسوأ صورة يمكن أن تتكوّن عن المهرجانات السينمائية، الخليجية منها بالضبط!.. قطعاً نقول إن الهوية، والسياسات، والاستراتيجيات، والبرمجة، والتخطيط، وفي النهاية التراكم، هو الذي يصنع مهرجاناً جيداً، خادماً لصناعة السينما، مقوياً لها، دافعاً ومنشطاً لآلياتها.
ولعلي أزعم، بقراءة البرامج، أن مهرجان أبوظبي السينمائي، مع دورته الخامسة، وربما صاعداً، وجد سبيله في الاتجاه الذي يريد، الأمر الذي يجعلنا نحلم أننا، خلال وقت قريب، نأمل أن نسمع عن صيغ تضع الأمور في نصابها، خاصة لناحية دعوتنا التي أطلقناها خلال الدورة الأولى، لإيجاد صيغ من التعاون مع مهرجان دبي السينمائي الدولي، لا التنافس معه، أو العمل ضده!..
القراءة المتأنية لبرنامج الدورة الخامسة من مهرجان أبوظبي السينمائي، الذي أعلنه في المؤتمر الصحفي المنعقد بتاريخ 21/9/2011، بحضور كل من مدير المشروعات عيسى المزروعي، والمدير التنفيذي للمهرجان بيتر سكارليت، ومدير مسابقة أفلام من الإمارات المخرج والممثل علي الجابري، وبمساهمة وافية من المبرمج العربي انتشال التميمي، تبين أن مسيرة التعديلات، وإعادة الهيكلة، قد بلغت مرحلة نأمل أن تستمر وتتصاعد، على مستوى البرمجة، واختيار الأفلام، ولكن بالتأكيد مع ضرورة إعادة النظر في مسألة الجوائز، التي سنجد، بعد قليل، أنها بلغت حدّاً مفاجئاً!..

على مستوى المسابقات، سنجد في «مسابقة الأفلام الروائية الطويلة»، مشاركة 17 فيلماً، منها 13 فيلماً من أنحاء العالم، مما يمنح المسابقة الطابع الدولي، وسنجد مشاركة 4 أفلام عربية، غير كافية، بالتأكيد، لمنح المسابقة الطابع العربي. وكذلك الأمر فيما يخصّ «مسابقة آفاق جديدة»، إذ سنجد مشاركة 12 فيلماً، بينها 5 أفلام عربية، فقط. أما «مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة»، فسنجد فيها مشاركة 12 فيلماً، منها 4 أفلام عربية. وفي «مسابقة الأفلام القصيرة؛ روائية ووثائقية وتحريك»، سنجد مشاركة 31 فيلماً، منها 17 روائي قصير (بينها 8 أفلام عربية، فقط)، و8 وثائقي قصير، و6 تحريك قصير.
هكذا يبدو أن مهرجان أبوظبي السينمائي، قد حدّد حصته التي يريد من الأفلام العربية، ولم يأبه لمسألة التوزّعات الجغرافية لأفلام السينما العربية، ولا اهتم لمراعاة أن تكون المشاركات مُوزَّعة على أكثر من بلد عربي. وهكذا فإن الأفلام الأربعة المشاركة في «مسابقة الأفلام الروائية الطويلة»، جاءت من بلدين عربيين، هما تونس والمغرب: فيلم من تونس هو فيلم «ديما براندو» للمخرج رضا الباهي، وثلاثة أفلام من المغرب، هي: «رجال أحرار» للمخرج إسماعيل فروخي، و«موت للبيع» للمخرج فوزي بن سعيدي، و«على الحافّة» للمخرجة ليلى كيلاني، مع أهمية ملاحظة أن الفيلمين الأخيرين مدعومان من «منحة سند»!..
وفي «مسابقة آفاق جديدة»، سنجد أيضاً فيلمين من المغرب، هما: فيلم «أياد خشنة» للمخرج محمد العسلي، و«النهاية» للمخرج هشام لعسري، وفيلماً واحداً من مصر، هو فيلم «أسماء» للمخرج عمرو سلامة، ومن لبنان فيلم «هذا المكان الضيق» للمخرج سوني كعدو، ومن الإمارات العربية المتحدة فيلم «ظل البحر» للمخرج نواف الجناحي.
وفي «مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة»، حضرت الأفلام التي نالت دعماً من «منحة سند»، حصراً، فيشارك كل من فيلم «التحرير 2011 الطيب والشرس والسياسي» للمخرجين المصريين تامر عزت وآيتن أمين وعمرو سلامة، و«المزاج» للمخرجة الجزائرية صافيناز بوصبايا، و«في أحضان أمي» للمخرجين العراقيين عطية الدراجي ومحمد الدراجي. ولم يختر المهرجان للمشاركة في المسابقة، سوى فيلم وثائقي عربي واحد، مما لم يدعمه، هو فيلم «يوميات» للمخرجة الفلسطينية مي عودة.
لا تشير برامج المسابقات في مهرجان أبوظبي السينمائي إلى الآفة التي سبق أن تطرقنا إليها، من قبل، وهي فكرة الاستحواذ على كل ما هو مُتوفّر، أو مُتاح، من أفلام عربية جديدة. لقد تخلَّص مهرجان أبوظبي السينمائي منها.. حسناً!.. وتلك الآفة، وإن كانت تشير إلى حالة من القلق، والتخبط، من قبل، فإن التخلّص منها هنا إنما يدلّ على أن مهرجان أبوظبي السينمائي شاء الاكتفاء بالحصول على بعض أهم الأفلام العربية الجديدة، حقاً، مع الاحتفاظ بحصة الأسد للأفلام المدعومة من قبل «منحة سند»: اثنان من بين أربعة أفلام في الروائي الطويل، وثلاثة من أصل أربعة أفلام في الوثائقي الطويل!.. الأمر الذي يعطيها أفضلية واضحة في الفوز، في فرص أكثر من مضاعفة!..
يبقى من الضروري، وبعد التوقّف أمام المشاركات العربية في مسابقات مهرجان أبوظبي السينمائي، في دورته الخامسة، التي ستنعقد الأسبوع القادم (13 – 22/10/2011)، الانتباه إلى موضوع الجوائز التي تمّ إعادة توزيعها على نحو لابد من مناقشته، إذ في الوقت الذي يعلن المهرجان أن لا مسابقات عربية لديه، إلا أنه في الواقع يخصص جوائز لمخرج ومنتج من العالم العربي، في كل قسم من المسابقات الرسمية، الأمر الذي يعني أن ثمة جائزة (50 ألف دولار) سوف تُمنح لواحد من أربعة مخرجين عرب مشاركين في «مسابقة الأفلام الروائية الطويلة»، وجائزة (25 ألف دولار) سوف تُمنح لواحد من ثلاثة منتجين عرب (على اعتبار أن «سند» هي المنتجة لفيلمين من أصل أربعة أفلام مشاركة في المسابقة)!.. وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على «مسابقة الأفلام الوثائقية»، إذ هي أربعة أفلام، ولكن مع منتجين اثنين هذه المرة، على اعتبار أن «سند» هي المنتجة لثلاثة أفلام مشاركة في المسابقة (هنا: مي عودة تنافس «سند» المدجّجة بستة مخرجين)!..
في كل حال، ومع ضمان «سند» حصتها في الفوز، مسبقاً، فإن العربي أيضاً يمتلك، في الآن نفسه، فرصة الفوز بالجائزة العامة لعموم الأفلام المشاركة، أو على الأقل فرصة الفوز بالجائزة الخاصة للأفلام العربية.. ماذا يريد المخرج والمنتج العربي أكثر من هذا؟!..
ولا يتوقف الأمر عند حقيقة أن جوائز مماثلة سوف تمنح في «مسابقة آفاق جديدة»، لمخرج ولمنتج من العالم العربي، أيضاً، بل إن المهرجان يمضي نحو منح جوائز مالية في البرامج الموازية للمسابقات الرسمية، فثمة جائزة (15 ألف دولار) تُمنح لأحد الأفلام المشاركة في برنامج «عالمنا»، وجائزة أخرى (50 ألف دولار) تُمنح لأحد الأفلام المشاركة في برنامج «عروض السينما العالمية»، (30 ألف دولار للمنتج، و20 ألف دولار للموزّع المحلي)، الأمر الذي يعني في النهاية أن جميع الأفلام الجديدة المشاركة في مهرجان أبوظبي السينمائي، بما فيها فيلم الافتتاح، وحتى الفيلم المصري «18 يوم»، تمتلك فرصاً واضحة للخروج بجائزة ما، تتراوح ما بين 100 ألف دولار، ولا تقلّ أبداً عن 15 ألف دولار، في أسوأ الأحوال!.. وهذه الجوائز لا تشمل المخرج، وأفضل ممثل وممثلة، مثلاً، بل وليس المنتج، فقط، بل حتى «الموزّع المحلي»!..

من جهة أخرى، وبعيداً عن المسابقات والجوائز، يحتفي المهرجان في دورته هذه، بمناسبة «مئوية نجيب محفوظ»، فمن المعروف أن الروائي نجيب محفوظ (1911 – 2006)، مازال حتى اليوم هو الفائز العربي الوحيد بجائزة نوبل للآداب عام 1988، ولقد نقلت رواياته للسينما، كما كتب هو سيناريوهات. تتضمن الاحتفالية عرض مجموعة من الأفلام المصرية التي استقت من رواياته، إضافة إلى فيلمين مكسيكيين، مقتبسين عن أعماله. وتجاهل المهرجان مهمة عرض أي من الأفلام التي كتب نجيب محفوظ السيناريو فيها!..
كما يقيم المهرجان احتفالية «لنتذكر رابندرانات طاغور»، وذلك بمناسبة الذكرى 150 لميلاد الشاعر البنغالي طاغور (1861 – 1941)، وهو أول كاتب غير غربي ينال جائزة نوبل للآداب عام 1913. المهرجان يقول إنه سيقوم بعرض أربعة أفلام للمخرج الهندي ساتيا جيت راي، مما يستند إلى أعمال طاغور. وللطرافة فقط، يمكن السؤال: لماذا لا يكون التكريم للسينمائي الكبير ساتيا جيت راي نفسه؟!..
ثمة الكثير مما تعدنا به الدورة الخامسة من مهرجان أبوظبي السينمائي، منها عرض نسخة مرممة ملونة من فيلم «رحلة إلى القمر» لجورج ميلييه، وبرنامج «خرائط الذات: التجريب في السينما العربية»، للمرة الثانية، حيث يتعاون المهرجان مع «متحف الفن الحديث»، و«مؤسسة آرتي إيست» في نيويورك. ويعرض فيلمي «المدينة» للمخرج يسري نصرالله عام 1999، و«ليام اليام» للمخرج أحمد المعنوني عام 1978. وكذلك برنامج «تكريم السينما السويدية» التي تضيف عرض ثلاثة أفلام للمخرج إنغمار بيرغمان، فضلاً عما هو موجود في البرامج أصلاً من أفلام سويدية.
وإذا كنا لن ننسى برامج «عروض الأسرة والعائلة»، و«عروض المرأة»، و«عروض الهواء الطلق» التي ستقام على الواجهة البحرية في «فيرمونت باب البحر»، والتي ستذكرنا حتماً بنجاح تجربة عروض الهواء الطلق، العام الماضي، على الممشى (جي بي آر) في دبي، فإن الأمر الجدير بالانتباه هو اشتغال مهرجان أبوظبي السينمائي على فكرة توفير المزيد من «الداعمين»، الذين وإن كان المهرجان لا يحتاجهم مالياً، ولكن دون شك بحاجة لوجودهم على صعيد العلاقات، واستجلاب المزيد من الجمهور، الأمر الذي يعتبر أحد أهم مؤشرات نجاح المهرجان، وكل مهرجان جيد.
بالأرقام
الأفلام الطويلة 86: (62 روائي + 24 وثائقي)، منها 8 عروض عالمية + 6 عروض دولية
الأفلام القصيرة 94: منها 5 عروض عالمية + 8 عروض دولية
مسابقة أفلام من الإمارات 46: 8 عروض عالمية + 2 عروض دولية