المستقل والمختلف ألكسندر باين يعود بعد غياب
محمّد رُضــا
بفيلم «الأحفاد» يعود المخرج ألكسندر باين إلى قاعات السينما الأميركية والعالمية وتزداد احتمالات أن يفوز جورج كلوني بالأوسكار. الأول أمضى سبع سنوات بعيداً عن العمل السينمائي. الثاني لديه فيلم من المنتظر له أن يرشّحه لأوسكاري أفضل فيلم وأفضل مخرج هو «منتصف أشهر مارس« الذي قام كلوني بإخراجه وتمثيل أحد الأدوار المساندة.
في الواقع، السؤال هو كيف سيتصرّف أعضاء الأكاديمية المانحة للأوسكار حيال «منتصف أشهر مارس« فبطله هو رايان غوزلينغ يستحق الترشيح لأوسكار أفضل ممثل، وهو بالتأكيد سيكون من بينهم، وهناك السيناريو (بو ويليمون) التصوير (فيدون بابامايكل) والمونتاج (ستيفن ميريوني) وكلّهم يستحقّون الترشيح. أما كلوني ففيلمه من السهولة والعمق في آن بحيث بات متوقّعاً دخوله في المسابقة كأفضل فيلم أيضاً، وإذا ما دخل كأفضل فيلم فإن دخول كلوني كأفضل إخراج يصير عملية تلقائية.

لكن هذا كلّه جانب واحد من المعادلة. «الأحفاد» هو فيلم جديد من بطولة كلوني وحين مشاهدته سيدرك المرء أن من يتفوق على كلوني في دور المرشّح للرئاسة في «منتصف أشهر مارس» هو كلوني في «الأحفاد». كذلك المساحة أكبر. في الفيلم الأول هو دور مساند، وفي الثاني هو دور بطولة.
لكن التحية الكبرى في «الأحفاد» ستكون من نصيب المخرج ألكسندر باين. هذا هو ذات المخرج الذي قدّم بسنتين متقاربتين كل من «عن شميت»، (2004) بطولة جاك نيكولسون و«جانبياً« او Sideways
(2006) مع بول جياماتي وتوماس هادن تشيرش. إذاً هي سبع سنوات مرّت على المخرج من دون تحقيق فيلم ولو أن ذلك لا يعني أنه بقي بعيداً عن العمل، فهو انتج وحقق حلقة تلفزيونية وأخرج فيلماً قصيراً… وهو أيضاً اشتغل على «الأحفاد» طوال تلك الفترة مع تردد رأسالمال في هوليوود عن تمويل الفيلم تردده في تعزيز المخرجين المستقلّين والفنانين البادي منذ سنوات.
السمة المهمّة في أفلام باين الثلاثة المتوالية هي الرجل الذي في ورطة عاطفية.
في «عن شميت» عرّفنا، بلقطات مقتصدة في البداية ببطله الذي وصل إلى سن المعاش: رجل يشبه مكتبه الخاوي الذي يجلس فيه بإنتظار نهاية دوام آخر يوم له في المؤسسة التي يعمل فيها. في البيت يعيش مع المرأة التي اقترن بها منذ عقود. يسمع الكلام نفسه. يتأفف من العبارات ذاتها. يعايش الروتين الطاحن ذاته. في يوم، تسقط زوجته ميّتة. أثر ذلك عليه مفجع في البداية، وهذه البداية لا تستمر لأكثر من مشهد او إثنين. بعد ذلك يدرك الحريّة الثمينة التي حصل عليها في ظرف بضعة أيام. لا عمل ولا زوجة. يركب الحافلة الكبيرة التي اشتراها (موبايل هوم) وينطلق بحثاً عن إبنته التي ربما لا تريد لقاءه. ما يحدث بعد ذلك يعمّق أزمته العاطفية. رجل وحيد أمام أفق غير بعيد عنه.
«جانبياً« هو عن كاتب أصغر سنّاً (جياماتي) يراسل إمرأة ويشعر حيال كلماتها له وكلماته لها بالحنو والعاطفة. لكن لقائه بها، وبسبب صحبته لصديق له آثر خيانة خطيبته قبل يوم من عقد القران بها تضعه هو (وصديقه إلى حد) أمام فوهة الخيارات المتشابكة. في النهاية يدرك أن الخطوة هي خطوته وأن عليه أن يصر عليها. يركب سيّارته وينطلق صوب المرأة التي أحبّها بداية من كلماتها وتشجيعها له.
في «الأحفاد» المسألة مختلفة. ولنلاحظ هنا: مختلفة لكن ليست بعيدة عن التطرّق إلى أزمة الفرد. جورج كلوني محام ميسور الحال ليس لنجاحه فقط، بل لأنه ورث الثروة التي له. لكن علاقته بعائلته ليست على ما يرام، حتى من قبل أن تقع المأساة حين أدّى حادث في مركب بحري إلى إصابة زوجته إصابات مبرحة جعلتها طريحة الفراش دائماً وغير قادرة على ممارسة أي نشاط. إنه في ذلك الحين يعلم أنها لم تكن مخلصة له، وأنها كانت علي علاقة مع رجل آخر. هذا الرجل لا يدري ماذا يفعل؟ لقد جُرح ويود أن يقول لها أنه مجروح، لكن كيف له ذلك وأمامه حالة تتطلّب صمته؟.

كل ما في أفلام باين (وأنا أتردد في استخدام كلمة “سينماه” بسبب حداثته النسبية) يشي بأنه يرغب في إنجاز أعمال عن شخصيات مختلفة عن تلك التي تفضّلها هوليوود. ففي الوقت الذي كان فيه جاك نيكولسون لا يزال يجد في السيناريوهات المقدّمة إليه في السنوات الأولى من العقد الماضي مثل:
Something’s Gotta Give, The Departed وAnger Management
الكثير من الشخصيات المتلألئة حسب الوصفة الهوليوودية. لكن حين تقدّم منه باين بمشروعه «عن شميت» سارع نيكولسون للقبول مع إدراكه بأن المخرج لا يريده ان يكرار صورته المتألّقة.
بول جياماتي هو في الأصل ممثل أفلام مستقلّة لكن حين وضعه باين في بطولة «جانبياً» لم يكن بعد استلم بطولة فيلم فعلي.
هنا يطلب من بطله كلوني النزول بضع درجات عن نجوميّته وقبول شخصية رجل أقل من عادي في شؤون كثيرة. وإذا ما نظرنا إليه شخص قد يستحق التفهّم لكنه يستحق أيضاً اللوم كونه أحد الأسباب التي أدّت إلى ضياع أواصر الحب في بيته.
بين فيلمي «منتصف أشهر مارس« و»الأحفاد» ليست هناك مقارنات في الموضوع. الأول تشويق سياسي علي طريقة السبعينات، الثاني دراما إنسانية على طريقة…. على طريقة …. ألكسندر باين. فنيّاً، خبرة كلوني في تحقيق الأفلام لا تشمل بعد كيفية التعامل مع الشخصية على نحو عميق كما الحال عند باين. »الأحفاد» عميق بإنسانيّته وقدرته على ملاحظة الأشياء بعين مدهشة وغير مصطنعة… عين طبيعية باتت غير مألوفة في معظم ما نراه من أفلام حديثة0