في الصورة العربية: لماذا اختلفت بعد 2001؟
في فيلم رضا الباهي “ديما براندو” أكثر من موضوع يتوقّف المخرج عنده سواء عبر جزئه التسجيلي (المخرج يتحدّث عن تجربته مع مشروعه عن مارلون براندو ولقائه به) وجزئه الروائي (شاب تونسي يشبه براندو يحلم بالسفر إلى هوليوود ليصبح ممثلاً بعدما غرّر به ممثل أجنبي). إنه فيلم زاخر بالمواقف التي تتوالى بطروحاتها المختلفة، ولو أنها لم تأت بجديد فقد ناقشها المخرج ذاته في أفلام سابقة له مثل «شمس الضباع» و«العتبات الممنوعة».
لكن ما كان مثيراً للاهتمام هو ذلك الجزء الذي يتحدّث فيه الباهي، تسجيلياً، عن صورة العربي في السينما الأميركية كما وردت في فيلم ستيفن سبيلبرغ «غزاة تابوت العهد المفقود» وهو أول مغامرات إنديانا جونز التي صدرت بأربعة أجزاء حتى الآن.
المشهد الذي اختاره الباهي وغطّاه بتعليق صوتي هو ذلك المشهد الذي ينبري فيه فارس عربي يحمل سيفاً باتراً لمقاتلة إنديانا جونز، فما كان من إنديانا الا أن قلب ناظريه في السماء ثم سحب مسدّسه من وسطه وأرداه قتيلاً عازفاً عم مقاتلته فعلاً. يومها لم يفت هذا الناقد ما ارتسم من إهانة لشخصية العربي. لقد اختار سبيلبرغ أن يهينها بعدما انتقى ما يمثّلها فإذا به رمزاً لأسطورة شجاعة وقدرة قتال ليست موجودة. رصاصة جونز التعبة برهنت ذلك. في تعليق الباهي يرصد تلك الإهانة متسائلاً: “ترى هل فكّر ستيفن سبيلبرغ بأنه أهان العرب جميعاً حين قدّم ذلك المشهد؟”.
لقد مرّت ثلاثون سنة على ذلك الإنتاج ومؤخراً عقد سبيلبرغ والممثل الأول لذلك الفيلم هاريسون فورد لقاءاً للمناسبة لم يرد فيه ذكر للمشهد الذي أورده الباهي من الفيلم. الأغلب أن سبيلبرغ فكّر بالمشهد على نحو مقلوب: إنه ليس إهانة بقدر ما هي، بالنسبة إليه، انتقاماً من صورة خطّتها السينما نفسها، من بين وسائل تعبير وإبداع أخرى. الفيلم بأسره لا يحمل أي شخصية عربية إيجابية، فالكل “كومبارس” من الثياب الرثّة والجهل البادي وأحدهم صديق لقرد يأمره بالقتل فيحاول ذلك، والسوق هو رمز آخر من رموز اللاحضارة فلم لا ندمّره في سياق قيام إنديانا جونز بمجابهة الحثالة من مهاجميه بالكرباج حينا، وبالمسدس حيناً وبالمكائد البسيطة التي تمر مرور الكرام فوق رؤوس هؤلاء السذّج.

والسوق هو أحد الرموز التي يهدمها السينمائيون حينما يريدون تصوير عبثية الحياة العربية، فهي تُهدم في «جوهرة النيل» وتهدم في «علاء الدين» وتهدم في أحد أفلام السندباد، ودائماً ما تتناثر البضائع أرضاً، ويتطاير الدجاج وتنقلب العربات ويرفع البعض أيديهم متضرّعين… والفيلم يمد لسانه إليهم شامتاً.
لم أستطع فهم هذه الصورة إلى الآن، لكن أفهم أن ثلاثين سنة أو نحوها مرّت علي معظم هذه الأفلام فالإساءات البالغة لم تكن في أفلام الأبيض والأسود (على وجودها) بل في أفلام السبعينات والثمانينات، حين كان الفهم لا يزال قاصراً والعربي هو ليس أكثر من عدو لأميركا ولإسرائيل وللحضارة الغربية بأسرها.
لكن هل غيّرت كارثة أيلول/ سبتمبر 2001 هذه الصورة؟ ولماذا وكيف إذا ما تغيّرت؟
كجواب مبدئي، نعم تغيّرت. لا أحد في هوليوود يريد الآن تقديم العربي في صورة قاتل، أو إرهابي، أو ثري غبي أو شخص لا يؤتمن. إذا ما أردت مشاهدة فيلم يحتوي على هذه الصفات وينتمي إلى العقد الأول من القرن الحالي، عليك أن تطرق باب من دفتين: هو إما في أفلام من إنتاج “مستقل” (وليس كل إنتاج مستقل هو فيلم جاد بل الغالبية مما ينتج مستقلاً عن ستديوهات هوليوود هو أفلام تجارية بحتة) وإما في أفلام حددت فترات زمنية معيّنة واختارت اقتصار الأشرار على مجموعة معيّنة من دون تعميم السمات، فالمقاتل المحارب في العراق عدو للبطل الأميركي، إنما الجديد هو أنه لا يعبّر عن الشعب بكامله، وذلك كما ورد مثلاً في فيلم «وطن الشجعان» Home of the Brave إخراج إروين وينكلر سنة 2006
لا أحد في هوليوود يريد تقديم هذه الصورة لأن الجميع أدرك أن السينما لعبت دوراً مهمّاً في إشاعة تحقير الشخصية العربية وتنميطها على نحو حث الآخرين (خصوصاً أتباع السينما غير المفكّرة) على اعتبار أن هذا التنميط إنما مجتزأ من الواقع. ولم يبرهن العرب، تبعاً لأنظمتهم السابقة وبعض الحالية، من أنهم أفضل من ذلك بكثير. لا يوجد إعلام نيّر ولا خطّة تنويرية ولا تصدّي بالكلمة والصورة. لا شيء سوى المشاهدة وقيام كتّابنا بكتابة ردّات الفعل بالعربية والتنكيل بأعداء الأمّة.
كان حرياً، في الأمس وسيبقى حرياً طوال الوقت، لو أن السوق العربية شكّلت سوقاً قادرة على الأذى لو اختارت منع أحد هذه الأفلام. نلاحظ في هذا المجال أن خوف هوليوود من الصين دفعهم قبل أشهر قليلة لتغيير أزياء الجيش الصيني في فيلم «فجر أحمر» بعدما سمعت احتجاجاً صينياً. كان التصوير قد انتهى لقصّة تروي أن الصين احتلّت الولايات المتحدة (هو إعادة شبابية لفيلم أخرجه جون ميليوس سنة 1984 يحكي عن احتلال الجيش السوفييتي لأميركا)، فسارعت الشركة المنتجة إلى الدجيتال وقلبت الرموز وغيّرت ألوان الأزياء فأصبح العدو…. كوري شمالي.
سبب آخر وراء التغيّر الحاصل للصورة العربية في السينما العالمية ناتج عن ارتفاع نسبة المعرفة واعتبار التنميط فعل غير حضاري. لنقل كما لو أن هوليوود صوّر المرأة على نحو مُهين أو سمح للبطل الأبيض بأن يمتطي ظهر رجل أسود أو يصفه بكلمة Nigger.
لم يغب العربي مقاتلاً لكن ليس على طريقة إنديانا جونز الرعديد الذي اختار أبسط الأساليب للهرب من المواجهة، وكل ما يمكن ذكره في هذا المجال الضيّق المشهد المنفّذ جيّداً في فيلم بول غرينغراس «إنذار بورن» The Bourne Ultimatum سنة 2007. إنه مشهد قتال نُفّذ بمهارة فعلية بين بطل الفيلم مات دايمون، وقاتل محترف مغربي يعمل لصالح السي آي أيه يلي وصول بطل الفيلم بورن إلى المغرب. المشهد ليس في وارد إظهار ضعف العربي أو جبنه أو خداعه. إنه بالمهارة نفسها التي يتحلّى بها “بطل” الفيلم. بتفكيك المشهد (من نحو خمس دقائق) لقطة لقطة يتبيّن أن احترام المهنية والبعد عن التنميط والخدمة السريعة سادا العمل. الضربات كانت متساوية عدداً وتأثيراً. المهارات متوازية. فقط في اللحظة الأخيرة يسعف الحظ (وحقيقة أن بطل الفيلم يجب أن لا يموت) ينتصر فيها بورن على عدوّه ويقضي عليه.

القاتل العربي يعمل للسي آي أيه والسي آي أيه تريد الخلاص من بطل الفيلم. وقع ذلك كمفهوم في البال الأميركي هو أن السي آي أيه هي العدوّ وليس القاتل المحترف.
سبب ثالث في عملية التغيير تكمن في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة لاحتلال العراق. ذلك أن الوعي الاجتماعي صعّد من معاداة الحرب بحيث بات واضحاً أن هوليوود لا تستطيع أن تطلق أفلاماً تؤيّدها. والحقيقة هي أن معظم ما أنتجته هوليوود عن تلك الحرب كان مناوئاً لها، كما تبين لنا القائمة التالية مما شاهدناه من أفلام العقد الماضي 2001- 2010):
أفلام مناوئة للحرب العراقية سياسياً (عدد: 10)
Green Zone المنطقة الخضراء – 2008
Fair Game لعبة عادلة- 2010
The Men Who Stared at Goats المحدّقون بالماعز- 2010
Lions for Lambs أسود كحملان- 2007
Fahrenheit 9/11 فهرنهايت 9/11 – 2005
The Battle for Haditha معركة للإستيلاء على حديثة- 2007
The War Tapes أشرطة الحرب- 2006
Redacted – إعادة صياغة- 2008
American Soldiers جنود أميركيون – 2005
The Trial of Tony Blair محاكمة توني بلير- 2008
أفلام مناوئة للحرب من حيث وقعها على الأميركيين (عدد:6)
The Hurt Locker- خزانة الألم- 2008
Jarhead- رأس فخاري (فارغ)- 2005
The Messenger المرسال- 2009
ّIn the Valley of Elah – في وادي إيلاه – 2007
Stop- Loss وقف خسارة- 2008
Grace is Gone الروعة خبت- 2006
أفلام مؤيدة للحرب بدرجات مختلفة (عدد: 1)
Home of the Brave وطن الشجعان – 2006