رابطة فنانى الثورة فى مواجهة الدولة الأمنية
منذ عدة سنوات كان الداخل والخارج إلى محطة “الأوبرا” فى مترو الجيزة يسير فى جنبات متحف مفتوح أقامته دار الأوبرا على حائط الممر المؤدى لحرم الأوبرا، هذا المظهر الحضارى سرعان ما اختفى عقب غلق الباب لأسباب أمنية. كانت كل المقالات والآراء ترصد تنامى دور الأمن فى النظام المصرى حتى سميت مصر ” الدولة الأمنية”. وبعد ثورة 25 يناير عادت اللوحات تملأ ممرات محطات المترو ليس فقط محطة الأوبرا ولكن محطة التحرير– رسميا “أنور السادات “، والإسعاف – رسميا ” جمال عبد الناصر” – كما قام ائتلاف فنانى الثورة بإقامة معارض فنية خصصت للوحات تعبر عن الثورة المصرية فى عدة أماكن بالقاهرة والإسكندرية.
وثق المخرج “العجمى السيد” لائتلاف فنانى الثورة وما قاموا به وسط أحداث الثورة المصرية فى عمله التسجيلى ” رابطة فنانى الثورة” والذى أنتجه المركز القومى للسينما، يخبرنا صوت أحد الفنانين أن “رابطة فنانى الثورة ” تأسست بعد تنحى مبارك عن الحكم بيومين. ومع نغمات عود لعازف يحكى عن توثيقه للثورة بأغنيته التى يبدأ مقطعها ” أعظم شعوب فى العالم، شعب مصر” ، يقطع المخرج بين الغناء فى موقع الحدث بالتحرير وبين مشاهد اختارها فى المونتاج لتتوازى مع كلمات الأغنية. الفرقة المتجمعة وخلفها مجمع التحرير – أشهر بناء به- وبين أيقونات التحرير التى تتكرر فيها صور دبابات الجيش وعليها أطفال يمسكون بالعلم، لقطة متحركة للعلم الضخم مرفوعا فوق الرؤوس ويسير تحته المتظاهرون على اختلافهم.

يقدم المخرج شرحا يكاد يكون ترجمة مباشرة لموضوع الأغنية ومقاطعها فعند مقطع “شباب ضحت بروحها…” يقدم صورة لمصابى الثورة ومحاولات إسعافهم، وعند مقطع ” وناس نادت بصوتها ، نادت وقالت الرحمة” يقطع على صورة سيدة مسنة ترفع يدها بالدعاء. هذا الأسلوب القديم يجده المشاهد المتخصص فجا ومباشرا، بينما يحدث تأثيرا لدى المشاهد غير المتخصص الذى يرغب فى التوحد مع نماذج الفيلم. يمضى الفيلم على مدى زمنه “21 ق” في تواز بين أغنية الميدان بين أعمال الرسم واللوحات . يقابل الفيلم بترحاب كبير من جمهور متحمس، بينما يقابل بتحفظ من الناقد المتخصص الذى يطمح فى أن يقدم المخرج جدلا بين الصوت والصورة، ومفارقات بين المشاهد فى بناء مركب يطرح علامات استفهام يتشارك فيها المتلقي وليس بناء بسيطا يمضى فى تماثل – وسيمترية – قد تسبب قدرا من الملل.
فى الفيلم قصيدتان بالعامية سمعنا مقاطع من الأولى من الشاعر وخلفه المحتفلون في الميدان، والثانية صورت وخلفها اللوحات فى معرض أتيليه القاهرة. وفى الفيلم أيضا مقابلات لعدد من الرسامين والرسامات يحكي كل منهم عن علاقته بالثورة وعن مشاركته بعمله الفنى فى التوثيق لها. المخرج حرص على الوقوف على محطات ثورة 25 يناير الرئيسية بداية من الهتاف لسقوط النظام، مرورا بجمعة الغضب وعنف الشرطة مع المتظاهرين، معركة الجمل الشهيرة ثم التنحى- أو التخلي- وفرحة الشعب بسقوط رأس النظام. لم يصنف المخرج الأعمال التى تتراوح بين لوحات فنية عالية القيمة لفنانين محترفين وبين أعمال مباشرة أقرب للفن التلقائى. أنهى العجمى السيد وهو مخرج من موظفي المركز القومي للسينما التابع للحكومة، فيلمه بجملة الشاعر العامى” وفى لحظة هب الميدان، بركان غضب ثائر” ثم عودة لفرقة الموسيقى العسكرية التى احتفلت مع الشعب فى جمعة 18 فبراير التى سميت “جمعة النصر”. وبهذه التوليفة بين الأحداث والظواهر يعبر الفيلم عما آلت إليه الأمور من التوافق بين طوائف الشعب والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يرى الغالبية أنه حمى الثورة ويرى البعض الآخر أنه اختطفها ليعدل مسارها نحو ما آلت إليه الأمور الآن من نظام لا يزال فيه العسكر هم القوة المهيمنة التى تسن القوانين وتشكل الحكومة وتحدد معالم الطريق لمرحلة ما بعد الثورة.
تخرج العجمى السيد من المعهد العالى للسينما قسم الاخراج بعدما درس علم النفس فى جامعة عين شمس وعين منذ تخرجه مخرجا بالمركز القومى للسينما . قدم عددا من الأفلام القصيرة الروائية منها يوميات حصان و ناس من الايام، والوثائقية منها كتاتيب الأزهر، وكاركاتير الثورة – ورابطة فنانى الثورة . كما قدم حلقات وثائقية طويلة منها فيلم حوار الأديان ( من جزئين ) إنتاج تليفزيون المملكة العربية السعودية – القناة الأولى، وفيلم عن تاريخ المملكة العربية السعودية – القناة اأاولى، كما أخرج عدة حلقات تسجيلية عن الحياة اليومية السعودية فى رمضان.
وجدت السينما الوثائقية مادة خصبة لها فى أحداث الربيع العربى، والأهم أنها تحررت من القيود الرقابية التى كانت تلزم صانع الفيلم بالحصول على تصاريح من عدة جهات ليتمكن من تصوير فيلمه، جموع المتظاهرين الذين تجمعوا فى ميدان التحرير بالقاهرة شكلوا فرق حماية لفنانى الثورة فمارسوا عملهم بحرية ورصدوا الحدث دون الحصول على إذن مسبق. وبقى فقط الرقابة الذاتية التى تملكت الكثيرين من فنانى العرب ومبدعيهم لتظل هناك مناطق محظورة يخشون الاقتراب منها، وهذه المناطق مازالت تشكل عبئا على الإبداع وتقلل من تميزه. ولا شك نحتاج وقتا ليصدق الفنانون أنفسهم أنهم تحرروا بالفعل وامتلكوا مصائرهم.