محمد ملص: نحتاج للديمقراطية لتطوير السينما العربية
نقولا طعمة – بيروت
استضاف “ناد لكل الناس” المخرج السوري محمد ملص في إطار التكريم السنوي الذي يقيمه النادي لأحد وجوه السينما البارزين، حيث سبق له أن كرم مارون بغدادي ثم جان شمعون، ومي مصري، وبرهان علوية ، وكريستيان غازي -كلهم لبنانيون.
عرضت أفلام ملص في سينما متروبوليس، وكانت للمخرج لقاءات ونقاشات مع الجمهور مثيلة لسابقاتها التي أقامها النادي للسينمائيين الآخرين.
أفلام
أبرز الأفلام التي قدمت هي “أحلام المدينة” الذي عرض في مهرجان كان السينمائي، وحاز على جوائز تقديرية سينمائية في مهرجان قرطاج، كما عرض في مهرجان برلين، ومهرجان “فالانسيا” في اسبانيا، ومهرجان “باليرمو” في ايطاليا، بين عامي 1984 و1985. بالإضافة إلى فيلم “الذاكرة”، و”فرات”، لكن أبرزها وأبرعها فكرة هو “المنام” الذي حكى قضية الفلسطينيين من خلال الأحلام التي يحلم بها سكان المخيمات. وأعقب الفيلم نشر مفكرة بعنوان “المنام مفكرة فيلم”.
المنظم
وتحدث نجا الأشقر- رئيس النادي المنظم- ل”الجزيرة دوك” عن التكريم بقوله: “اختيارنا لمحمد ملص لأنه الشخصية التي تشبه ما نقدمه عادة، أي الذين يعملون على خلق جمهور يهتم بسينما المؤلف، يتحدث عن الذاكرة، يعكس وجع الانسان، وتخلق المادة المطروحة في فيلمه جدلا وحوارا بينه وبين الجمهور”.
وتابع: “يتميز ملص بأنه ابن مرحلة مرت بها المنطقة العربية عموما، وهي مرحلة ما بعد نكبة فلسطين، مرحلة الوحدة ونكسة ال67، المرحلة التي قدم فيها هذا الجيل الكثير من التضحيات، في طرحه لقضايا المنطقة والناس والمجتمع. وما يميز تكريمنا لملص هو أنه أول فنان عربي نستضيفه”.
وعن المعرفة به، قال الأشقر: “تعرفنا عليه في مهرجان الطلاب 2010 حيث كان عضو لجنة التحكيم، ودعوناه ليكون معنا في لجنة التحكيم للمهرجان الثامن لطلاب الثانوي، الذي جرى في حزيران 2010. ووجدنا انسجاما بين أفكارنا، فأحببنا تقديمه للجمهور، رغم أنه معروف منه. مع العلم أن أفلامه عرضت في مسرح بيروت سنة 95-96”.
المخرج ملص
وفي حديث لملص ل”الجزيرة دوك”، عرف بداية عن نفسه، وبداياته بقوله: “عملت في السينما السورية منذ عام 1974. وبعد ان انهيت دراستي الاكاديمية في موسكو، عدت الى بلدي سوريا، وبدأت العمل بعدة أفلام روائية ووثائقية قصيرة، ووضعت فيلمي الروائي الطويل الاول عام 1984 بعنوان “احلام المدينة”، وكان هذا الفيلم خطوة مهمة واساسية في نشوء “سينما المؤلف” في سوريا، وحظي بتقدير كبير، وكان اول فيلم سوري يشارك في “كان” خارج المسابقة، في اسبوع النقاد. وحاز ايضا على مشاركات سينمائية كبرى، وساهم باستقبال قيم، ونقد عربي وخارجي، واعتبر في احدى السنوات عبر استقصاء من قبل النقاد العرب، انه واحد من افضل عشر افلام في تاريخ السينما العربية”.
عن تأثير الفيلم على عمله، قال: “هذه القيم التي حققها الفيلم جعلتني أقف على قدمي لأستطيع متابعة مشواري السينمائي في سوريا، سواء في السينما الوثائقية، أم الروائية. وحقق هذا الفيلم تطورا مهما ايضا في السينما الوثائقية في سوريا، ووضع السينما الوثائقية في العالم على اعتاب نوع مختلف وخاص هو “السينما الوثائقية بعين مؤلف سينمائي” الذي هو اكثر من السرد الوثائقي بالمعنى المحض. واعتبر ان هذه السينما الوثائقية في المنطقة العربية وفي سوريا بالذات استطاعت ان تحقق لغة سينمائية خاصة، وهامة، ومتطورة”.
![]() |
المخرج محمد ملص رئيس “نادي لكل الناس” نجا الأشقر |
ولاحظ ملص أن “السينما الوثائقية في سوريا انطلقت من مفهوم اساسي هو ان السينما هي سينما اولا وآخرا، وهذا التوزيع بين الروائي والوثائقي هو توزع يمكن تسميته بانه اصطلاحي اكثر مما هو نوع سينمائي مختلف”. ولفت إلى أن “هناك قامات سينمائية هامة عملت على صعيد السينما الوثائقية في سوريا، فلا بد من ذكر الدور الكبير الذي لعبه في سوريا المخرج العراقي قيس الزبيدي، وكذلك المخرج عمر اميرالاي، وقد اتيحت لي الفرصة في بداية المشوار السينمائي، ولاحقا، ان احقق عددا من الافلام الوثائقية ضمن هذا الاتجاه وهذا التيار”.
وتناول ملص عددا من أفلامه: “في بداية المشوار قدمت فيلما بعنوان “الذاكرة” وهو فيلم قصير جدا مدته 13 دقيقة، يحاول ان يرسم صورة لامراة عاشت في القنيطرة خلال فترة احتلالها ولم تغادرها. بعد ذلك حققت فيلما وثائقيا آخر بعنوان “فرات”، ولم يسمح بعرضه في سوريا. هذا الفيلم حاول ان يرصد علاقة الغناء الشعبي الفراتي بالواقع الفلاحي، والمشاكل والصعوبات التي يواجهها الفلاح في منطقة الجزيرة العربية وحوض الفرات، ومدى علاقة هذه الصعوبات بالغناء الشعبي، ومدى محاولة الكثير من المغنين الذين جاؤوا منطقة الفرات تشويه الغناء الشعبي وابتذاله. لذلك حاولت تقديم اصوات اكثر اصالة موسيقية واغنيات لها علاقة بالفرات اكثر اصالة وصدقا”.
وتابع عن النقلة النوعية في عمله عبر فيلم “المنام” الوثائقي الذي “عرضته في مشواري السينمائي حين اردت ان احقق فيلما عن المخيمات الفلسطينية في لبنان، فقد بحثت عن صورة فلسطين الداخلية غير الآتية من الشعارات والايديولوجيا والمقاومة، بل آتية من داخل عقول الناس، ووجدانهم، والمتسربة الى وعيهم من خلال صور المنامات التي يشاهدونها، بينما في صحوهم لا يرون الا الطائرات الاسرائيلية والقذائف واسلحة المقاومة تعبر من امام عيونهم.
وقال: “سعيت لاظهار هذه الصورة الوجدانية في داخل هؤلاء الناس خلال سنة لأبني مايمكن تسميته المنام الفلسطيني، وهذه التجربة حازت على تقدير مهم في مهرجانات عربية ودولية. ولم اكتف بالفيلم هذا بل قدمت مفكرة سينمائية نشرتها دار الآداب بعنوان “المنام مفكرة فيلم” وهو كتاب يحكي عن نشوء وتشكل وتطور الرؤية لدي، ومسار هذا التطور اضافة الى المنامات التي استمعت اليها من الفلسطينيين”.
وتابع عن استمراره بعد ذلك “في الجمع بين الوثائقي والروائي كسينما تعبر عن وجهة نظري كمؤلف، فقدمت فيلما بعنوان “حلب مقامات المسرة”، وهو محاولة لارسم صورة لاحد المنشدين والمؤدين الموسيقيين للغناء والتراتيل القديمة التي حافظت على اصالتها ببعدها الموسيقي والتراثي”.
وعن رؤيته لتطور السينما العربية، قال: “اعتقد انه من الصعب استعمال عبارة التطور على صعيد السينما الوثائقية، فلا شك اليوم السينما في تراجع، والتراجع هو في الانتاج، وحضور الصالات وسوق التوزيع، تراجع كبير لا يلغي المحاولات الدؤوبة التي تقوم بها بعض بلدان متناثرة من العالم العربي حيث تظهر ظروفا اكثر ديمقراطية في المغرباكثر من السابق، فنرى ان النشاط الانتاجي للسينما يصعد، وتظهر تجارب مختلفة، ونكون قادرين على تقييمها، منها مهم ومنها اقل اهمية، ولكن بشكل عام هي تعبير عن تدفق سينمائي ملفت. كما اننا لا نستطيع ان نغفل السينما في تونس والتي ظهرت وتألقت في فترات زمنية ايضا في مناخ كان غير متعسف وقاس مثل اليوم”.
وتابع قائلا: “انا لا اعتقد انه هناك سينما عربية بل هناك افلام في بلدان عربية، كما ان تجربة السينما في سوريا شقت الطريق في لحظات صعبة في العشر سنوات الاخيرة، حيث ظهرت حواجز، اي مايمكن تسميته ارادة قمعية في وضع حد لذات النشاط السينمائي الذي عبر بصدق عن واقع الحياة الاجتماعية والسياسية والتاريخية في سوريا. وبالتأكيد قمعت هذه المحاولات، وقد ادى ذلك الى ظهور مشروعات اقل اهمية عما سبق”.
وأعرب أخيرا عن اعتقاده ان “السينما الوثائقية تحتاج الى جو من الحرية وحرية التعبير، وهي مرهونة بالجو الديمقراطي الموجودة فيه الذي يعطي المؤلف والمخرج الفرصة لابداء وجهة نظره بدون تحفظ، وبحرية كاملة. كما ارى ان السينما في المنطقة العربية تعيش في حالة من الضيق والقمع”.