عن الثورة والدور الإعلامي لـ “الجزيرة والفايسبوك”
محمد رُضا
لأيام طويلة شاهدنا ما حدث في مصر من ثورة شعبية عارمة طالبت رئيس الجمهورية حسني مبارك بالتنحي الفوري واستمرّت حين أظهر الرئيس رفضه في أن يغادر قصر الرئاسة بصرف النظر عن الضغوطات التي يتعرّض لها، وحينما تحدّث عن خدماته لمصر وليس عما جناه من مصر من مصالح خاصّة وإنجازات شخصية. وكان مذهلاً كيف أن الإنتفاضة الشعبية التي لبست سريعاً رداء الثورة تمّت هي بدورها بفضل التكنولوجيا. صحيح أن الرفض كان سائداً والتذمّر من الوضع كان ملموساً وبل ظاهراً، الا أن اعتماد ألوف الشبّاب على الفايسبوك أولاً لتبادل رسائل الرفض وللتعبير عنه بحريّة، ثم استخدامه للتواصل والدعوة للإنتفاضة والإستنفار جعلها ثورة إلكترونية المنشأ والأسلوب على نحو غير مسبوق، بإستثناء ما كان حدث قبل ذلك بأسابيع قليلة حين هب الشعب التونسي وقام بثورته التي نجحت في خلع الرئيس زين العابدين بن علي منصبه.
الثورة التونسية أيضاً استخدمت بفاعلية الإنترنت ما يجعلها النموذج الأول في هذا الشأن. لكن المسألة هنا ليست مطلقاً أي ثورة جاءت قبل الثانية، بل كيف أنهما اشتركتا بفاعلية كبيرة في الخروج من حالة المُحاصَر الى دور المُحاصِر والدور الكبير للتلفزيون والإنترنت في هذا الوضع.
وما زاد من ثقة الثوريين الرافضين لأن يبقوا تحت عبء الحاكم الواحد بأمره، الدور الذي لعبته “الجزيرة” في تونس، ثم في مصر وموقف النظام الثاني من هذا الدور، وهو الذي كان يعادي دائماً المنهج الذي تعتمده المحطّة القطرية لمعايشة الحدث.
ربما كان لديها “أجندة” خاصّة، لكن ذلك ليس شأناً كبيراً في عالم مليء بالأجندات وليس مهمّاً حيال أن الحاصل هو رفض شعب كرد فعل مشروع على الهيمنة الفاشية التي مارسها النظام عبر مؤسساته. أي بحث آخر يجعل المسألة تبدو أقل مما هي عليه في جوهرها الفعلي.
“الجزيرة” وجدت نفسها في هذا الإطار المحدد حيث أنها حالياً متّهمة بأنها مثيرة للقلاقل وتخدم “أجندات” لا علاقة لها بحرية التعبير والإعلام. لكن من نفس المستوى كان الرد دائماً بأنها إنما تقوم بواجبها حيال مشاهديها في عصر لم يعد يرضى بأن يختفي أي شيء وراء أي ستار.
![]() |
وما لبثت السُلطات المصرية أن برهنت على أن هذا حقيقي. فهي لم توقف إرسال “الجزيرة” من أراضيها ومنع فرق عملها من العمل في مصر فقط، بل سرعان ما شاهدنا رجال النظام ينقلبون حتى على محطّات تعمل تبعاً لشفرة التعاون بين الأنظمة المتضررة من هذه الهبّة الشعبية. في المقدّمة، مثلاً، محطّة “العربية” التي شاركت لحين المحطّات التلفزيونية الرسمية المصرية التغريد خارج السراب كما لو أن لا شيء يحدث في مصر فتعرّض بعض مندوبيها الى الضرب وتحطيم كاميراتهم.
ليس هذا فقط، بل اتسع العداء ذاته ليشمل أكثر من 100 صحافي أجنبي عامل فوق الأراضي المصرية حتى ولو مراسلاً لجريدة ورقية تصدر في اليونان. بل شاهدنا كيف أن إثنين من مراسلي محطة “فوكس نيوز”، التي تجهر بتأييدها لمبارك، وصحافياً من “الواشنطن بوست”، التي لا تقل تأييداً لإسرائيل، تم الإعتداء عليهم من قبل رجال النظام في لباسهم المدني، كما بات شائعاً الإعتقاد من دون ما يثبت عكس ذلك الى اليوم.
————————–
2
ليس خفياً أن تعاطي وسائل الإعلام المتلفزة حول العالم مع ما يحدث في مصر حالياً ينتمي الى المواقف المتّخذة مسبقاً تبعاً لسياسة المحطة ومموّليها. الأمر واضح ليس فقط حيال تغطية “الجزيرة” و”العربية” وهما أقوى محطّات الأخبار العربية، لجانب المحطّات الأخرى جميعاً من “البي بي سي” الي “المنار” ومن “الجديد” الى “الحرّة” ومنها الى التلفزيونات الخاصة والحكومية على حد سواء. وحتى تلك التي نجحت في الوقوف على قدر من الحيادية، فإن هذه الحيادية مختارة لتتطابق مع التوجّهات العليا وخدمة لمصلحة عامّة بلا ريب.
حتى في الولايات المتحدة، فإن المحطّات، وهي بأسرها غير حكومية، ليست على موقف واحد حيال هذه الانتفاضة الشعبية الحاصلة. فمحطة أن بي سي تقف الى يمين الخط، بينما أم أن بي سي، تقف على يساره والفاصل بينهما كاف لاحتواء الكثير من المواقف التي تستدعي الانتباه. أكثر حدّة من كليهما موقف “فوكس نيوز” التي تحاول، منذ بداية الأحداث، الهجوم على الانتفاضة كونها تركت، منذ إنشائها، الموضع الحيادي حيال الأخبار، الى محاولة تأييد الحدث او معارضته تبعاً لسياستها اليمينية المتطرّفة. في هذا السياق، فإن تغطيتها لما يدور في مصر، منذ بدايته، هو التهويل مما قد يحدث وتخطئة الشعب ومحاولة الإيحاء بأن قوى دينية متطرّفة هي التي ستخلف مبارك ونظامه إذا ما انهار.
![]() |
ولأن الطيور على أشكالها تقع، فإن موقفها لا يختلف عن موقف أي محطّة عربية مؤيدة للنظام الحالي، كما أن موقف المحطات المؤيدة للتغيير متوازن ومتناسق من دون تخطيط مسبق.
ما الذي حدث للمحطّة التي تشتغل على الحقيقة وحدها؟ أين قوّتها؟ هل لا زالت تستطيع جذب المشاهدين او أن الناس في هذا الوقت لا تكترث للحياد أصلاً وهذا ما يفسّر الإقبال على تلك التي تتّخذ موقفاً من الحدث معه او ضدّه؟
————————–
3
مع خروج القوى المسلّحة التابعة للحكومة المصرية الى الشارع انتقلت المظاهرات من سلمية الى أخرى سادها العنف سريعاً. وهذا العنف لم ينتظر طويلاً قبل أن يمتد الى فرق التصوير التلفزيونية. فتم تسجيل اعتداء قام به رجال الحكومة على اندرسون كوبر، مراسل السي أن أن حيث انهالوا عليه بالضرب (أحصى عشر لكمات على الرأس والوجه) ثم واجهت مراسلة أميركية أخرى وضعاً كاد أن يتطوّر الى الاعتداء عليها لولا نخوة البعض، هذا قبل أن يتم الاعتداء، كما تناقلت الأخبار، على فريق “العربية” المؤلّف من أربعة أشخاص.
والواضح أن المعتدون ليسوا في وارد التفريق. فـ “العربية” مناصرة للحكم القائم كما هو معروف. لكن أحداً من المتظاهرين لن يتوقّف عن انتهاز الفرصة المتاحة للسؤال عن هويّتها السياسية بل سيقوم بالاعتداء عليها أولاً وتبيّن الحقيقة لاحقاً.
![]() |
وأستطيع أن أتصوّر أن المعتدين عليهما كانوا يصرخون بأنهم مؤيدين للمؤيدين لحكم مبارك، لكن هؤلاء لم يستوعبوا الا مع الضربة الخامسة او ما بعد. ولا أستطيع أن أتخيّل الموقف بعد ذلك لكني أستبعد أن تقدّم أحدهم بالاعتذار من المحطّة، التي – بصرف النظر عن سياستها- كانت تقوم بحقّها المشروع في تغطية الحدث. ذنبها أنها اقتربت منه ربما أكثر بقليل من اللازم.
الإعلام، من كافّة اتجاهاته وروافده، لم يتعرّض لأي أذى حين كان الشارع المصري مؤلّفاً من المطالبين بالتغيير وحدهم. لكن واحداً من طباع التصرّف المناوئ للموضوعية هي محاولة فرض الرأي والموقف بالقوّة، وهذا الاعتداء سبق وسُجل في تاريخ دول عدّة من قبل في كل مرّة يصل الأمر فيها إلى اليمين المتطرّف الساعي لإحلال مبدأ القوّة عوض منطق العقل.