حديث حول فيلم مع مايك لي
مخرج «عام آخر» يتحدّث عن أسلوب عمله وكيفية اختياره ممثليه
محمد رُضا
مايك لي أسم كبير بين مخرجي اليوم ولأسباب لا علاقة لها بالنجاحات التجارية. إنه ليس ستيفن سبيلبرغ زمنه ولا جيمس كاميرون عصره. وإن سألته سيقول لك أنه لا يريد أن يكون. حتى لو أراد لا يستطيع. لكل مخرج رؤيته الخاصّة ليس فقط للعالم الذي يعيش وينشط فيه بل، بالتالي، لدوره في الحياة وما يريد أن يحققه وكيف. المخرج البريطاني المولود قبل 67 سنة أنجز في سحابة 47 سنة من العمل 16 فيلماً طويلاً وبضعة حلقات من مسلسلات تلفزيونية. درس المسرح أساساً ثم انتقل الى السينما مع مطلع السبعينات. فيلمه الأخير »عام آخر« عرف عرضه الأول ربيع هذه السنة ويعرضه مهرجان لندن السينمائي خلال دورته التي ستبدأ بعد أيام
بقدر ما فيلمك الجديد »عام آخر» داكن في نظرته الى الحياة، بقدر ما فيلمك السابق”المحظوظون سعداء” يحمل ملامح مختلفة. إنه أكثر سعادة …
هناك أشخاصاً مختلفين في هذا العالم الذي نعيش فيه. هناك من هم أمثال أي من شخصيات هذا الفيلم او من شخصيات الفيلم السابق. بوبي بطلة »المحظوظون سعداء« موجودة. إنسانة تعيش حالة إيجابية ولا يمكن معالجتها بغير ما يناسب انطلاقها وحيويّتها. شخصيات «عام آخر« وأقول معظم أفلامي السابقة، هي أيضاً موجودة تنتمي الى عالم داكن ومحبط بسبب ما نفعله حيال العالم وما نصنعه كل للآخر
سالي هوكنز تمنح فيلمك السابق حيوية مناسبة بسبب تمثيلها للدور. ربما تفهّمها له على نحو كامل. هل توافق؟
نعم- هذا هو الواقع فعلاً. إنها تقوم بما يتطلّبه العمل على خير وجه، لكنها هي ذاتها الممثلة التي لعبت في فيلمين سابقين لي دورين مختلفين هما «كل شيء او لا شيء» و»فيرا درايك« وهما داكنين كما تقول. أريد أن أقول أن المسألة دكانة الموضوع او عدم دكانته . أفلامي ليست عن سعادة او حزن الشخصيات بل عن شخصيات مختلفة تعيش أوضاعا تختلف مسبباتها وظروفها من فيلم لآخر. لدي سبب مهم أن أكون أكثر تصويراً لشخصيات لا تشعر بالسعادة وأحياناً من دون أن تعرف ذلك كما شخصيتي جيم برودبنت وروث شين في »عام آخر«. تطلّب الأمر ملاحظة شخصيات أخرى قريبة منهما ليدركا حقيقة حياتهما.
![]() |
مع سالي هوكنز في: محظوظون سعداء
هل صحيح أنك تبدأ أفلامك بلا سيناريو جاهز بل تعمد لتأليف السيناريو خلال التصوير؟
أعتقد أن هذا غير صحيح. مُغالى في وصفه. ذات مرّة سألوني ولا أذكر في أي فيلم عن السيناريو فقلت أنني أحياناً ما بدأت تصوير فيلمي بالعمل مع الممثلين على السيناريو الذي يتطوّر خلال الجلسات. هناك أساليب عمل كثيرة، ففي النهاية هذه هي الكاميرا وهؤلاء هم الممثلون وهناك قصّة في البال. كيف تكتبها او كيف تصوّرها يعود الى اختيارك. لو جاءني مخرج شاب يريد أن يعرف أفضل وسيلة للعمل لن أنصحه بأسلوبي طبعاً لأنه يتطلب قدراً كبيراً من الثقة بالمنهج وكيفية ممارسته. لكن حين أبدأ تصوير فيلم ما فأنا غالباً ما لدي سيناريو ولو كان قابلاً للتطوير وبل عليه أن يتطوّر خلال التصوير لأن ما أحاول نقله الى الشاشة هو حياة هؤلاء وليس قصّة. قصّتهم او اي قصّة أخرى.
اعتبر البعض أن في أسلوبك تأثّر بالسينما الوثائقية بسبب طريقة تصويرك ورصدك للحياة ولما تقوم به الشخصيات وبسبب المشاهد الطويلة. لكنك لم تحقق الكثير من الأفلام الوثائقية…
لا علاقة بين أسلوبي وبين السينما الوثائقية. ليس هناك أي علاقة الا ما قد يلحظه بعض النقاد في هذا المجال. المسألة تبدو كذلك، معك حق، وهي تبدو كذلك لأنني أصوّر هذه الشخصيات في واقعها ولا يمكن أن تصوّر الواقع في زمن مختلق وإيقاع سريع. بطبيعة توجّهك لهذا الأسلوب تصبح طرفاً في مراقبته كما هو ولا تريد أن تفعل أي شيء آخر
أفلامك، و»عام آخر« من بينها تجد نفسها دائما في بحث عن الذراع الإعلامية لتقديمها. طبعاً هذا منوال كل فيلم لكن قدراً أكبر من العناية مطلوب لترويج أفلامك. هل يعود ذلك الي أن جمهورك مختلف؟
طبعاً. ليس جمهوري وحده بل الجمهور حيال كل فيلم يختلف عن الفيلم الذي يعرض في مئات الصالات حول العالم بينما هو يعرض في صالات قليلة، هذا إذا وجد التوزيع
أفلامك تجد التوزيع بسبب إسمك. تقبل عليها المهرجانات..
صحيح، لكن لا اسمي ولا المهرجانات يؤمن نجاحها في السوق التجارية. ما يؤمّن نجاحها هو أنها مصنوعة بتكلفة رخيصة جدّاً بحيث يصبح سهلاً عليها تأمين عائدات (يضحك). هذا في مواجهة أفلام كبيرة احتمالات عدم استردادها تكلفتها أعلى.
![]() |
لقطة من : عام آخر |
ما رأيك بالنقد السينمائي حيال أفلامك، وما رأيك به عموماً؟
هذا سؤال يحمل في طيّاته حيلة خطيرة (يضحك). الحقيقة أن النقد السينمائي يصبح ضرورياً لأمثالي من المخرجين ولمثل الأفلام الخاصّة التي نحققها. النقاد المثقّفون هم من يشكّلون حلقة للدفاع عن أفلامنا لإثارة الإهتمام بها. إنهم يدركون حقيقتها وبمجرد إبداء رأيهم فيها يناقشون ما تطرحه على نحو جدي يدفع الناس للإهتمام. طبعاً ليس كل الناس وطبعاً ليس كل النقاد أساساً
فيلمك الأخير »عام آخر« استقبل جيّداً في مهرجان كان حيث عُرض..
نعم وبعد كان أيضاً. أخذناه الى مهرجان تورنتو وكان الإستقبال جيّداً. لكن الأمر لا يخلو من أشخاص لا تعجبهم هذه الأفلام. لا يطيقون الشخصيات التي أتعامل معها. حتى شخصية سالي هوكنز في فيلمي السابق لم تعجبهم. كانت بالنسبة إليهم شخصية قوية تختلف عن شخصيات أفلامي، لكن شخصياتي النسائية في معظم أفلامي، او في أفلامي التي تتناول شخصيات نسائية، هن دوماً قويّات. أين كان هؤلاء حين قدّمت »فيرا درايك« و»الحياة حلوة« و»أسرار وأكاذيب«؟
في »عام آخر« لدينا هذه الشخصيات يتقدّمها الزوجان اللذان يتابعان ما يحدث مع أصدقاء ومعارف لهما. هل
من بين أغراض الفيلم أن يبحث في شخصيات مسنّة ترقب حياة الآخرين من جيلين لاحقين؟
ليس تماماً لكن من دون استبعاد هذه الناحية كليّاً. ليس غرضاً بحد ذاته لكن هذه المراقبة موجودة. في الحقيقة كلما تقدّمنا في العمر كلّما أصبحنا أكثر قدرة على فهمها، وفي الوقت نفسه تصبح هي أكثر تعقيداً بسبب هذا الفهم
السر في كل أفلامك هو أنك تنصب الكاميرا على هذه الشخصيات بأسلوب من المتابعة الهادئة لكن عوض أن
تثير افلامك الملل تثير الإهتمام. لماذا في رأيك؟
السر في بساطة يكمن في أننا نريد أن نعرف هذه الشخصيات. هي قريبة منا الى حد أنها مثلنا. ليست هناك حكاية مركّبة بمفارقات غير منطقية او واقعية. مرّة ثانية لا تهمّنا القصّة بل الحياة. هنا تستطيع أن تلحظ المتابعة التسجيلية، لكن مع العلم أن أفلامي ليست تسجيلية بل روائية وهذا الفيلم الأخير »عام آخر« على الأخص فيه شغل بصري أكثر من سواه .