موقعة سينمائية في نادي دمشق السينمائي
لم تكشف المستور… فقط
يامن محمد
بدأ النادي السينمائي مطلع العام الحالي خطته الجديدة، ببرنامج جديد يقوم على إدارته كل من المخرج السينمائي أسامة محمد والناقد د.حسان عباس، حيث أصبح من الممكن تسميته: نادي دمشق السينمائي، إذا نظرنا إلى الخارطة الثقافية وفعالياتها في دمشق الآن.
يستحق تلك التسمية كونه نجح وحده، حتى الآن، في التصدي لهذه المهمة الشائكة في مدينة كدمشق محاولاً أن يستوفي الشروط، في مناخ يصعب فيه نمو الظواهر المدنية عامة؛ فغير العواقب المتوقعة من جراء أي “تجمع”، هناك شرط “إمكانية الحوار” والنقاش القائم عليه –أساساً- مفهوم النادي السينمائي. والحوار يعني التكلم بحرية. يعني الاختلاف. قد يعني المعارضة. الإحساس بالذات، احترامها، وبكل تأكيد احترام الآخر.
أما الحوار هنا؛ أي الحوار حول قضية فنية، فيمكننا أن نسبغ عليه، إذا ما أردنا الإسهاب، الكثير والكثير من المعاني الإضافية المرتقية بالفرد فوق ارتباكه الإنساني بشروط وجوده المادية، والتي تفتح له المجال واسعاً نحو إمكانيات أخرى للوجود، فكرية وروحية، يسمح بها تشغيل المخيلة والتلقي/الاستقبال.. ومن ثم معاناة عملية “انتاج” الرأي، أو إعادة إنتاجه من جديد، مع ما يرافق ذلك من تفعيل للحس النقدي بما يشبه العملية الإبداعية، وقد وضع المرء موضع مقاربة عمل إبداعي أصلاً، خطرة ومسؤولة في الوقت عينه، لأنه حوار يتم ضمن جماعة يفترض فيها المساواة في “الحقوق”… والمقدرة على المساءلة المباشرة بما يشبه لعبة ديمقراطية مصغرة.
إذاً، كل ذلك يتطلب شروطاً لدى المحاور، كما الشروط الواجب توافرها في المناخ العام للوصول إلى نتيجة مجدية مرجوة لمن يهمه الحضور.. وهو ما يصارع النادي السينمائي لتحقيقه بجهود القائمين على إدارته وبجهود جمهوره (في الطرف المقابل) منذ بداية النادي قبل ثلاث سنوات.
ضمن هذا الإطار يمكننا ربما تناول وفهم ما جرى في الموقعة التي كادت البوصلة فيها تفقد اتجاهها في ندوة نظمها النادي الأسبوع الماضي حول “السيناريو” كان ضيفاها كل من المخرج السينمائي سمير ذكرى والسيناريست نجيب نصير.
لعبة جديدة
كيف لنا ألا نرى في تلك المساحة “المحدودة” في صالة المركز الثقافي الفرنسي، انعكاساً صارخاً لحالة مجتمع بأسره وقد جرى ماجرى في فترة زمنية قصيرة بدأت باضطراب وتوازن قلق وانتهت بانفجار وصراخ بعض الجمهور والمخرج أسامة محمد (أحد مديرَيّ النادي)، الذي عرفه جمهور النادي منذ افتتاحه مكافحاً داعياً إلى خلق الحالة الجديدة المشار إليها أعلاه في ظرف عسير، لتختتم الجلسة أخيراً بشكل مفاجئ وقطعي لتوخي مالا تحمد عقباه “كضرب البوكس” مثلاً، كما صرح لنا د.حسان عباس فيما بعد.
صراخ ورفض كان لا بد سيأتي كنتيجة حتمية – لتغيير قواعد اللعبة وقد بلغت التناقضات ذروتها- في وجه المخرج سمير ذكرى الذي امتطى “المنصة” وراح يلوّح بسلطته “الثقافية” منذ البداية في وجه “الحالة الجديدة”.
لقد رفض ذكرى في أول جملة قالها طلب أسامة بأن يتقيد بالإطار العملي والاحترافي والمدة الزمنية لمداخلته بما يشبه تمرد “ديمقراطي” على “سلطوية” مفترضة من قبل أسامة، متجاوزاً أيضاً لمنظم ومدير الحوار د.حسان عباس، ومن ثم ما كان من صاحب فيلم “حراس الصمت”: من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، الفيلم الذي لقي إجماعاً هائلاً من قبل الجمهور السوري بمن فيهم غالبية الممثلين وطاقم العاملين فيه على تدني مستواه الفني، إلا أن أشبع الحضور جلداً، برغم مباهاته وحديثه عن فيلمه “تراب الغرباء” وشرحه للكواكبي وفكره “وليس شرح فيلمه” وتذكير الحضور برفض الكواكبي للاستبداد والتسلط وكأن جمهور النادي لم يسمع بالكواكبي قبل الآن.
فمن مقاطعة لمديرَيّ الجلسة إلى مقاطعة وملاسنة مع من خطر له من الجمهور أن يدلي برأيه ليعارض سمير، وأفلامه… إلى تعسفٍ وتعسفٍ.. خارجاً عن موضوع الندوة بل خارجاً عن أي موضوع سينمائي، ناعتاً مراراً وتكراراً الجمهور المحلي بالجهل والتخلف والأمية، والقصور عن فهم أعماله التي وصفها بالعظيمة.
سمير ذكرى لم يسمح حتى لشريكه في الجلسة “نجيب نصير” بحصته من الوقت للكلام، للرد، للحوار…. للمعارضة.
ربما بوصفه من المرحبين بهم في المؤسسة العامة للسينما ولعلاقته الوطيدة بمديرها محمد الأحمد الذي “طلّع” عين السينمائيين السوريين، لم يستطع وقد خذلته السينما على ما يبدو وداهمه الاشمئزاز العام (من قبل جمهور عريض) من سياسات المؤسسة وفيلمه في آن، أن يحتمل مجرد احتمالية قول رأي “قد” يغير في “قواعد اللعبة” غير المتفق عليها، والموجودة في ذهنه فقط دون الحضور أجمعين.
لكن مالم يعلمه ذكرى، ما لم يره وهو أمام عينيه، أو ما لم يرد أن يراه رغم صراخ أسامة في وجهه “خلي غيرك يحكي” غير ترقي ذائقة الشباب وقابلياته السينمائية وتجاوزها لكل ما تقدمه المؤسسة السينمائية الرسمية التي أصبحت وراء ظهورهم، هو الرفض العظيم من قبل الجمهور المتواجد في الصالة، لكل ما قاله متشبثاً بـ “مايكرفونه” فوق المنصة العالية.. والضحك والسخرية من قبل الغالبية الذين لم يستطيعوا منع أنفسهم من المقارنة الرهيبة بين ما يسمعونه ويرونه أمامهم وبين ما نشاهده كلنا على شاشات الفضائيات هذه الأيام.