شاشاتٌ تونسية

 
كان على مجلة “شاشاتٍ تونسية” أن تصل إلى عددها الرابع عشر كي أعرف بوجودها، ومن ثم انتظار أحد القادمين من تونس إلى باريس كي يقدم لي عددين منها (العدد 13 سبتمبر 2010 ـ العدد 14 أكتوبر 2010)، وأعتقدُ بأنها مازالت تصدر على الرغم من الثورة البيضاء التي عاشتها تونس الخضراء.
ومن عنوانها، يبدو أنّ هيئة التحرير تخيّرت بأن تكون محلية التوزيع، ومغاربية، أفريقية التوّجه السينمائيّ، وتبدو هذه الخطة التحريرية واضحة من خلال عنوان المجلة نفسها (شاشات تونسية ـ المغرب العربي، أفريقيا)، والمواد المنشورة في عددين منها.
بعد قراءة عدد سبتمبر 2010، وقعت في حيرةٍ بين الاحتفاظ بأفكاري السابقة عن ضرورة إصدار مجلاتٍ سينمائية متخصصة، أو الاستعاضة عنها بمواقع سينمائية، وطرحتُ على نفسي سؤالاً:
ـ ما هي ضرورة إصدار مجلة تنشر أخباراً، ومقالات يمكن قراءتها في الصحافة المحلية، والعربية ؟ ولكن، عندما تعرّفتُ على الملف الخاص بالنقد السينمائي، تراجعتُ قليلاً عن تحفظاتي، وخاصةً عندما قرأت العدد 14(أكتوبر 2010) والذي خصص ملفين، الأول : أيام قرطاج السينمائية بعيون السينمائيين العرب، والثاني : كيف صمدت أيام قرطاج السينمائية ؟

حينها أدركتُ بأنّ المجلة تخصص ملفاً في كلّ عددٍ، ومن هنا تنطلق أهميتها، حتى وإن كان الملف يحتاج إلى كتاباتٍ، وشهاداتٍ إضافية من النقاد أنفسهم، كما حاجته إلى دراساتٍ مُعمّقة حول النقد السينمائي في تونس، وعدم الاكتفاء بالجانب التاريخي، والمعلوماتي.
ورُبما لا تسمح المجلة بالتوسّع كثيراً في طرح تيمة محددة، ولكنها تحوي بين غلافيها 24 صفحة باللغة العربية، و26 أخرى باللغة الفرنسية.
وعلى حدّ علمي، فقد حسم الشعب التونسي، ومنذ زمنٍ طويل، إشكالية ازدواجية لغته، وتخيّر العربية، وهذا لم يمنع من إصدار صحف يومية بالفرنسية، ولكن، ما هي مبررات إصدار مجلة سينمائية متخصصة لن يتمكن من قراءة نصفها أيّ عربيّ لا يعرف اللغة الفرنسية، وعلى الرغم من اهتمام المجلة المُعلن بالسينمات المغاربية، والأفريقية، ماذا يمنع توزيعها في الأسواق العربية بطريقةٍ فردية بمناسبة المهرجانات، والتظاهرات السينمائية العربية، ولكني على يقينٍ بأنّ ازدواجية اللغة تُشكل عائقاً توزيعياً، ونفسياً أمام القارئ العربي، الهاوي، والمُتخصص الذي لا يعرف اللغة الفرنسية عندما يشعر بأنه يقرأ نصف مجلة، ويتساءل مثلي عن قدرة نقاد السينما في تونس على الكتابة بلغتهم الأمّ (وأعرف جيداً بأنهم يتقنون اللغة العربية أكثر مني).
اليوم، تُذكرني “شاشات تونسية” بمُبادراتٍ مماثلة ظهرت بداية الثمانينيّات في باريس، ومنها مجلة متخصصة بعنوان “أضواء سينمائية” باللغتيّن العربية، والفرنسية بحجة إيصال الثقافة السينمائية العربية إلى القارئ الفرنسيّ، والعربي (الذي لا يُجيد اللغة العربية)، ولكن، من المفيد الإشارة بأنها ظهرت في باريس (وهذا يمنح ازدواجية اللغة في صفحاتها بعض الشرعية)، واليوم، يؤكد “محمد التليلي الخيري” ـ أحد مؤسّسيها ، بأنه مقتنعٌ بفشل تلك التجربة.
في تلك الفترة، قبل انتشار الأنترنت، كانت المجلات السينمائية الفرنسية المُتخصصة أكثر عدداً بالمُقارنة مع واقعها الحالي، ولم يكن الفرنسيّ بحاجةٍ إلى مجلاتٍ إضافية مزدوجة اللغة تهتمّ بسينماتٍ أجنبية لا يشاهدها أبداًُ، وفي الثمانينيّات أيضاَ، كانت الغالبية العظمى من المهاجرين المغاربة تتحدث العربية، وتتقن قراءتها، وتفتخر، وتتفاخر بها، قبل أن تولد الأجيال اللاحقة التي انقطعت عن لغتها، وثقافتها الأصلية، ومن ثمّ تحولت هذه القطيعة إلى إشكالية، تأكدت سنوات فيما بعد، ووصل الأمر بالجيل الحالي إلى حدّ جهله التامّ باللغة العربية، والامتناع، أو الامتعاض من التحدث بها.
ربما تريد هيئة تحرير “شاشات تونسية” الاهتمام بمن يرتاحون (نفسياً، ولغوياً) بقراءة اللغة الفرنسية، وهو وسيلة تُقربهم من ثقافة الجانب الآخر من المتوسط، ومع ذلك، أجد بأنّ مجلة كهذه سوف تكون نافعة أكثر لو وضعت في اعتبارها القارئ العربي الذي يحتاجها أكثر من غيره (الفرنسي، أو الفرانكوفوني) الذي تتوّفر له كتب، مجلات، ومواقع لا تُحصى.
لقد ألهمت الثورة في تونس، وشجعت الشعوب العربية على اجتياز حواجز الخوف، وأكدت لنا بأنّ القواسم المُشتركة بيننا أكثر من الفوارق التي كرّستها سلوكياتنا، تقاليدنا، وآليّات تفكيرنا بتشجيع عشوائيّ، أو منظم من الأنظمة التسلطيّة، ولهذا، فإنّ مبادرة ثقافية من نوع “شاشات تونسية” يمكن أن تتحول إلى شرارة انطلاق “شاشاتٍ” أخرى في كلّ دولة عربية، نتبادلها بفرح، نقرأها بشغف، ونرفعها بحماسٍ في ميادين الثقافة السينمائية العربية، افتخاراً بواحدةٍ من إنجازات المخاض الحالي، والقادم.

هامش :
هيئة تحرير مجلة “شاشات سينمائية” :
المدير المُؤسّس المسئول : منير الفلاح.
مدير النشر : لطفي العيوني.
المُحررون المُساهمون في العدد 13 (سبتمبر 2010) : الهادي خليل، محمد بوغلاب، حسن عليليش، محمد الغريبي، منيرة يعقوب.


إعلان