الثورة في عيون المبدعين

يعتزم موقع “الجزيرة الوثائقية” نشر سلسلة شهادات ترصدها  أقلام عدد من الفنانين والروائيين والمخرجين السينمائيين؛ عن يوميات الثورات في العالم العربي.
نعيش مع كتاب هذه الشهادات في قلب الثورة النابض شبابا في الشوارع والميادين والساحات.. ينشد الحريّة والتغيير ويتطلع لغد أفضل، لتمحو ثمار الثورات في الحاضر والمستقبل على المدى القريب والبعيد، ما خلفته الأنظمة السياسيّة من استبداد وديكتاتوريّة أغرقا الشعوب في متاهات سوداويّة جعلت الكثيرين يستبعدون ولو احتمالا حراكا سياسيّا أو اجتماعيا ..

ما يُميّز هذه الشهادات كونها دوّنت من قبل فنانين لطالما لاحقوا بأقلامهم وكاميراتهم مشاهد ينسجها خيالهم الواسع، لكنهم اليوم وعبر رصدنا لشهاداتهم التي استغنوا فيها عن عدسات كاميراتهم التي لم تفارقهم يوما، إلا أيّام الثورات.. اختاروا لنا أن نراها مثلما التقطوها بنظراتهم المتسارعة والمتلاحقة، لتكون متابعتنا للثورة بعيونهم..

سنبيت لا شعوريّا  في ساحةّ القصبة وشارع الحبيب بورقيبة بتونس عند قراءتنا لشهادة الروائي التونسي “كمال الرياحي” الذي يصف بداية الحراك الذي تحوّل سريعا لثورة شعب أراد الحياة، ويُحبّ الحياة.. أو هكذا يبدو من خلال قراءتنا لأسطر ميزتها أنها تُصنف في خانة  الكتابة الروائية التي يتفاعل معها القارئ بكل مشاعره..يمتلكنا الخوف والرهبة عند حديثه عن توتر الأحداث في بدايتها 
“..في الليل نشطت الميليشيات..الرصاص يدوي فوق رؤوسنا.. زوجتي الصغيرة ترتجف..أنباء عن مداهمات واغتصابات.. تسألني وهي ترى ابننا هارون يلعب ويقفز فرحا بأمر ما.. “ماذا ستفعل لو هاجمونا؟ أرجوك لا تدافع عني. اهتم بهارون”. أقول لها “اسكتي أرجوك اسكتي”.. تقول ”  أريد هارون أن يعيش فلنمت نحن.” أحاول أن أهدئها. سأخرج لجمع الجيران والحراسة.. أحمل سكينا صغيرا من المطبخ وقطعة حديد.. أدق جرس جاري.. لا يجيب لا أحد بالبيت أو انه خائف مذعور لا يريد الخروج.. المداهمات قريبة.. فوقي جاري الصيني محايد حتى في خوفه.. “ كتب كمال هذه السطور ونكاد نحس بارتجافة قلمه..
 ثم يرقى لمرحلة وصف الإيديولوجيات المختلفة التي تميز المجتمع التونسي من التيار الماركسي إلى السلفي.. سرب الإيديولوجيات على اختلافها وتنوعها يحلق في كل مكان بتونس.. في المترو والحافلة، الشوارع والأسواق، المقاهي والساحات.. وغيرها من الأماكن..لا يهم أين ومتى ومن؟ الأكيد أنه أضحى  لكل هذه الأطياف اليوم فضاء رحب يسعها جميعها.

أمّا المخرجة المصرية “أمل جمل” فتحدثت في شهادتها عن يوميات الشباب بميدان التحرير  وتفاصيلها الدقيقة، ولم تخف أبدا أنها لم تظن يوما أن التغيير آت ويحمل  في طياته ثورة تغير ملامح دولة تقول

تحت وطأة اليأس المخيم على عصر مبارك والذي انقشع كضباب كاذب “قد أكون في لحظة إحباط ويأس كنت فقدت إيماني بهذا الشعب، وتناسيت أنه بتاريخه الطويل وحضارته العريقة لابد أن ينتفض يوماً ما ليُخرج أحسن وأجمل ما فيه.”

من جهته صرّح المخرج السينمائي التونسي “محمد زرن” لـ “الجزيرة الوثائقية” إنه “لمح بريقا في أعين الشباب التونسي بمختلف المحافظات.. ونظراتهم كلها تتطلع للتغيير.. لمحت بريق ضوء كان مغيّبا ومهمشا” .. يصمت هنيهة ليقول “أحسست بشعور أعجز عن وصفه.. يفوق بكثير إحساس السعادة” ليشيد بعدها بالوعي السياسي والنضج الاجتماعي الذي لمحه في شباب ثورة تونس على تفاوت مستوياتهم التعليمية ودرجاتهم التعليمية.

هذه الشهادات وغيرها سنوثقها تباعا على صفحات موقعنا لنساهم ولو قليلا في تتبع نبض حركة تاريخية عرفنا بدايتها ولا نخالنا ندرك نهايتها.. أردناها شهادات من زاوية نظر فنية بعيدة عن الشعارات السياسية المرتفعة في ميادين الثورات.. وقد عمد أصحاب الشهادات إلى اتخاذ زوايا في النظر مختلفة أو تبدو مختلفة ليركزوا على مشاهد وقصص قد تكون خافية عن كثيرين ولكنها تختزل روح الثورة وما تاق له البشر في الزمان والمكان الاستثنائيين.


إعلان