أزمات فردية في أفلام “تريبيكا”

محمد رُضا

ارتبط إسم مهرجان “تريبيكا” بمهرجان الدوحة القطري  منذ ثلاث سنوات وازدادت شهرته تبعاً لذلك بين العديد من المتابعين العرب. لكن التاريخ غير البعيد لهذا المهرجان يفيد بأنه سعى وحقق مكانته المنفصلة في موقعه في مدينة مانهاتن في ضواحي نيويورك مباشرة بعد العملية الإرهابية التي وقعت في نيويورك سنة 2011. الغاية منذ ذلك الحين هي القول بأن لنيويورك وضواحيها صوت ثقافي عليه أن يستمر مهما حدث.
خلال عشر سنوات، أنجز المهرجان نجاحاً كبيراً متحوّلاً الى واحد من تلك الأحداث الأميركية المعروفة التي تستقبل الكثير من العروض الأوروبية والعالمية أيضاً.
بعض أفلام الدورة العاشرة من مهرجان “تريبيكا” السينمائي المقام هذا الأسبوع في نيويورك سبق لها وأن شوهدت في مهرجاني تورنتو وسندانس، لكن الغالبية المعروضة جديدة خصوصاً تلك التي تلح راغبة من مشاهديها تقدير مناحيها الفنية حتى ولو استعارت نجوماً هوليووديين معروفين.
أحد هذه الأفلام هو “كل شيء للبيع” او Everything Must Go لمخرج جديد اسمه دان رَش مع بضعة ممثلين نجوم في مقدّمتهم وِل فارل وربيكا هول. أيضاً هناك مايكل بينا ولارا ديرن. أربعة وجوه كانت ستتقاضى أتعاباً أعلى بكثير فيما لو كان الإنتاج هوليوودياً، لكن هذا الفيلم مختوم بميزانية لا تزيد عن ثمانية ملايين دولار، بينما أجر الممثل فارل وحده عادة ما يبلغ الخمسة عشر مليون دولار.
هنا نرى فارل يؤدي دور رجل أدّى به إدمانه الكحول على خسارته لزوجته ووظيفته قبل أن يعي أن كل ذلك إنما يحفّزه على اختيار بداية جديدة للحياة. الكوميديا هي في الموقف والمعالجة، وليست في المشاهد المصنوعة مباشرة للإضحاك. بذلك الفيلم دراما ساخرة أكثر منها كوميديا ممتعة ترغب في تسليط الضوء على موضوع البداية من جديد، تلك التي تعصف بكثير منا في مراحل مختلفة من الحياة لسبب أو لآخر.
الحال نفسه ولو إلى حد نجده في فيلم مايكل ونتربوتوم الجديد “الرحلة”  مع ستيف كوغن، مارغو ستيلي وكلير كيلان. إنه كوميديا وفيلم مستقل ويطرح موضوعاً اجتماعياً مغلّفاً بالأزمة الفردية.  في هذا الفيلم

الرحلة لمايكل وينتربوتوم

البريطاني كوميديان متنافسان لا يتوقّفان عن الرغبة في أن يبز كل منهما الآخر حتى خارج العروض المسرحية التي يقومان بها.
مايكل وينتربوتوم هو ذاته المخرج الوثائقي الجاد الذي سبق وأن قدّم “الطريق إلى غواتانامو” سنة 2008 والذي عالج في أعماله الروائية أوضاعاً سياسية مختلفة من تبعات الحرب البوسنية في “مرحباً في ساراييفو” (1977) إلى البحث في قضية صحافي مخطوف في “قلب كبير” (2007).
كذلك هو المخرج الذي سقط سقطة شنعاء في العام الماضي حين عالج قصّة بوليسية عنيفة بمشاهد أعنف من الأصل في “القاتل في داخلي”. أمر لم يؤد فقط إلى نفور النقاد من الفيلم بل سقوط الفيلم في محاولات عرضه المحدودة.
فيلم افتتاح “تريبيكا” العاشر هو لمخرج عني كثيراً بالعنصر الموسيقي في أفلامه وهو كاميرون كراو. بعض المتابعين يذكرون أن هذا المخرج هو من سبق له وأن قدّم “تقريباً مشهور” العام 2000 الذي تحدّث فيه عن ذلك “المشجّع” التي انضمت إلى فرقة روك أند رول موسيقية من السبعينات وكيف ترك ذلك أثر متبادل بينه وبين أعضاء الفرقة.
لا يزال هذا الفيلم أبرز أعماله، وإليه شخصياً أحبها، لذلك ليس غريباً أن نراه يصرف الوقت في فيلمه الوثائقي الجديد “الإتحاد” على متابعة كيف التقى بعض نجوم الموسيقى الأميركيين اليوم، تحديداً تي بون بيرنت وليون راسل وإلتون جون، على إنجاز ألبوم موسيقي واحد.
لكاميرون فيلم وثائقي موسيقي آخر يعمل على إنجازه حالياً عنوانه “بيرل جام تونتي”. وحسب ما قيل لي أن كاميرون يشعر بأن حبّه للموسيقا هو المحرّك الذي يدفعه للاهتمام بما يقوم به حالياً، فعدا هذين الفيلمين لديه مشروع فيلم وثائقي آخر عن المغني الراحل مارفن غاي موضوع على برنامج العام المقبل. وهو أيضاً مشغول بتصوير فيلم روائي مع مات دايمون وسكارلت جوهانسن في البطولة بعنوان “اشترينا حديقة حيوان”.
هذه الأفلام من أصل 104 فيلم روائي ووثائقي طويل معروضة في هذه الدورة التي ستنتهي في الواحد من الشهر المقبل محشورة بين مهرجاني “أفلام جديدة/ مخرجون جدد” النيويوركي أيضاً ومهرجان “كان” السينمائي. وقد تم اختيارها من بين 5600 فيلم يقول المهرجان إنها عرضت عليه أو عاينها على نحو أو آخر. اللافت أن الأفلام المعروضة تحتوي على 47 فيلما تعرض دولياً للمرّة الأولى، وهذا يعكس ما استطاع المهرجان تحقيقه في عقده الأول حتى الآن. اللافت الثاني، هو أن هناك 27 بين مخرجي هذه الأفلام من النساء.
أحد هذه الأفلام من تلك التي يتطلّع المرء لمشاهدتها بسبب اصطيادها موضوعاً لم يسبق لأحد أن تطرّق إليه. إنه الفيلم الوثائقي “شاطئ بومباي” للمخرجة ألما هارل. لا علاقة له ببومباي لكن ببلدة صغيرة اسمها “سالتون سي” أنشئت على ضفاف نهر كولورادو في ولاية كاليفورنيا وانتعشت في الثمانينات كمحطة لراحة نجوم السينما ووجوه المجتمع الثرية، لكن هذه الهالة تبددت عنها فيما بعد فإذا بالبلدة تتحوّل الى مجتمع من الهيبيين والذين لا يجدون لأنفسهم مكاناً في الحياة الإجتماعية المعتادة.

شاطئ بومباي

 وهو موضوع لا يبتعد كثيراً عن فيلم وثائقي آخر شوهد قبل بداية العروض الجماهيرية للمهرجان بعنوان “مشروع التعنيف” (العنوان الأقرب الى الأصل: Bully Project) إنه من إخراج لي هيرش حول مجموعة من الأطفال التي جنت عليها ظروفها الصحية والمسلكية فإذا بها تتعرّض لتعنيف وضرب وسوء معاملة غالبية الأطفال الآخرين. 
سنجد في هذه الدورة الكثير من قصص المآسي الفردية وهذه نراها منتشرة على دفّتي السينما، أي الوثائقية والروائية- وبعض تلك الروائية مصنوع بنفس وثائقي كحال فيلم بولا در وست “فراشات سوداء” عن حياة الشاعرة إنغريد جونكر ولماذا قررت قتل نفسها غرقاً(وهو ما أقدمت عليه فعلاً) وهي في الحادية والثلاثين من العمر.


إعلان