كوستا جافراس يتحدث عن “زد” بعد 40 عاما على ظهوره

يعتبر فيلم “زد” Z للمخرج الفرنسي من اصل يوناني كوستا جافراس Costa Gavras أحد اشهر الأفلام في تاريخ السينما. ويعتبر هذا الفيلم الذي عرض للمرة الأولى عام 1969 بداية تيار قوي عرف بـ”السينما السياسية”، سرعان ما امتد إلى أفلام ما يسمى بـ”التيار العريض” في السينما الأمريكية بل وفي هوليوود نفسها فيما بعد طوال السبعينيات والثمانينيات.
كان فيلم “زد” إعادة بناء وتوليف لتقاليد الفيلم الشائع، الشعبي، المثير، الذي يعتمد على الحبكة القوية، والأداء التمثيلي القوي، والسيناريو الدقيق الذي ينطلق من أحداث واقعية لإعادة بناء حادثة اغتيال شخصية حقيقية (اقتبس هذا الشكل فيما بعد في أحد اهم الأفلام السياسية المصرية وهو فيلم “زائر الفجر” لممدوح شكري عام 1972).
والطريف أن الفيلم كان يعتمد على شكل التحقيق، ولكن من خلال رواية القصة من أكثر من زاوية أو وجهة نظر، وهو الشكل الذي ظهر على شاشة السينما للمرة الأولى عام 1950 من خلال فيلم “راشومون” Rashmoon الشهير للمخرج الياباني أكيرا كيروساوا.
وقد حقق “زد” نجاحا كبيرا في عروضه العالمية وظل حتى اليوم يعتبر “نموذجا” للفيلم صاحب الرسالة السياسية القوية، الذي يحقق نجاحا شعبيا ولا يقتصر عرضه على النخبة.
أقدم هنا ترجمة لحديث أجرى في الولايات المتحدة مع مخرج الفيلم كوستا جافراس بمناسبة مرور أربعين عاما على ظهور الفيلم.

*************

فيلم “زد”

ما الذي دفعك إلى إخراج فيلم زد؟
كان العسكريون قد استولواعلى السلطة في اليونان وأطاحوا بالديمقراطية، وكان إخراج فيلم “زد” تعبيرا عن احتجاجي على هذا.

وماذا كانت نواياك السياسية؟
كنت أود أن أفضح حفنة من العسكريين الأغبياء المتطرفين المعادين للديمقراطية.

وإلى أي حد تعتقد أنك نجحت في تحقيق هذا الهدف؟
إذا أخذت في الاعتبار النجاح الكبير الذي حققه الفيلم في العالم كله، باستثاء الدول الديكتاتورية بالطبع التي منعت عرضه، يمكنني القول إنني حققت أهدافي.

أي الشخصيات في الفيلم تتعاطف معها أكثر ولماذا؟
إنني أجد نفسي قريبا من شخصية الصحفي بسبب حماسه الكبير للوصول الى تحقيق العدالة وعدم تراجعه رغم احتمال أن يفقد حياته.

في فيلم “زد” جمعت بين المفاهيم السياسية الأوروبية والشكل السينمائي الهوليودي المثير. ما نوع الجمهور الذي تود مخاطبته؟
عادة لا أشغل نفسي أبدا بموضوع الجمهور الذي أخاطبه أو الذي ينبغي أن أوجه إليه أفلامي. إنني أصنع الفيلم وأنا أفكر في نفسي كمشاهد وأفكر فيما أشعر به.

بعض المنتمين لليسار المتشدد اعتبروا استعانتك بنجوم مثل إيف مونتان وجان لوي ترينتنيان خضوعا لمنطق المؤسسة (أي هوليوود). أعرف أن الاستعانة بالنجوم تضمن التمويل، كما ت

كوستا جافراس أثناء التصوير

ساعد في الترويج للفيلم تجاريا، ولكن ما الذي يمكنك أن تقوله لهؤلاء “النقاد المتزمتين”؟
كان مونتان وتريتنيان نجومين لكنهما أيضا ممثلان جيدان يتمتعان بالموهبة. لقد كنت دائما متشككا فيما يسمى بـ”اليسار المتشدد” بل وفي كل ما يعتبر “متشددا”. أعتقد أن هوليوود أنتجت أفلاما عظيمة وتحفا سينمائية، كما أنتجت أيضا أفلاما رديئة.

إن كل الأزياء والأغاني الشعبية والموسيقى والأسماء والصور التي استخدمتها في الفيلم يونانية، ورغم ذلك جاء الفيلم ناطقا بالفرنسية. ما الأسباب وراء رواية القصة بالفرنسية؟
كان من المستحيل أن أصور الفيلم في اليونان. الى جانب أن الفيلم كانت له نكهة عالمية، أي كان يتوجه للجمهور في العالم كله. لا توجد أسماء يونانية في الفيلم فالشخصيات تحمل أسماء تتعلق بالمهن التي تؤديها فهناك على سبيل المثال الجنرال والنائب والمحامي والطبيب والكولونيل.. إلخ. أما القاتلان فقد أطلقنا عليهما ياجو وفاجو، وهما اسمان شائعان. إننا نتحدث عن قصر ونظهر واحدا أو اثنين من اللوحات الرسمية للملك والملكة (ملك وملكة اليونان). أما “زد” فهي تعني في اليونانية “إنه حي”.

لماذا كان يتعين عليك الذهاب إلى الجزائر لتصوير الفيلم؟
بسبب استحالة تصوير الفيلم في اليونان بالطبع، لقد مولت شركة يونايتد آرتستس الفيلم ثم رفضته. كانت تعتبر السيناريو مليئا بالمشاهد التي يكثر فيها الحوار. وكانت أيضا تخشى من مقاطعة أفلامها في اليونان إذا أنتجت الفيلم.

في محاولة لتفادي التعاطف مع الشخصية الرئيسية للنائب لامبراكيس الذي اغتيل، قللت من شأن بعض ما كان يقوم به (على سبيل المثال كان يدير عيادة لمعالجة الفقراء بالمجان). هل أنت مقتنع بأن هذا كان قرارا صائبا؟
كان الهدف الأساسي أن أظهر الرؤية السياسية للامبراكيس التي كانت تتلخص في الدعوة إلى نزع السلاح النووي، وتحقيق السلام والديمقراطية في دولة كانت الديمقراطية غائبة عنها تماما.

أنت جسدت العسكريين بشكل مخفف، كما قللت من أهمية الشذوذ الجنسي كدافع لسلوك القاتل، هل يمكنك الحديث عن الدوافع التي حدت بك إلى ان تفعل هذا؟
إن الصورة الهزلية التي يظهر عليها كبار القادة العسكريون تأتي من طبيعتهم ومن نظرتهم للأمور. لقد كنت مقتنعا بأنهم رجعيون وأغبياء. ثم خففت هذه النظرة واظهرتهم فقط كمهرجين. وكان القاتلان الحقيقيان يشبهان تماما القاتلين اللذين صورتهما في الفيلم: أحدهما كان يعتمد اقتصاديا على الشرطة، وكان الآخر من الشواذ جنسيا، من الذين يعتدون على الأطفال تحديدا، وكان أيضا يعتمد على حماية الشرطة.

يلقى النائب البرلماني في فيلم “زد” مصيره بعد أن ينال ضربة على الرأس تصيب المخ، وهو مصير مشابه لمصير كنيدي وتروتسكي، فما معنى هذا عند الفاشية؟

مشهد اغتيال النائب في البرلمان

إن الفاشية، سواء بوعي أو بدون وعي، تستهدف اصابة اهم جزء في الإنسان، أي رأسه، الذي يأتي منه الفكر، خاصة إذا كانت أفكاره تعادي الفاشية.

 كيف شعرت بعد أن حصل فيلمك على جائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي؟
كانت الجائزة اعترافا بشرعية الفيلم. لقد بدا الأمر كما لو كانت هوليوود تدين الحكم العسكري في اليونان الذي اعترفت به واشنطن وتعاونت معه.

عندما عرض الفيلم رأى فيه الكثير من الدارسين في الولايات المتحدة صلة باغتيال الرئيس جون كنيدي، وهو حسب ما قرأت، أمر لم يخطر على بالك. ماذا يعني هذا بالنسبة لك في إطار الدوران حول الذات الأمريكية؟
هذا التوازي، بين الحالتين، يأتي أساسا من وجود شخصيتين لرجلي سياسة من الشباب، يسعيان للتغيير وكسر التقاليد السياسية القديمة. لقد كان فيلم “زد” أول فيلم يروي قصة اغتيال شخصية سياسية حقيقية، وليس عملا خياليا.

هناك الكثير مما يدور حول التحقيق فيما جرى في عهد الرئيس جورج بوش الإبن. هل يمكنك الحديث عن هذا الموضوع في ضوء أن قاضي التحقيق في قضية اغتيال لامبراكيس في اليونان كان يمينيا لكنه وضع النزاهة فوق الولاء الأيديولوجي؟
لقد كان كريستوف زارتستاكيس يمينيا. ولهذا كلفوه بهذه القضية، لكنه كان قاضيا شريفا، فقد جعل تحقيق العدالة يسبق أي شيء آخر. أما بخصوص بوش فلدي سؤال قد يبدو ساذجا: من الذي كان يدير البلاد؟ الرئيس بوش بذكائه المحدود ، أم ديك تشني نائب الرئيس ورجل الأعمال الثري؟

* رغم أنك أخرجت أفلاما عديدة إلا أن فيلم “زد” يظل أكثرها شهرة بل السبب في معرفة الناس بك.. كيف تشعر ازاء ذلك؟
لا أود مقارنة نفسي بالسينمائيين العظام، لكن أورسون ويلز رغم ما قدمه من أعمال لايزال معروفا بأنه مخرج فيلم “المواطن كين”، وكذلك أيزنشتاين بفيلم “المدرعة بوتيمكين”، وفرنسيس فورد كوبولا بفيلم “الأب الروحي”.

هل تعتقد أن الحديث للصحافة مفيد للفيلم، أم أن على الفيلم أن يتحدث عن نفسه؟
الفيلم يتحدث عن نفسه أفضل من مخرجه. المرء يمكنه فقط الحديث عن عمله بطريقة سطحية، فمن المستحيل تفسير المشاعر والدوافع التي أدت إلى صنع الفيلم.


إعلان