الأفلام القصيرة من كليرمون ـ فيران إلى كان

يُعتبر”سوق الفيلم القصير” للمهرجان الدوليّ للأفلام القصيرة في كليرمون ـ فيران(فرنسا) كنزاً سينمائياً (في عام 2011 بلغ عدد الأفلام المُسجلة 6753 فيلماً)، يُوازيه في الأهمية “ركن الفيلم القصير” لمهرجان كان السينمائي الدولي (في عام 2011 بلغ عدد الأفلام المُسجلة 1925 فيلماً)، وباعتقادي، هناك أسبابٌ عديدة تُفسّر هذا التفاوت الواضح في الأرقام.
منذ سنواتٍ بعيدة، أصبح مهرجان كليرمون ـ فيران واحداً من مهرجانات الأفلام القصيرة الأكثر أهميةً في العالم، وتتضمّن مسابقاته الثلاثة (الوطنية، الدولية، والمُختبر) مابين 50 إلى 70 فيلماً لكلّ واحدةٍ منها، تُضاف إليها مئات الأفلام التي تُعرض في برامج “موضوعاتيّة”، ولهذا يُقال عنه بجدارة “كان الفيلم القصير”، وتتوّجه أنظار صُناع الأفلام القصيرة نحوه بالذات لترشيح أفلامهم (بدون مساهمةٍ مادية من أيّ نوعٍ كما الحال في “ركن الفيلم القصير” لمهرجان كان)، وإذا استبعدت أفلامهم من المُسابقات، أو البرامج المُوازية، تتحول تلقائياً إلى “سوق الفيلم القصير”، وفي هذه الحالة، يمكن الإطلاع على بياناتها الفنية، والتقنية، ومشاهدتها ـ حسب الطلب ـ خلال أيام المهرجان (وبعدها بشهور).
وفي عام 2004 انطلقت فكرة “ركن الفيلم القصير” الذي يُنظمه مهرجان كان، وهو موعدٌ لا غنى عنه في أجندة صُناع الأفلام القصيرة، ولا يقتصر هدفه على إمكانية مشاهدة الأفلام فردياً، أو مع مجموعة، ولكن بإمكان المُشتركين أيضاً تنظيم برنامجٍ على المقاس، لقاءات، ورشات عمل، وندوات حول موضوعات إستراتيجية، ويحصل كلّ فيلمٍ مُسجل على بطاقتيّ اعتمادٍ لاثنين من فريق العمل، تسمحا لهما بالدخول إلى “سوق الفيلم”، و”القرية الدولية” بهدف إثراء العلاقات مع الآخرين، والتواصل مع مؤسّسات الدعم، والممثلين الدولييّن الأكثر نشاطاً في الصناعة السينمائية، ويمكن أن يثير الفيلم انتباه مخرجين، منتجين، موزعين، مسئولي الشراء، بالإضافة لإمكانيات اللقاء مع المحترفين، والمواعيد اليومية، والندوات التي تساهم في تكوين المخرجين الشباب، وتدريبهم على التواصل مع الوسط الاحترافيّ، وتطوير خبراتهم في البحث عن تمويل لأفلامهم، وهي فرصة إضافية للمُشاركة في مهرجاناتٍ أخرى، وإمكانية شراء الحقوق من طرف قنواتٍ تلفزيونية، والأكثر أهميةً، تساهم متابعة مهرجان كان بتأسيس جسور بين عوالم الأفلام القصيرة، والطويلة.
ويجمع “ركن الفيلم القصير” أفلاماً من كلّ أنحاء العالم، بالإضافة للمُسابقة الرسمية، و”ٍCinéfondation”، والأفلام القصيرة التي تمّ اختيارها في تظاهراتٍ أخرى، وحبة الكرز التي تتوسّط الحلوى، إمكانية الحصول على دعمٍ من بعض المُؤسسات المُتخصصة (المكتب الوطني للفيلم في كندا، جمعية بومارشيه، ووكالة الفيلم القصير في فرنسا).
ويتوّجب أن يتوفر الفيلم على الحدود الفنية، والتقنية الدنيا كي يتمّ قبوله في “ركن الفيلم القصير” لمهرجان كان، والأهمّ، المُساهمة المادية التي يدفعها كلّ مخرجٍ، أو منتجٍ عن فيلمه، وكلما زادت الخدمات المُقترحة، تضاعف المبلغ المطلوب.
من المفيد الإشارة، أنّ تسجيل الفيلم لا يمنحه أهميةً خاصة، أو اعترافاً ظاهرياً، أو ضمنياً بمستواه النوعيّ، ولكن، يجب التأكيد، بأنّ المخرج يجني ـ في كلّ الأحوال ـ فوائد عديدة، ومنها إمكانية مشاهدته خلال أيام المهرجان للراغبين من الضيوف المُعتمدين رسمياً.
بوضوحٍ، يُمول “ركن الفيلم القصير” لمهرجان كان ميزانيته من المخرجين أنفسهم، بالإضافة لمُساهماتٍ مادية تقدمها بعض المؤسّسات السينمائية التي تحصل على خدماتٍ إضافية : تخصيص مساحاتٍ إعلانية

في الدليل الخاصّ، استئجار منصة في سوق الفيلم، أو صالة صغيرة لعرض برنامج محدد(وهي تختلف عن المقصورات الصغيرة التي يُوفرها “ركن الفيلم القصير” للعرض حسب الطلب) .
يجب الإشارة، بأنه لا توجد أيّ علاقة بين الأفلام المُسجلة في “ركن الفيلم القصير”، والمسابقة الرسمية لمهرجان كان، أو “Cinéfondation”، أو مسابقات الأفلام القصيرة الخاصة بالتظاهرات المُوازية، والتي تعتمد كلّ واحدةٍ منها على شروطٍ معينة، ولجان اختيار منفصلة.
وهذا يعني، بأنه يتوّجب على المخرج التحلي بالصبر، وتشغيل بطاقته المصرفية كي يُسجل فيلمه في “ركن الفيلم القصير”، ومن ثمّ إذا أراد مضاعفة حظوظه، عليه أن يقدمه إلى المسابقات المُتعددة في مهرجان كان، والتي تُديرها مؤسّسات مختلفة.
أتصوّر بأنّ مخرجي الأفلام القصيرة، يترددون قليلاً، أو كثيرا في إرسال أفلامهم إلى مهرجان كان (والمهرجانات السينمائية الكبرى)، بينما يتقلص هذا التردد في حالة المهرجانات المُتخصصة بالأفلام القصيرة(كليرمون ـ فيران على سبيل المثال)، ولكن، من المُؤسف بأنّه يتحول ـ في بعض الحالات ـ إلى كسلٍ، وتراخي، ربما يُفضل هؤلاء انتظار دعوة مهرجانٍ ما تهبط على رؤوسهم من السماء، وتطلب أفلامهم، وإذا لم يحدث هذا الأمر، يتباكون بحرقةٍ على حظهم العاثر، ويتحدثون عن المُؤامرة التي تُحاك ضدّ السينما العربية، وأفلامهم بالتحديد.
في المقابل، هناك بعض مخرجي الأفلام القصيرة(والطويلة أيضاً) يُعلنون، أو يُروّجون، وحتى يُسجلون في سيرتهم المهنية، بأنّ أفلامهم عُرضت في مهرجان كان (أو كليرمون ـ فيران، أو أيّ مهرجانٍ آخر)، وهي مبالغةٌ ترويجيةٌ طريفة، وربما سوء فهمٍ لأهداف، وأغراض الأسواق، والأركان، أو رغبة بانتزاع أهمية لم يحصلوا عليها، وهي ـ على أيّ حال ـ تُقللّ من مصداقيتهم إذا كانت تجاهلاً، أو استغفالاً متعمّداً لجمهورٍ لا يعرف حقائق هذه التفاصيل، ومهما تكن الأسباب، والذرائع، الكاذبة، أو الصادقة، يجب التأكيد على أهمية التسجيل في هذه السوق، أو هذا الركن، مُؤكداً في نفس الوقت، ضرورة تجنب المُغالاة في التصريحات، والاقتناع بهذه الخطوة المرحلية التي يمكن أن تقود مستقبلاً إلى مشاركاتٍ فعلية.
في الحقيقة، كلّ الأفلام المُشاركة في “سوق الفيلم القصير” لمهرجان كليرمون ـ فيران، و”ركن الفيلم القصير” في مهرجان كان(وأيّ سوقٍ آخر) لا تُعرض أبداً للجمهورٍ في أيّ صالة(إلا في صالة مُستأجرة)، إنها مُسجلة فقط، وبإمكان الراغبين من المُحترفين المُعتمدين في هذا المهرجان، أو ذاك مشاهدتها عن طريق شاشات كمبيوتر فردية .
بالنسبة لمهرجان كليرمون ـ فيران، يجمع “سوق الفيلم القصير” عموم الأفلام التي تقدمت للمُسابقات الرسمية، وبدل أن توضع في المخازن، وتتآكل، يمنحها المهرجان إمكانية مشاهدتها حسب الطلب.

بينما يقدم “ركن الفيلم القصير” لمهرجان كان خدمات يُموّلها المخرجون أنفسهم، وذلك بإشغال مساحة صغيرة من “سوق الفيلم” الذي لا يقدر صانعو الأفلام القصيرة على استئجار سنتمتراً واحداً منه.
من الطبيعي إذاً، بأن لا تحظى الأفلام المُتراكمة في “سوق الفيلم القصير” لمهرجان كليرمون ـ فيران، أو “ركن الفيلم القصير” لمهرجان كان على نفس نسبة المشاهدة، والدعاية، والأضواء التي تحصل عليها الأفلام المُشاركة في المسابقات الرسمية، ولكن، هذا لا يعني بأنّ تسجيلها بدون فائدة.
الفوائد الاعتبارية، والمادية كثيرة بالنسبة للأفلام المُشاركة في المسابقات المختلفة، ولكنها محدودة في حالة الأفلام المتواجدة في “السوق”، أو “الركن”، ورُبما تصبح كبيرة إذا التقط مديرٌ، أو مبرمج مهرجان آخر فيلماً منسياً من بين هذا الكمّ الكبير، كما حدث مثلاً مع الأفلام التي تنافست في الدورة الأولى للمسابقة الدولية لمهرجان الخليج السينمائي في دبي(الدورة الرابعة 2011)، وحصل ثلاثة منها على جوائز.
يختار مهرجان كان في مسابقته الرسمية عدداً محدوداً جداً من الأفلام القصيرة التي يُرشحها أشخاص ينتشرون في كلّ أنحاء العالم، وفي نفس الوقت، يتوّجب على المخرجين الراغبين تسجيل أفلامهم في “ركن الفيلم القصير” كي تحصل على فرصة أخرى، رُبما يختارها مهرجانٌ آخر، أو تشتريها قناة تلفزيونية ما.
والأمثلة كثيرة، هناك مهرجانٌ ما يبحث عن أفلامٍ عربية، وآخرٌ يهتمّ بالأفلام الهندية، وثالثٌ يجهز برنامجاً حول السينما التجريبية، أو التحريكية، كلّ واحدٍ من هذه المهرجانات سوف يجد في “ركن الفيلم القصير” لمهرجان كان، أو “سوق الفيلم القصير” لمهرجان كليرمون ـ فيران ما يبحث عنه.
في المُقابل، هناك مهرجاناتٌ عربية تقتصر اختياراتها على ما يُعرض في مهرجاناتٍ أخرى سبقتها في تاريخ انعقادها، وتكتفي بمراجعة مطبوعاتها، أو مواقعها الإلكترونية بدون أن تُجهد نفسها في البحث، والتمحيص، والتنقيب عن أفلامٍ جديدة لم ينتبه إليها أحد، وغالباً، تتباهى هذه المهرجانات الكسولة بأنها سوف تعرض، أو عرضت في مسابقاتها أفلاماً قادمة من هذا المهرجان الكبير، أو ذاك.
دعونا نتذكر، بأنّ لجان اختيار المهرجانات الكبرى تشاهد آلاف الأفلام، وتختار بعضها، بينما لم تفعل إدارة مهرجانٍ آخر أكثر من دعوة تلك الأفلام.
وهنا، أتساءل : هل يُجسّد نقل، أو نسخ حصاد المهرجانات الأخرى أيّ بطولة سينمائية ؟.
هوامش (منقولة بتصرّف من موقع “ركن الفيلم القصير” لمهرجان كان 2011) :
* في عام 2010 بلغ عدد الأفلام المُسجلة في “ركن الفيلم القصير” لمهرجان كان 1728 فيلماً قصيراً تُمثل 86 بلداً (في عام 2011، ارتفع العدد إلى 1925 فيلماً).
24% من فرنسا.
18% من أمريكا الشمالية.
15% من المملكة المتحدة.
* في عام 2010، سجل “ركن الفيلم القصير” أكثر من 26500 مشاهدة في 47 مقصورة فردية، و3 صالات صغيرة تتسّع من 3 إلى 9 أشخاص.
* يُكلف تسجيل الفيلم القصير الواحد 95 يورو، ويحصل المخرج على بعض المميزات الإضافية.
* بالنسبة لشركات الإنتاج، والتوزيع، والمؤسّسات السينمائية التي ترغب بتسجيل مجموعة من الأفلام، يُكلف تسجيل الفيلم القصير الأول 95 يورو، و 3.50 يورو للدقيقة الواحدة من كلّ فيلم إضافيّ.