مخرج فيلم “طفل العراق”: استعدت بهذا الفيلم هويتي
أثار فيلم “طفل العراق” الذي قدمه العراقي/ الدانماركي علاء محسن موجة من الجدل والانتقادات وذلك بعد عرضه الأول الذي افتتح الدورة الرابعة لمهرجان الخليج السينمائي التي انعقدت في دبي في الفترة 14-20 أبريل/ نيسان الماضي. معظم الانتقادات جاءت من عراقيين وجدوا في بعض مقاطع الفيلم إساءة بالغة للعراق وجرحا لمشاعرهم الوطنية.
*************
* انتقد البعض اختيار فيلمك لافتتاح مهرجان الخليج السينمائي، خاصة العراقيين ، وذلك بسبب الشتائم التي وجهتها للعراق في الفيلم…. هل تشعر فعلا بأنك تكره العراق ؟ هل حدث أن انتابك هذا الشعور ؟
نعم حدث ذلك، لكن من لا يحب لا يكره. أحب العراق كثيرا لذلك جاء الكره، لكنه كره محب. أربط بين كثير من الأمور السيئة في حياتي والعراق، وأهمها وفاة والدتي. بل إنني حين عدت إلى الدانمارك لم أستعد توازني النفسي لشهور طويلة حتى الفيلم لم أتمكن من مشاهدته لفترة.
بالطبع هناك من سيحب الفيلم وهناك من لن يحبه، أعرف أن المشهد الذي شتمت فيه العراق سوف يجعل البعض يتهمني بعدم الوطنية أو بالإساءة إلى العراق، وفي الواقع كان بإمكاني حذفه لكني تعمدت الإبقاء عليه لأنني أردت أن أنقل الحالة التي عشتها حينها. أعلم أن المشهد لم يعجب العراقيين لكنني أستغرب من عدم تفهم المخرجين لحالتي تلك ولتضميني هذه الحالة في الفيلم. يفترض بمن ينصع الأفلام أن يمتلك عقلية منفتحة تتفهم هذه الأمور، وأعتقد أننا نحتاج لنوع من النقد الذاتي.
* ربما تأتي أهمية هذا المشهد أيضا لتبرز حالة التحول التي مررت بها تجاه العراق والانتقال من حالة الرفض والكره والحنق إلى حالة أخرى هي التي تعيشها اليوم، لكن كيف كان شعورك حين اختير فيلمك للافتتاح؟
لم أكن قد سمعت بمهرجان الخليج السينمائي، لكن منتج الفيلم أرسل فيلمي لإدارة المهرجان، فتم قبوله للمسابقة الرسمية. بعد ذلك تفاجأت باختيار الفيلم لحفل الافتتاح. بالطبع سبب ذلك مفاجأة كبيرة لي، بل إني

صحبة أحد أصدقائه
أصبت بمفاجأة أخرى حين حضرت، إذ لم أتوقع أن يكون المهرجان بهذا الحجم، ولم أتوقع كل هذا الكم الهائل من الأضواء والكاميرات. لم أتصور أن تكون هناك سجادة حمراء يسير عليها المشاركون ويتم تصويرهم وتسليط الضوء عليهم كما يحدث في المهرجانات الكبيرة. وأنا بطبعي خجول جدا ولذلك بقيت في غرفتي في اليومين الأوليين بعد حفل الافتتاح، ليس هربا من انتقاد العراقيين لفيلمي كما اعتقد البعض ولكن لأني لم أكن معتادا على مثل هذه الأضواء.
* كيف جاءت فكرة توثيق رحلتك الأولي للعراق بعد أربعة عشر عاماً من الغياب، ونقلها عبر الكاميرا، خصوصا وأنك تقوم بهذه الرحلة محاولا البحث عن هويتك. ألم تجد ذلك أمرا شخصيا
جاءت الفكرة حين عرضت على والدتي السفر معها إلى العراق ولم تكن تلك المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك لكنني ككل مرة رفضت. أجبرتني على السفر معها حين غادرت تاركة لي تذكرة كلفتها كثيرا من المال. لم أشأ جعلها تخسر ما أنفقته، كما أني قررت اغتنام الفرصة لأتعرف على هويتي وأًصولي.
لم أكن أريد العودة للعراق، كنت خائفا، فالعراق بالنسبة لي تعني القهر والألم وجدتي المتوفاة وخالي المختطف والمقتول. لكنني بعد حين قررت أن أحمل الكاميرا ربما لأحتمي بها، ربما لأرى كل شيء من خلالها، وبالتأكيد لأوثق من خلالها رحلتي في البحث عن هويتي.
فكرة تحويل الأمر من مشروع خاص إلى فيلم جاءت بعد موت والدتي المفاجئ أثناء سفرنا جراء أصابتها بسكتة قلبية. تحولت الفكرة من مجرد التوثيق لصناعة فيلم. وجدت أن قصتي مهمة وشعرت أن موت والدتي رغم صعوبته فإنه يقدم قصة درامية.
*عدت إلى العراق لتبحث عن نفسك وعن هويتك، أردت أن تعود إلى أصولك وأن تستعيد إحساسك بالوطن. هل نجح مسعاك، هل تغير إحساسك بالعراق بعد الفيلم هل تشعر بانتماء أكبر إليه الآن؟
نعم تغير الأمر كثيرا. ربما قربني الموت إليه ولعله ساعدني على الإقرار بأن العراق هو الوطن الذي أحب برغم ما هو عليه. قبل الرحلة لم أكن أعترف بنصفي العراقي، كنت أبتعد عنه وأداريه حتى عن نفسي. لكني اليوم أعتقد أنه من المهم لنا نحن العرب الأوربيين أن نتعرف على هوياتنا العربية الأصلية وفي الوقت ذاته أن نندمج مع مجتمعاتنا الجديدة. يجب أن تكون لي هويتين دانماركية وأخرى عراقية.
* هل وجدت في تصوير الفيلم ومن ثم في إتمامه وإنجازه علاجاً نفسيا لك ربما ساعدك على تجاوز محنة وفاة والدتك ؟
الرحلة إلى العراق بحد ذاتها علاج نفسي، ووفاة والدتي وإن كنت أجده أمراً شخصياً، إلا أنه جعلني أشعر بمسئولية تجاه الفيلم، حتى لو ملأني ذلك ألماً وقهرا وحزنا. وجدت أنه من الواجب علي أن أكمل العمل، ذلك كان دائما ما أرادته والدتي. ولعل ما زاد الأمر صعوبة هو أنني قررت أن أكمل التصوير قبل العودة إلى الدانمارك وفيما كنت لا أزال تحت تأثير صدمة وفاتها.
* هل تشعر بأن والدتك ساهمت بطريقة أو بأخرى في أن تحدد مصير فيلمك الذي أصبح فيلم افتتاح فهي التي وضعتك على بداية الطريقة حين أجبرتك على العودة إلى العراق، ثم جاء موتها ليعطي للفيلم قوة وزخما، وليلقي عليك مسئولية تقديم فيلم توثق فيه معاناتك وربما معاناة كثير من المغتربين العراقيين ؟
قبل وفاة والدتي وحين كنا في العراق، لم أتمكن من النوم في إحدى الليالي بسبب حرارة الجو. كنا ننام فوق سطح منزل أهلها وكنت متضايقا جدا. شعرت والدتي بالأمر فطلبت مني أن أنام إلى جانبها، وأخذت تحكي لي قصصا من طفولتها. وفي صباح اليوم التالي توفيت. كانت تشعر بموتها، حتى إصرارها على أن أسافر معها وتركها للتذكرة لي في المنزل، كل ذلك يشير إلى أنها كانت تحمل شعورا بأنها ستموت. كانت دائما تقول إن مجال صناعة الأفلام مجال صعب لكنها شجعتني على دخوله ودعمتني منذ البداية. حتى حين صعدت المنصة في حفل الافتتاح تذكرت والدتي فارتبكت كثيرا ووددت لو تمكنت من البكاء حينها.

* كيف صورت موت والدتك في الفيلم، كان بإمكانك أن تشير إلى وفاتها فقط أو أن توقف تصوير الفيلم ؟؟
استغرق مني الأمر شهوراً عديدة، الأمر خاص جداً لكني وبفضل تشجيع أصدقائي ومعلمي اكتشفت أن موت والدتي حدث رمزي جدا فهي عراقية هاجرت وتغربت لكنها عادت لتموت في بلادها. وأنا أتصور أن هناك كثيرا من العراقيين ممن يحلموا بأن يرجعوا إلى العراق ولا يمكنهم ذلك.
* ما الذي تنوي عمله الآن بعد هذا الفيلم، هل تنوي تصوير مزيد من الأفلام، وهل ستكون أفلام روائية أم وثائقية، هل حددت اتجاهك ؟
أنوي المواصلة في مجال الأفلام الوثائقية، يستهويني الوثائقي بشكل كبير، على الرغم من أنني لا أجد الاهتمام الكافي بالمخرج الوثائقي في العالم العربي، فيما تختلف الصورة في الدانمارك حيث انتشار ثقافة الفيلم الوثائقي، والاهتمام بعرض أفلام وثائقية على مستوى عال وبشكل مستمر.
الآن سأصور فيلماً قد تصل مدته إلى 40 دقيقة، حول امرأة مسلمة من أصل مصري تعيش في الدانمارك وهي الوحيدة التي تمارس رياضة الملاكمة في الدانمارك. من خلال هذه المرأة سأحاول تصحيح الصورة النمطية التي يحملها الدانمركيون عن المرأة المسلمة.