حول فيلم “18 يوما”..تجربة سينمائية من قلب الواقع

أمير العمري

هناك عشرة مخرجين مصريين قرروا صنع عشرة أفلام عن إحساسهم بما وقع في مصر من زلزال سياسي في الخامس والعشرين من يناير 2011، تلك الثورة التي لم يتضح بعد تأثيرها على المجتمع المصري، فهي لاتزال تلقي بتداعياتها على المشهد السياسي والاجتماعي بقوة.
قرار عمل عشرة افلام ثم ضمها معا في فيلم واحد، أمر إيجابي جيد دون شك، لأنه أولا يتيح الفرصة لعدد كبير من السينمائيين (معظمهم من جيل الشباب اي الجيل الذي صنع الثورة) أن يقف وراء الكاميرا.
ثانيا هذا النوع من الأفلام يكون عادة متخلصا تماما من الضغوط التجارية، فهو بطبيعته وطبيعة تكوينه، فيلم لا ينافس في شباك التذاكر، بل يسعى للوصول للجمهور من طرق اخرى قد لا تكون من خلال العرض في دور العرض التقليدية بالضرورة.

وقد أتيحت مساحة زمنية متساوية للمخرجين العشرة لتحقيق أفلامهم هي مدة يومين. لكن المشكلة الأولى في الفيلم أن الأجزاء أو الأفلام العشرة لم تأت كلها متساوية في مدةعرضها، فهناك فيلم الدقائق الخمس مثلا، وهناك الفيلم الذي يتجاوز زمنه15 دقيقة. وكان من الأفضل أن يكون هناك توازن بين الأفلام من حيث زمن عرضها، بأن تأتي كلها موحدة التوقيت الزمني، عشرة دقائق لكل منها مثلا.
الملحوظة الثانية أن معظم الأفلام العشرة “قاهرية” أي تصور على خلفية ما جرى تحديدا في القاهرة، وكأن الثورة كانت “قاهرية” ولم تشمل عموم المدن المصرية بل حتى النائية منها، وهو ما يعكس قصورا واضحا في الطموح، وقد يفسره بعض المخرجين بطبيعة الحال بأنه يرجع إلى الرغبة في الاخلاص لما شاهدوه وخبروه حولهم بحكم كونهم من سكان العاصمة، وهو تبرير غير مقنع.

الفيلم الأول من اخراج المخرج المخضرم شريف عرفة، وهو يدور قبل 25 يناير، داخل “مستشفى الأمراض العصبية” حيث يُحتجز عدد من المعارضين السياسيين بتعليمات من أمن الدولة، لكن أحد ضباط أمن الدولة أو المتعاونين معها، محتجز أيضا مع المعتقلين بالمستشفى، ومع تصاعد الأحداث ووقوع الثورة وهو ما يتابعه المحتجزون أو النزلاء، عبر جهاز التليفزيون، يبدؤون في توزيع الاتهامات ثم يعقدون شبه محاكمة لرجل أمن الدولة الذي يصبح “ضحية” لهم يسعى بشتى الطرق الى تبرير موقفه، وأفعاله ضدهم.
هذا الجزء تحديدا فيه الكثير من الافتعال، سواء في بناء الشخصيات واختيارها أو في الأداء التمثيلي المبالغ فيه كثيرا بهدف الاضحاك، وهو لا يضيف جديدا في تعميق فكرة الثورة، فالفكرة أصلا مستهلكة، والرمزية فيها لعلاقة الشعب بالسلطة، فجة، وأسلوب الاخراج يميل الى الطابع المباشر، بحيث أنه يحوّل الفيلم قبيل نهايته الى تظاهرة وهتافات “تحيا مصر” وكتابة التواريخ ذات الدلالة الخاصة على الشاشة مثل 25، 28 يناير، و11 فبراير.

“خلقة ربنا” هو عنوان الجزء الذي أخرجته كاملة أبو ذكري، وهو جزء أكثر طموحا من غيره، لكونه أولا يمزج بين الواقع والشخصية التي تمثلها ناهد السباعي، وهي لفتاة من بيئة شعبية تصبغ شعرها باللون الأصفر، رغم غضب والدتها اعتقادا منها أنها بهذه الطريقة ربما تعثر على “عريس”.. وهي تنزل للشارع وتنضم للمتظاهرين إعجابا منها بشاب محمول على الأعناق، وتردد وراء الجميع هتافات لا تفهمها.. وتسير كالمنومة، لكنها بعد أن كانت تبرر لنفسها في البداية قيامها بصبغ شعرها بأن “الريس نفسه يصبغ شعره”، تنتهي الى أن تطلب من الله أن يسامحها اذا كان صبغ شعرها خطيئة!
هذا فيلم بسيط وبديع، يعتمد على شريط صوت حي ومليء بالحيوية والواقعية، وعلى تقديم صورة طبيعية لسكان العشوائيات، وحركة الشارع، وزحام السيارات، ثم يمزج بين الروائي والتسجيلي، من خلال استخدام لقطات مصورة بالموبيل للمظاهرات، كما أنه يصور حالة انسانية لـ”مواطنة” من عصر مبارك، أصبحت مستلبة تماما بفعل الثقافة الغيبية السائدة!
أداء ناهد السباعي كالعادة، واثق وطبيعي ومقنع. وتحكم كاملة في الصورة والايقاع لا شك فيه.

الجزء الثالث بعنوان “19-19” من اخراج مروان حامد وتمثيل باسم سمرة وعمرو واكد وعمر السعيد وإياد نصار. وهو عبارة عن تحقيق مع أحد نشطاء الثورة داخل قبو من اقبية مباحث أمن الدولة. عمرو واكد يقوم بدور الناشط الذي يتعرض للتعذيب. الحوار هنا مكتوب ببراعة لا شك فيها، والأداء مقنع كثيرا رغم ميل شخصية المحقق عمر السعيد إلى إضفاء ملامح كاريكاتورية على الشخصية، وهو اتجاه يشاركه فيه أسلوب الإخراج وإدارة الحركة داخل المشهد، فالمقصود هو تجسيد التناقض بين الضابط الذي يمارس التعذيب لكنه مهتز من داخله كونه يدافع عن نظام متهاو يعرف هو جيدا أنه لن يصمد، وبين ناشط سياسي من الشباب يثق في نفسه وفي عدالة قضيته.
الناشط السياسي معادل درامي مبتكر لشخصية وائل قنديل خاصة وأننا نعرف انه- في الفيلم- يعمل لحساب شركة “انتيل” لشرائح الكومبيوتر أي له علاقة بتكنولوجيا الاتصالات الحديثة تماما مثل وائل. كما يتميز الفيلم بعلاقته المباشرة بالأحداث: اشارته الى جمعة الغضب، الانتشار والحركة في محافظات مختلفة في وقت واحد، شريط الصوت الجيد الذي يستغل كخلفية ما يبثه التليفزيون من أخبار عن تطورات الأحداث، وهو ما يجعل الضابط يصل في النهاية الى تحطيم جهاز التليفزيون بعد فشله في تحطيم عزيمة الناشط الذي يستجوب، بل إنه ينهار معنويا أمام صمود الناشط.
ويتميز هذا الجزء ايضا بالتقطيع الجيد للقطات، والنقلات الموضوعية، والاستخدام الجيد للتناقض بين الشخصيتين، والإضاءة التي تناسب طبيعة الديكور أو المكان المفترض. ولا شك أن أداء باسم سمرة واياد نصار الى جانب عمرو واكد، وراء المستوى البارز للفيلم.

ننتقل بعد ذلك الى الجزء الرابع بعنوان “إن جالك الطوفان” اخراج محمد علي. هنا يتخذ الفيلم الذي كتبه بلال فضل زاوية أخرى غير زاوية الثوار، فهو يصور كيف يسعى رجلان من سكان الهامش، المحرومين الفقراء الذين يفتقدون تماما الى اي درجة من درجات الوعي السياسي، كيف يسعى شخص من هؤلاء المهمشين الى الاستفادة من الثورة لتحقيق بعض المكاسب البسيطة فيبيع أعلام مصر للمتظاهرين في وسط القاهرة. وكيف يتعرض للخداع من جانب صديقه،

وعندما لا يحقق هدفه، يتجه الى تحقيق بعض المال من وراء المشاركة في العملية العنيفة التي أطلق عليها إعلاميا “موقعة الجمل” والتي اعتدى فيها عدد كبير من المستأجرين على الثوار في ميدان التحرير.
عمل شديد الواقعية والصدق والبساطة الآثرة، في بناء الشخصيات، في كتابة الحوار، في التصوير الصادق. النهاية فقط تبقى غامضة بعض  الشيء.

الجزء التالي بعنوان “حظر تجول” من اخراج شريف البنداري. يصور كيف يعجز رجل عن العودة مع حفيده الذي خرج لتوه من المستشفى، عن العودة الى منزلهما بسبب حظر التجوال، وقيام قوات الجيش بسد الطرق. التصوير في مدينة السويس وضواحيها. وهناك استخدام جيد للمواقع الطبيعية ليلا ونهارا. ولكن هناك الكثير جدا من الاستطرادات والتكرار، واللف حول الفكرة، واعادة رواية المشكلة على لسان الجد بطرق مختلفة لكل من يوقفه ويسأله: من اللجان الشعبية التي تحمي الأحياء، الى الدوريات، الى الجنود عند نقاط التفتيش التي انتشرت في كل مكان. ولا يتضح الهدف من وراء هذا الفيلم، فالمتفرج يخرج بانطباع راسخ انه ينتقد الثورة وما أدت اليه من نزول الجيش واغلاق الطرق وحظر التجوال وما تسبب فيه هذا من متاعب بالنسبة لاناس من الطبقة الوسطى لا علاقة لهم بكل ما حدث- حسب رؤية الفيلم. في السياق يبدو الفيلم نشازا، كما أنه لا يتمتع بالجاذبية، ولا يتوخى الاقتصاد في السرد، بل يتجه، كما أسلفت، الى الاعادة والتكرار والاستطراد بلا هدف.

الجزء المعنون “كعك الثورة” من اخراج خالد مرعي هو عبارة عن مشهد واحد مكتوب جيدا بتفاصيله، يقوم ببطولته الممثل أحمد حلمي بقدراته الكوميدية المعروفة. وهو خياط يعمل في محل في وسط القاهرة، فاجأته احداث جمعة الغضب التي وقع فيها عدد كبير من الضحايا، فأغلق على نفسه الحانوت وأخذ يسجل على جهاز تسجيل عتيق ما يسمعه حوله موجه لمن يدعوه بـ”الحاج” ربما يقصد والده الذي يعتبره مرجعيته فيما يحدث له في حياته دلالة على ضعف شخصيته.
الجو العام مصور بطريقة جيدة جدا: قنابل الغاز وكيف يتنشر غبارها داخل الحانوت، جندي الشرطة الذي يغادر الحانوت ويترك سراويله، اصوات المظاهرات في الخارج، الترزي يظل حبيسا وجائعا، يدخن السجائر، يعثر على بعض الكعك فيتناوله بشراهة.
الحدث يدور في الثاني من فبراير/ شباط، يوم ما عرف اعلاميا بـ”موقعة الجمل” التي هجم فيها عدد كبير من المستأجرين على الثوار في ميدان التحرير لتفريقهم بالقوة وباستخدام الجمال والخيول والسيوف.
استخدام فكرة التسجيل فوق شرائط مسجل عليها مواد أخرى (خطب دعوية، أم كلثوم، قرآن وغير ذلك) هي فكرة جيدة، تثري الفيلم كما تساهم في اضفاء ملامح كوميدية على “المونولوج” الذي يؤديه أحمد حلمي ببراعة لاشك فيها. وفكرة أن يكون الخياط مصابا بمرض السكري وفي حاجة الى الدواء، وكيف انه وهو  “الجبان” الذي لا شأن له بما يحدث، يتحول في النهاية الى الفعل الايجابي مع تطور الأحداث، ويقوم بمساعدة بعض المتظاهرين. وبعد ان كان خائفا من الخروج يقرر الخروج ومواجهة ما يحدث مع من يواجهونه.
ايقاع محكم وتحكم ممتاز في الزوايا والاضاءة والأداء مع شريط صوت ثري للغاية.

تحرير 2-2
مريم أبو عوف أخرجت الجزء التالي بعنوان “تحرير 2- 2”. وهو دون شك من أفضل أجزاء الفيلم، باستثناء المدخل، الذي لم أجد له أي ضرورة درامية ولا موضوعية، ونرى خلاله شخصا يقول لمجموعة من المجتمعين لمناقشة أحداث الثورة، انه سيروي حكاية حدثت في الواقع يوم 2 فبراير، أي يوم “موقعة الجمل، وكان يمكن الاستغناء عن هذا المدخل تماما وتقديم الموضوع مباشرة.
ويركز هذا الفيلم القصير على ما جري يوم “موقعة الجمل” ولكن ليس من خلال الشكل المباشر، بل من خلال قصة بسيطة مصالية في احكامها، تدور في أوساط الأحياء الشعبية الفقيرة بحاراتها الضيقة المليئة بالقاذورات، وشققها السكنية الضيقة الكئيبة، وانعدام الأمل في تسلل بصيص ضوء في حياة سكان هذه الأحياء.
ويصور الفيلم بكثير من البلاغة والبساطة الآثرة، كيف بدأ التحريض ضد ثوار ميدان التحرير في أحياء من هذا النوع في القاهرة، حيث أرسل مندوبو أعضاء الحزب الحاكم، أي حزب مبارك، يستدعون “البلطجية” والمرتزقة المستعدين لبيع أنفسهم من أجل حفنة جنيهات تحت ضغط الحاجة والبؤس الذي يعيشونه، يطلبون منهم المشاركة في تظاهرة مضادة تأييدا لمبارك وفي مواجهة من يصفونهم بكل الصفات القذرة (في الفيلم للمرة الأولى ربما في السينما المصرية، ألفاظ وشتائم من تلك التي تتردد في الأحياء الشعبية كأقذع ما يكون)، كما يتهمونهم بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، بهدف أن “يدخلوا لنا الأمريكان.. عايزين يشيلوا الريس.. مالو الريس..”.
في شقة ضيقة كئيبة من تلك الشقق السكنية التي تتكدس بالأسر المعدمة، نرى امرأة شابة، حامل، لا تجد ما تطهيه لزوجها وأبنائها، تلح عليه أن يجتهد لكي يحصل على مبلغ من المال يكفل لهم القوت اليومي، فيما هو يبرر لها فشله في تحقيق مطلبها البسيط  بالظروف التي تمربها البلد.. لكن سرعان ما يأتيه “بلطجي” من المنطقة يحاول اغراءه مستغلا ظروفه للمشاركة في التظاهرة المؤيدة لمبارك كما يقول له. يعطيه ورقة بخمسين جنيها، ويعده بورقة أخرى مماثلة لها بعد أن ينتهي من المشاركة في “المهمة”.
سعيدا يهرع الى امرأته، يمنحها الورقة ذات الخمسين جنيها، فتنفرج أساريرها، وتهرع على الفور الى السوق لشراء بعض الخضراوات والمواد الغذائية البسيطة وتأخذ في اعداد الطعام في مطبخ شقتها الخانق بين

ما يتضور طفلاها جوعا. لكنها ترفض اطعامهما قبل ان يعود الاب. لكن الاب يتأخر، وتنقضي الليلة وينام الطفلان والزوجة تسقط من الإرهاق والتعب. ولكن الزوج لا يظهر سوى بعد ظهر اليوم التالي وفي يده ورقة الخمسين جنيها ملطخة بالدماء. إنه ينزف من موضع في جسده، وفي الوقت نفسه توجد آثار دماء على ملابسه.
ويقطع تسلسل الحكاية الموحية شاب يروي أحداث تلك الموقعة الدموية التي تسببت في مقتل العشرات واصابة المئات، وينفجر في البكاء في لقطة مباشرة أمام الكاميرا وهو يتذكر ما حدث ذلك اليوم. هذه اللقطة تظهر قبل أن نصل الى نهاية الفيلم وبعد ان يتوجه بطل القصة عاقدا العزم على انقاذ “الريس” من أولاد.. كذا وكذا.. العملاء المأجورين!
وتمزج المخرجة حكايتها بلقطات وشخصيات حقيقية مثل “محمد القصاص” وهو شاهد عيان من ميدان التحرير، يحدثنا عن جانب مما شاهده. توليف الفيلم معا والربط بين المشاهد الدرامية والتسجيلية متقن ويحتفظ بحرارة الفيلم وايقاعه المتدفق دون خطا واحد. والفضل يعود الى سالمة عثمان (المونتاج)
أجواء اضاءة طبيعية متميزة، وتصوير واقعي شديد الصدق في اماكن طبيعية (اسلام عبد السميع)، وشريط  صوت نسمع عليه كل ما يمت لهذه الأماكن بصلة (جمعة عبد اللطيف)، وأداء شديد البراعة والتلقائية والعنفوان من هند صبري في دور المراة الشعبية، ومحمد فراج وآسر ياسين ومحمد ممدوح.
أما الجزء التالي بعنوان “شباك” للمخرج أحمد عبد الله، فربما يكون قد ظلم بسبب كونه يأتي بعد هذا الجزء البديع لمريم ابو عوف.
الفيلم  يحاول أن يكثف لنا دور الانترنت والفيسبوك والتشات، أي وسائل الاتصال الحديثة في الثورة من خلال قصة اعجاب جار بجارته الشابة الناشطة السياسية التي تنشغل بما يجري على أرض الواقع.
أجواء التوتر التي كانت سائدة قبيل تنحي مبارك.. أصوات أزيز طائرات في الجو.. الفتاة تشارك بنشاط  في المظاهرات.. الشاب يقضي وقته أمام جهاز الكومبيوتر.. صمت تام.. فقط صوت تكتكة الكيبورد.. صور ولقطات فيديو عبر شاشة الكومبيوتر.. أغاني الراب المصري التي يهيم بها أحمد عبد الله في محاولة لاعادة انتاج شيء يذكرك بفيلمه “ميكروفون”، انقطاع الاتصالات بالموبيل وشبكة الانترنت، يروي الشاب آنية الزهور في شرفة الجارة الشابة عن طريق مسدس من مسدسات المياه.. وعندما تعود تدرك الحقيقة.. يكون الشعب قد اسقط النظام، ويكون الزرع قد ارتوى بفعل مجهول أصبح معلوما الآن.. وأمام دبابة من دبابات الجيش يلتقيان.
وننتقل الى جزء اطلق عليه “داخلي حارجي” من اخراج يسري نصرالله. هنا يحاول يسري أن يقول لنا شيئا عن الطبقة الوسطى او الشريحة العليا منها، عن طريق تصوير فكرته الأثيرة، أي العلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة داخل تلك الطبقة، من خلال منى زكي التي هي زوجة آسر ياسين، وهي تريد ان تنزل للمشاركة في مظاهرات التحرير بينما يمنعها هو بدعوى ان البلد ليست آمنة، ويغلق باب الشقة التي تشي بالوضع الاجتماعي الميسور، بل ويستدعي “عم عبده” لكي يكوي له ملابسه داخل الشقة.
بطبيعة الحال تأتي السيدة يسرا لكي تزور منى زكي التي تراقب ما يجري عبر التليفزيون مع لقطات تسجيلية من ميدان عبد المنعم رياض وما وقع فيه من اشتباكات بين الثوار والبلطجية يوم موقعة الجمل أيضا، والقاء زجاجات المولوتوف الحارقة على المتظاهرين والسيارات.
قصة الحدث ترويها يسرا بصوتها، تروي عما شاهدته، والمناقشة المحتدمة بين منى وآسر تكشف عن قناعته بما تردد من إشاعات وأقاويل قصد بها تشويه الثوار مثل “الايرانية نصف العارية التي عثر معها على مدفع رشاش كانت تستخدمه في القتل العشوائي للحشود”.
يسرا تلح على منى أن تخرج معها الى التحرير، وفي النهاية تنتصر المرأتان على الرجل.
فيلم بلا طعم ولا لون ولا ايقاع، باهت ومفتعل ويبدو نشازا عن السياق العام، بل والموضوع نفسه لا يستحق عمل فيلم، خاصة واننا هنا أمام مجوعة من “النجوم” المعروفين، يعيدون تسويق أنفسهم من أجل “الثورة” هذه المرة بعد ان كانوا من أجل “الريس” قبل قليل!
الجزء الأخير في الفيلم وهو بعنوان “أشرف سبرتو” من أكثر الأجزاء طرافة وهو من اخراج أحمد علاء، وسيناريو ناصر عبد الرحمن.
هذا نموذج كلاسيكي للفيلم القصيرالجيد: شخصية أساسية مرسومة جيدا جدا (تماما مثل الجزء الذي اخرجه مروان حامد) لحلاق في وسط المدينة يجد نفسه في وسط أحداث الثورة فيتحول تلقائيا الى بطل رغم انفه، يقدم المساعدة للثوار بل ويقوم بعمليات جراحية لاخراج رصاصات من أجسام المصابين.
السيناريو يقدم شخصيات انسانية نابضة بالحياة، الزوجة التي تغضب من سلبية زوجها امام مواجهة أعمال السلب والنهب فتهجره الى منزل والديها.
بائع الصحف الذي جاء يريد أن يحلق شعره وسط هذا الجو الملتهب ثم يصاب بطلق ناري. خطاب مبارك في 1 فبراير الذي أعقبته “موقعة الجمل” في اليوم التالي
تحول حانوت الحلاقة الى عيادة بعد توافد الجرحى عليه ودخول طبيب أو اثنين واضطرار الحلاق الى تقديم المساعدة الطبية، دون اي خبرة سابقة.
كلمة عمر سليمان التي يعلن فيها تنحي مبارك، ثم عودة الزوجة الى زوجها وعلامات الحمل تبدو عليها.
والملاحظ ان معظم هذه المجموعة من الأفلام القصيرة تدور في بيئة شعبية، باستثناء فيلم او اثنين منها. والملاحظ ايضا أن معظمها يستعين بلقطات مسجلة من قناة الجزيرة الفضائية لأحداث الثورة المصرية، وهو تأكيد لاشك فيه على الدور البارز الي قامت به هذه القناة في نقل الاحداث.
ويغلب الطابع الكوميدي أيضا على معالجة عدد لا بأس به من تلك الأفلام مع ميل الى المزج أحيانا، بين السرد الواقعي وبين الطابع الكاريكاتوري (قصة الترزي وقصة أشرف سبرتو مثالا).
المحصلة النهائية ايجابية، لأننا أمام عمل استهلم بسرعة من قلب الأحداث التي لاتزال ساخنة، غير ان المؤكد أن أحداث الثورة المصرية ستقتضي مرور بعض الوقت قبل أن تصبح الرؤية ناضجة لتقديمها في عمل سينمائي يكون أكثر صمودا في وجه الزمن.


إعلان