يسري نصر الله : من أجل سينما جديدة بعد الثورة
بعد الإعلان عن إختيار مصر كضيف شرف فى الدورة ال64 من مهرجان كان السينمائي الدولي والاحتفاء بثورة 25 يناير بعرض فيلم “18 يوم” الذي أخرجه عشرة مخرجين، شُنت حملة هجوم شرسة على صناع الفيلم، وخرجت بيانات وقع عليها عدد كبير من السينمائيين يرفضون فيها أن يمثلهم هذا الفيلم في مهرجان كان، وأن من أنجزوه يستعملون الفيلم كوسيلة لغسل ما علق بسمعتهم زمن النظام السابق.
المخرج يسري نصر الله، يأتى فى مقدمة العشرة مخرجين، والذى قام بإخراج فيلم بعنوان “داخلى خارجى”، أبدى اندهاشه الشديد من تلك الحملة الشرسة، والتى إعتبرها غر مبررة..
* كيف بدأت تجربة عمل فيلم “18 يوم”..؟
يوم 29 يناير – وهو اليوم التالي لجمعة الغضب- وأثناء تواجدنا في ميدان التحرير، طرح المخرج مروان حامد فكرة عمل عشرة أفلام روائية قصيرة على طريقة تجربة الفيلم الفرنسي الشهير “أحبك باريس”، ويتم تجميعها وعرضها على موقع اليوتيوب عبر الإنترنت.. وقد تحمست جداً للفكرة، وبدأنا في إجراء اتصالات مع بعض من أصدقائنا، إلى أن اتفقنا مع مجموعة من المخرجين ممن كانوا معنا في ميدان التحرير مثل كاملة أبو ذكرى ومحمد على وأحمد عبد الله، وكان المخرج شريف عرفة مرابط في التحرير، وأخبرنا انه يصور حلقات من مسلسل “لحظات حرجة”، حيث كان يصور رد فعل المختلين عقليا في المسلسل تجاه ما يحدث، كل يوم من أيام الثورة منذ أن بدأت، واقترح علينا عمل Down Edit للفيلم بعد الانتهاء من التصوير.
ومع الوقت بدأ كل مخرج منا تصوير فيلمه بطريقته الخاصة وبشكل مختلف، الكل بكاميرا صغيرة، وكان كل مخرج حر تماماً في اختيار الموضوع الذي يناسبه، والالتزام الوحيد هو ألا تزيد مدة الفيلم عن 13 دقيقة، وفى النهاية تصل مدة الفيلم إلى ساعتين. أثناء التصوير كان معنا ممثلين ومصورين معروفين، بينما مخرج مثل شريف عرفة اعتمد على هواة في فيلمه.

* فيلم “18 يوم” عشرة قصص، الرابط الوحيد بينها هو ميدان التحرير، كيف تم الربط بين تلك الأفلام؟
عندما شاهدت الأفلام كاملة، شعرت بشيء غريب، وهى أن كافة الأفلام وبدون قصد، تتحدث عن الإحساس بالخنق والضيق، عندما نزل أصحابها إلى التحرير.
التيمة المشتركة والرابط الوحيد بينها، هي أن القصص متشابهة ومترابطة بدون قصد، خاصة وأننا نتحدث عن أشياء حدثت حول الثورة، مثل الكثير من الناس الذين كانوا يخافون النزول إلى الشارع، وكانوا يفضلون المكوث في منازلهم.. والرجل الذي كان يرفض نزول زوجته أو ابنته إلى ميدان التحرير، ورجل آخر يعمل في محل “تارزي”، كان يفضل الاختباء، وكان لديه اعتقاد أن إسرائيل هي التي قامت بالهجوم على مصر، إلى أن يكتشف أن مبارك هو الذي رحل..
باختصار شديد العشرة أفلام تلخص حالة النشوة والرغبة في الأسئلة التي كانت تشغل أذهاننا طوال الوقت. لكن في نفس الوقت الأفلام مختلفة تماماً، فمثلاً تجدين فيلم يتحدث عن “بلطجى” زوجته حامل، ويتركها وينزل الشارع لتأييد مبارك.
* ماذا عن فيلمك “داخلى خارجى”..؟
الفيلم يحكى عن علاقة زوجية مهددة بالتفكك لأن الرجل خائف على زوجته، وهى لديها رغبة في النزول إلى ميدان التحرير، بينما هو يرفض.
* وكيف تم اختيار الفيلم للمشاركة في مهرجان كان هذا العام..؟
عندما كنت في ميدان التحرير،أجريت مقابلة مع الإذاعة الفرنسية، وتحدثت فيها عن الفيلم، – وذلك نهاية فبراير- وقلت إننا عشرة مخرجين قمنا بعمل عشرة أفلام روائية في ميدان التحرير، فعندما سافرت إلى باريس تحدث معي مدير مهرجان كان، وطلب منى مشاهدة هذه الأفلام، لأن المهرجان هذا العام يفكر في تنظيم احتفالية خاصة بمصر، وبعد ذلك قامت ماجدة واصف بمشاهدة الفيلم، باعتبارها مندوب “كان” في مصر، وبناءً عليه تم اختيار الفيلم، مع فيلم “صرخة نملة” وفيلم “البوسطجى” و”أسماء” للعرض في احتفالية مصر.
* بعد الإعلان عن مشاركة فيلم “18 يوم” في مهرجان كان هذا العام، والاحتفاء بثورة مصر، تعرض الفيلم وبعضاً من مخرجيه وتحديداً – شريف عرفة ومروان حامد- لحملة هجوم شرسة، خاصة وأن الكثير رفض أن يغسل هؤلاء المخرجون سمعتهم من النظام السابق بمشاركتهم بفيلم عن الثورة في مهرجان كان… ما تعليقك..؟
بداية، مروان حامد كان معنا في ميدان التحرير منذ اليوم الأول.. وشريف عرفة كان يصور منذ اليوم الأول في الثورة. وأنا لن أتحدث عن عمارة يعقوبيان لمروان حامد، ولا أفلام شريف عرفة التي كانت معارضة للنظام السابق، لكنى أريد التحدث عن شيء بسيط، : هل ما يتحدثون عنه الآن، ألم يحدث منذ ستة أعوام مضت؟ وتحديداً في عام 2005، وهو نفس العام الذي كان فيه صحف معارضة وصحفيين مهاجمين ومعارضين دائماً لمبارك. هؤلاء الناس ظلوا نائمين ستة أعوام، وبعدها استيقظوا فجأة بسبب الفيلم..!! وأقول لهم، لماذا لم تهاجموا شريف عرفة ومروان حامد في وقتها..؟ كان من الممكن أن تقولوا هذا الكلام ويتم الهجوم وقتها.
ولدى سؤال: لماذا بدا الهجوم على المخرجين بعد معرفة مشاركة هذه الأفلام وعرضها في مهرجان كان؟ وأعتقد أن من صنع هذه الأفلام مخرجين لهم أسماء وتاريخ، ولم يتم انتخابهم من ميدان التحرير أو ميدان الرمل في الإسكندرية أو ميادين السويس وأسوان، لكي يكونوا ممثلين للسينمائيين في مهرجان كان؟ المفترض أن نتحدث عن سينمائيين كانوا يحلمون بعمل فيلم عن الثورة ونجحوا في عملهم برغبة واندفاع.
وكون أن حظنا الحسن أو حظنا العسر أن يتحول ذلك إلى يوم لتكريم مصر وثورتها، فهذا شيء يخص مهرجان كان، ولا يخص المخرجين.

* ما رأيك في البيانات التي وقع عليها عدد من السينمائيين ضد مشاركة الفيلم في المهرجان؟
نحن مخرجون أو سينمائيون شاركنا في حدث هام مثل مهرجان كان، فبالتالي أصبح هناك اهتمام ضخم جداً بمصر وثورتها. وبالتالي كيف يأتي أحد ويقول لي أنت لا تمثلني..!! كيف هذا؟ في النهاية ، أنا لا أمثلك سلطة على غيري، أنا أمثل نفسي وأشعر أنني في داخلي أمثل مصر.
وفيما يتعلق بالبيانات، فإن معظم الذين هاجموني ووقعوا على البيانات أصدقائي وأعرفهم جيدا واحترمهم، وهذا أمر غريب.
وهناك شيء مهم وهو انه لا يوجد أحد منع أي مخرج من أن يقوم بإنجاز فيلم عن الثورة أو في الميدان.. ولم يمنعهم أحد من إرسال أفلامهم إلى المهرجان.
* هل هناك احتمال من تحويل فيلم “18 يوم” إلى 35 مللى وعرضه في دور العرض التجارية في مصر، و أوروبا..؟
هذا ما سوف نحاول عمله خلال الفترة المقبلة. فعندما عرف الجميع أن الفيلم سوف يعرض في مهرجان كان، أصبح هناك اهتمام تجاري كبير بالفيلم، داخل وخارج مصر، فقمنا بتشكيل جمعية من كافة فريق العمل بالفيلم مصورين ومخرجين ومؤلفين مثل : بلال فضل، ناصر عبد الرحمن، تامر حبيب، عباس أبو الحسن، بهدف معرفة ماذا سنفعل بالأموال التي سنحصل عليها من الفيلم، وقررنا أن تذهب بأكملها إلى جمعيات أهلية ومشروعات تنمية وتعليمية.
وأحد الأفكار المطروحة هي أن نضع هذه الأموال تحت تصرف جمعية أهلية لديها رغبة في تعليم الناس في الأقاليم كيف يستخدمون الكاميرا وعمل مونتاج، هذا بالإضافة إلى أننا سوف نعطى دورات تدريبية في السينما، ونزودهم بكاميرات، وتسيير قوافل لمحو الأمية، بالتعاون مع جمعيات أهلية أخري.
لا توجد أية جهة حكومية ساعدتنا في إنتاج هذا الفيلم، لا في مصر ولا خارجها. الفيلم تم إنجازه بجهود ذاتية تماماً، وأغلبية المخرجين تحملوا تكاليف أفلامهم مثلما فعلت مريم أبو عوف، بالإضافة إلى كافة شركات البوست برودكشن، وإستديو مصر، أعطونا كل إمكانيات الصوت والميكساج والمونتاج بدون مقابل، وكلهم أعضاء في الجمعية..
* “سبوبة أفلام الثورة” هو مصطلح خرج أثناء وبعد الثورة… ما رأيك فيه..؟
لا أعرف لماذا الناس مشغولون كثيراً بما يسمى “بالسبوبة” في الوقت الذي يجب فيه على كل مخرج أن يبدأ في البناء وإنتاج أفلام.. وليس شرط أن يصنع فيلماً عن الثورة، لكن من المفترض أن يقدم فيلماً عن تجربته التي عايشاها خلال الثورة..
والمدهش أن يأتي أحد ويقول أن الأفلام الكوميدية سوف تنتهي بعد الثورة.. هل هذا معقول..؟ لذلك أرى أن الأفلام الكوميدية سوف نحتاجها خلال الفترة المقبلة.
* هل مضمون الأفلام وخريطة الإنتاج السينمائي سوف تتغير بعد الثورة؟
بالتأكيد، لأنك كصانع فيلم سوف تبدأ في إنجاز أفلام يكون مضمونها قوي، ولأنه هناك أزمة.. بالتالي سوف يكون هناك دور أكبر للسينما الخفيفة ذات الإنتاج قليل التكلفة.
* هل تتوقع زيادة في حجم الإنتاج..؟
متوقع أن يكون هناك مساحة أكبر للسينما المستقلة مثل فيلم “ميكرفون” وغيرها هذا النوع من المتوقع أن يزيد وسوف يكون عليها إقبال كبير.. إنما أساساً أن السينما كانت في أزمة عظيمة قبل الثورة. لأنك تجدين الخليج دائما يفضل الفيلم الهندي عن الفيلم المصري.. والبلاد العربية التي تعيش في حرب أهلية ولا تأخذ أفلامك، فبالتالي السوق السينمائي الداخلي في مصر، يتم خنقه طوال الوقت أكثر من المرات السابقة.
فمثلا قبل الثورة كان لدى فيلمان، وأتمنى إتمامهما في أقرب وقت، تم تأجيلهما، لأني أتمنى إخراج فيلم من نوع خاص، اليوم أمامنا مشاكل وأسئلة يطرحها علينا الواقع والمجتمع،أرغب في تناولها. كما أنه بات من السهل إيجاد صيغة مختلفة لطرح قضية معينة مثلما فعلت من قبل في فيلم “المدينة” ومثلما فعل أيضا أحمد عبد الله في فيلم “ميكرفون و”صبيان وبنات”.
وأعتقد أن حاجز الخوف انكسر، بعد الثورة.. فأصبحت هناك إمكانية في العمل بطريقة مستقلة، بعد أن نجحنا في احتضان العالم الذي كان يصيبنا بالرعب والخوف، وهو ما كان يظهر أثناء التصوير.

* بعد تمثيل مصر في مهرجان كان هذا العام، هل تتوقع أن يتم فتح سوق جديد للسينما المصرية في العالم وتحديداً في أوروبا..؟
الآن لدينا فرصة ذهبية، لأن كل أنظار العالم متجهة ناحية الشرق الأوسط ومصر على وجه الخصوص، فسيكون هناك فضول لمعرفة ماذا يحدث في مصر خاصة بعد الثورة. ولذلك أتوقع أن إنتاجنا الأدبي والسينمائي سوف يزيد.
* الثورة تؤسس لمنظومة قيمية جديدة .. على رأسها تذويب الفوارق الطبقية.. فهل ذابت في رأيك ؟؟
لا.. بل إنها ذابت أثناء الثورة.. عندما تذوب تلك الفروق الطبقية والدينية والجنسية..؟ سنتذوق فعلا طعم الحرية واللذة في الحياة. فعندما نتحدث عن موضوع في إطار منظومة القيم ومنظومة مليئة بروح التمرد، والمساواة، وتكون أفلامنا خارجة من هذا المناخ يصبح هناك جمهور عريض جداً بالتأكيد سوف يفهمك.
* هناك تخوف من سيطرة التيار السلفي والذي بات امتداده يثير الرعب على الفن والسينما والمجتمع المصري بأكمله..!
(يقاطعنى..) هل اكتشفنا الآن وجود التيار السلفي في مصر..؟ هل أصبح صوته الآن عاليا؟ أنا ممن عايشوا فترة الشيخ كشك، في فترة الثمانينات، والتي كان يتم فيها حرق وجوه الفتيات غير المحجبات بمياه النار، وحرق نوادي الفيديو، ورمى قنابل الملوتوف في المقاهي بالإسكندرية وغيرها.. كل هذه أحداث موثقة..
فيلم مرسيدس 1993، يظهر فيه وجود السلفيين. والحقيقة أنهم موجودون طوال الوقت، لكن كان مقفولا عليهم.
وطبيعي جداً بعد الثورة أن نشاهد كل هذه الأشياء التي كنا نشعر بها من قبل وكانت تحدث بشكل دائم مثل الأحداث الطائفية وغيرها، ويتم حلها بأمن الدولة، وليس بتضافر جهود المجتمع. بعد الثورة يجب أن تتغير طريقة التعامل مع تلك المشاكل.
* منذ فترة صرح سامي الشريف، رئيس إتحاد الإذاعة والتليفزيون من أنه سوف يقوم بحذف كافة القبلات والأحضان في الأفلام التي ستعرض علي شاشة التليفزيون المصري..ما تعليقك..؟
لم تكن هناك قبلات ولا أحضان في الأفلام التي كان يعرضها التليفزيون المصري، لا قبل الثورة ولا بعدها، لأن أفلام زمان مقصوصة ومراقبة. وفى رأيي هذه أفلام تشوه ذاكرتنا عن الماضي، وهذا يعنى أن أفلام زمان كانت أجرأ بكثير من أفلام اليوم.
فيلم “باب الشمس”، على سبيل المثال، يعرض حالياً على شاشة التليفزيون المصري مقصوص، وكذلك فيلم “المدينة”. وربما جاء تصريح الشريف، لرغبته في أن يحل مشاكله مع العاملين معه بالتليفزيون ويحاول إرضاءهم بما قاله، فنجده يقول تصريح ليس له وجود لمجرد انه يحاول مجاملة الإخوان والسلفيين..
* ما رأيك في إلغاء الرقابة على الأفلام..؟
أنا مع إلغاء الرقابة على السيناريوهات فقط… بمعنى أنى كمخرج لست مضطرا إلى أن أقدم نص السيناريو للرقابة لكي آخذ موافقة للتصريح بالتصوير. لكن من حقي أن أصور فيلمي بالطريقة التي أريدها، وبعدها تضع الرقابة شروطها على الفيلم من خلال تصنيفه، مثل: ممنوع لأقل من 18 سنة.
وإذا أراد التليفزيون قص الفيلم لعرضه، فلديه عدة حلول، إما أن يعرض الفيلم كاملا متكاملا في وقت متأخر، ويكتب على شاشة قبل عرض الفيلم: انه تم حذف بعض المشاهد من الفيلم لكي يتناسب مع الأسر المصرية، مع معايير التليفزيون.
لكن لا يأتي الرقيب ويطلب منى قص الفيلم لكي تكون معايير الفيلم فنية.