بلغاريا حين لاتعود إلى رشدها

“وداعا يا أمي”.. فيلم بلغاري جديد

قبل أن نقول شيئا ، ومهما كان يحمل في طيّاته هذا الشيء، سوف نمرّر فرضية مفادها  أن الفيلم الفضائحي لـ / ميشيل بونيف سوف يقود جمهورا غفيرا إلى الصالات حتى من دون أن يكون مرتبطا بقيمته ومستواه الفني الهابط .
 ببساطة، فإن الإنتاج البلغاري – الايطالي المشترك زاد الصخب كثيرا من حوله في الآونة الأخيرة، لارتباطه بسلسلة من الفضائح والاتهامات التي ستدفع بجزء كبير من المشاهدين لمعرفة ما يدور من حوله، أو كما يقال بطريقة مداورة هنا إن ” أسوأ إعلان هو الإعلان نفسه”.

ملصق الفيلم

( وداعا ياأمي) فيلم  ثقيل ومكرب، وعاطفي جاف، ولكنه استفزازي بامتياز، وصعب أن يترك مشاهديه غير مبالين، ومن المؤكد أنه سيقسم رأي الجمهور فيه بسهولة بين ما هو سلبي وما هو ايجابي أو العكس؛ ولكن ثمة احتمال 1 % أن يكون من بين هذه الآراء  من هو محايد تماما. الفيلم يسلط الضوء بقوة على الصراع الحتمي بين الأجيال، وهو يدرس العلاقة بين الآباء وأبنائهم ( الأم وابنتها في هذه الحالة )، وربما سار كل شيء على ما يرام، لو أن ( وداعا يا أمي) انتمى إلى السينما التقليدية التي تنتقل من الخير إلى الشر بطروحاتها بسهولة ويسر.
 ولكن هذا ما لا يتوافر عليه الفيلم، فالشخصية الرئيسة فيه هي “ميشيل بونيف” ( تلعب دور الأم )، وهي تظهر هنا على أنها نقيض مطلق لتصوراتنا عن الأهل، وهي تجمع بداخلها صفات على غاية في السلبية لا يمكن أن نتصورها في العالم الواقعي.
 هنا يمكن أن نشير بهدوء إلى مشهد معين من الفيلم تعود فيه فتاة لم تفطم بعد من مدرستها بعلامات منخفضة، فتقوم الأم بتعريتها، وتعرضها لمياه دوش بارد، وتتركها على الشرفة عارية تتعرض لأحقاد فصل الشتاء طوال الليل كعقاب لها على تقصيرها في واجباتها المدرسية.
في ملمحها على الشاشة ليس ثمة ما يدل على عاطفة أو حب إنسانيين، أو أي عاطفة ايجابية يمكن لها أن تدفع بقبول فيلم ( وداعا يا أمي )، أو تعطينا إمكانية التسليم بكونها قصة عادية .. يكفي أن تكون قد رويت من قبل في كلاسيكيات “فيكتور هيغو”، أو باعتبار أننا نتحدث عن نتاج بلغاري – إيطالي مشترك، فنتلمس لها عذرا  في أدب “ادموند دي اميتشيز”.
نعم في نهاية المطاف، نحن هنا أمام فيلم  ينطوي على سيرة ذاتية لمخرجته وممثلته الرئيسة، بالتزامن من خيار “ميشيل بونيف” التي فضلت أن لا تؤدي الشخصية المنوطة بها، بل شخصية أمها، وهو ما يمنع ويزعج حين نقف أمامه مضطرين ونشعر بأننا مجبرين على فعل ذلك.
ومن المؤكد أن كل الأسماء الواردة فيه من “تاتيانا لولوفا”، “مارتا يانيفا”، “ناديا كوناكتشييفا”، “يوليان فيرغوف”، كانت رائعة على مستويات الأداء، وهذا ينطبق بقوة على “ميشيل بونيف” إلى حدّ كبير، ولكن حتى المشهد النهائي لم نتمكن من التخلص من الانطباع بأن القوة الدافعة الرئيسة فيه تكمن ليس في إنشائه كقيمة سينمائية، بقدر الشياطين التي تقيم وتهجع في روح طفلة لم تفهمها أمها أبدا .
وإذا ما تمكن مشاهدو هذا الفيلم من الانعتاق من أي تحيز مرتبط بسيرة “ميشيل بوينف” الذاتية، فعلى الأغلب، إن ( وداعا يا أمي) سوف يهزهم من الداخل ويعجبهم، أو العكس تماما، ولكنه في مطلق الأحوال لن يتركهم غير مبالين.

 

لقطة من الفيلم

ميشيل بونيف : أنا ممتنة لـ”بيرلسكوني”
مقارنة بشهرتها في إيطاليا حيث تقيم وتعمل منذ سنين، اليوم تقف “ميشيل بونيف” بين أكثر الشخصيات شهرة في بلغاريا بعد أن كانت اسما مجهولا حتى وقت قريب .
في أواخر العام 2010  ذاعت فضيحة تمويل مشروعها الإخراجي (وداعا يا أمي) و شملت سفر وفد من طاقمه الفني لعرضه في مهرجان فينيسيا، وأن ” تثمينه ” من المهرجان جاء تقديرا لجهود امرأة فيه، وبدا واضحا حينها أن علاقات “بونيف” مع رئيس الوزراء الإيطالي “سيلفيو بيرلسكوني” هي السبب في قبول عرضه في المهرجان، الأمر الذي ما دفع إلى إقالة رئيس المركز السينمائي البلغاري “ألكسندر دونيف” الذي صرف مبلغ 300 ألف ليفة ( العملة المحلية ) عليه بالرغم من أن الشريط لم يحصل على التأهيل الفني الضروري من أجل حصوله على التمويل .
وزير الثقافة الإيطالي “ساندرو بوندي” الذي حيّا بإسم الحكومة الايطالية “بونيف” وعد أيضا بالاستقالة من منصبه بسبب اتهامات طالت فيلم (وداعا يا أمي) وقيامه هو شخصيا بتأمين صرف مليون يورو من الخزانة الحكومية بغية تحقيقه.
يذكر أن الفيلم انطلقت عروضه قبل شهر في الصالات البلغارية، وهو يحكي  كما بات معروفا عن الجانب السيئ في علاقة أم بإبنتها، أو كما تعترف هي في نهاية المطاف بأن الفيلم يحكي في الواقع مأساتها الشخصية.

(وداعا يا أمي) فنّ هابط
كتب “بوجيدار مانوف” في صحيفة ( 24  ساعة) اليومية البلغارية عن الفيلم قائلا إنه نموذج متطرف وصارخ للفن الهابط، وأضاف إنه يأمل ألا يشكل هذا التعبير إهانة إلى بعض الانجازات الصادقة لهواة الفن، فالفيلم عموما لا ينتمي حتى إلى بعض نتاجات الموسيقى الشعبية، فهي مهنية حتى حين تكون هابطة.

وقال “مانوف” بوصفه عضوا في اللجنة الفنية المركز السينمائي البلغاري، إنه أوصى برفض المشروع جملة وتفصيلا حين تقدمت به “بونيف”، حتى أن اللجنة المؤلفة من تسعة أشخاص من نفس المركز أوصت أيضا برفضه، وبعد ذلك قامت لجنة من التلفزيون البلغاري بالمطالبة بعدم تنفيذ المشروع .

   بيرلسكوني.. بيرلسكوني
أراد “بيرلسكوني” من وزير ثقافته شخصيا أن يحصل فيلم (وداعا يا أمي) للبلغارية “ميشيل بونيف” على جائزة ما في مهرجان “فينيسيا”..كتبت صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وهو الأمر الذي دفع بالسلطات الايطالية لاحقا لتعقب “بيرلسكوني” نفسه في قضية المخرجة والممثلة البلغارية “بونيف.
 وهذا التعقب الجنائي يجيء على خلفية صرف مبلغ 400 ألف يورو من المال الحكومي بغية استضافتها هي والوفد المرافق لها   (40 ممثلة وممثل وفني بالإضافة إلى وزير الثقافة البلغاري) وحصولها على جائزة خاصة بها كما أشارت الصحيفة البريطانية.
أساس هذا التعقب كما تقول الصحيفة مبني على مكالمة هاتفية بين “بيرلسكوني” ووزير ثقافته دار من حول السينما، وتحديدا حول بونيف وفيلمها (وداعا يا أمي).
و”بونيف” التي توصف بصديقة شخصية لـ “بيرلسكوني” حصلت حينها على جائزة بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس الاتفاقية الأوروبية الخاصة بالدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان. وقامت محطة ( راي ) التلفزيونية بشراء حقوق عرض الفيلم مقابل مبلغ وصف بالطائل والكبير.


إعلان