أفلام سوريّة جديدة في قائمة الإنتظار..

فيما تراجع القطاع الخاص السوري في ظل الأزمة القائمة عن مجرد التفكير بإطلاق فيلم سينمائي جديد، متجاهلا معظم وعوده السابقة عن كرة الثلج السينمائية السورية التي تكبر، وبدا معها وكأنه في سبات اختياري، طيع، ومقبول من الجميع، طالما أن ليس لديه حتى هاجس تسويق منتج لا يقع عليه أصلا، كما هو حال تسعة وعشرين مسلسلا سوريا، ينتظر أصحابها ومنتجوها أن يحجزوا لها أمكنتها على الفضائيات العربية، التي تبدو متمهلة حتى اللحظة في اختيار بعضها أو معظمها كما تفترض الدورة الرمضانية المقبلة.
وماعدا ظهور فيلم (القرار) للمخرج/ فيصل بني المرجة في مرحلة سابقة، أقله منذ نشوب الأزمة، فإنه ليس هناك في جعبة هذا القطاع، ما يفيد ويجدي في هذه المرحلة الصعبة.
في المقابل، وعلى جبهة القطاع الحكومي، تبدو السينما السورية – ظاهريا – في حال أحسن، فحاليا، وبنفس الوقت تدور كاميرا فيلمين روائيين طويلين، هما (العاشق) لعبد اللطيف عبد الحميد، و(هوى) لواحة الراهب، فيما سافر المخرج/  غسان شميط إلى أوكرانيا لتنفيذ مشهد العاصفة البحرية هناك بصبحة تقنيين وفنيين أوكرانيين كانوا حضروا إلى مدينة “اللاذقية” السورية وشهدوا تصوير معظم أحداث الفيلم في وقت سابق.

المخرج السوري /عبد الطيف عبد الحميد

الأفلام الثلاثة هي من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في دمشق، واثنان منهما ينتميان إلى الأفلام المقتبسة عن الأدب، والثالث كما يمكن أن يفترض أي قارئ هنا يعود إلى عبد الحميد، الذي لا يتوقف عن كتابة أفلامه هو بنفسه، منذ أن دأب على إخراجها بعد تخرجه من موسكو.

وقد لا يجد المشاهد أو القارئ عناء في معرفة ذلك؛ فـ “عبد الحميد” يعود هذه المرة إلى سيرته بفيلمه الجديد مع تقدير أنه يمكنها أن تحاكي سيرته الذاتية في مكان ما، وأن تحاكي سير آخرين في أمكنة أخرى، فإنه أي “عبد اللطيف” قد لا يخرج عن حظوظ السياقات الروائية التي عهدناها عنده، بما يكفي القول إنه لا يشذ عن قاعدة أفلامه السابقة، حين قام بكتابتها وإخراجها، وإن لجأ إلى إستشارات فنية وجد فيها ضالته – سينمائيا – عند “حسن سامي اليوسف”.

في فيلم (هوى) تبدو الصورة مقلوبة تماما، فنحن هنا نقف على رواية للكاتبة السورية “هيفاء بيطار”..رواية ضخمة تقول عنها الراهب في مكان آخر؛ ربما لم تكن حظوظها السينمائية واضحة بالمقدار نفسه الذي تطلبته عملية تحويلها إلى نص سينمائي مكتمل، بكتابة من “رياض نعسان آغا”.

المخرج “شميط” برفقة مصوّره الأوكراني في لقطة عمل من فيلم “الشراع والعاصفة”

الرواية في خطوطها الأساسية تملك معنى ومبنى تلفزيونيين واضحين، وربما هذا أعاق المخرجة السورية  في عملها الروائي الثاني، من تحويرها بالمعنى السينمائي الذي جنحت إليه في معالجتها لها؛ ما يقال في هذا السطور يبدو مناسبا تأجيله إلى حين الانتهاء من الفيلم، فليس كل ما يرشح من الرواية الأدبية مناسب لأخذه إطارا عاما لفيلم ما يزال في طور تصويره، فقد تنحو الراهب فيه نحوا مناسبا، فهي حين تقول إنها أمكنت نفسها من كل كلمة وردت فيها، حتى أنها وجدت بعض ضالتها في كلمات شكلت مفاتيح هامة في قراءتها، بما يكفل تحقيق  فيلم روائي مقتبس عن رواية أدبية سورية، ربما تخفف من سوء الاقتباسات والمعالجات السينمائية السابقة لروايات أخرى مثل (حسيبة) للروائي خيري الذهبي، مع أنها واحدة من أفضل أعماله الأدبية، وغيرها بالطبع من روايات آثرت المؤسسة العامة للسينما أن تقتنيها في أوقات سابقة ولم يسعفها الحظ  بأن تشكل قفزة في هذا الفراغ الأدبي المحيط بالسينما السورية ما يدفع إلى القول إن المشكلة تكمن في اختيار هذه الأعمال لتشكل قاعدة لأفلام جديدة، لا ينجو منها إلا كل من وضع قاعدة خاصة بفيلمه لا تشذ بدورها عن قاعدة سينما المؤلف حيث يجد المخرج خيارات أفضل كتابيا وإخراجيا، وهذا ما لم يتحقق لروايات سورية جيدة، يمكن بالتالي اقتباسها والعمل عليها لترى النور على الشاشة الكبيرة.

في المقابل يجيء فيلم (الشراع والعاصفة) لـ/غسان شميط، المقتبس عن رواية للأديب السوري “حنا مينة” ليشكل ميلانا في القاعدة الإنتاجية المتبعة هذا العام نحو الأدب بما يكرسها، وإن تردد أخيرا أن المؤسسة رفضت مشروع سيناريو عن رواية (الأبدية ويوم) للكاتب السوري “عادل محمود” تقدم به المخرج/ ريمون بطرس. كتب سيناريو فيلم (الشراع والعاصفة)  “وفيق يوسف”، ليشكل خروجا عن القاعدة،  من حيث الشكل على الأقل إلى حين الانتهاء من تصوير مشهد العاصفة البحرية المكلف في استوديوهات مدينة “يالطا” المطلة على البحر الأسود، وهو ربما يكون المشهد الأكثر كلفة في تاريخ السينما السورية (عشرة ملايين ليرة سورية)، وهو ما دفع المخرج “شميط” للقول في وقت سابق، إنه سيتوخى الحرص في خياراته المستقبلية، على أن لا يقع على قصص وروايات تجيء على كلفة عالية، لا يمكن للسينما السورية في ظروفها الحالية أن تنهض بها، إذ سبق للفيلم أن تأجل تصويره مدة عامين، بسبب هذه العاصفة، التي هبت واحدة أقل منها شأنا على ديكورات الفيلم في مدينة اللاذقية واقتلعت ديكورات ضخمة تقدر بالأطنان، ما دفع “شميط” إلى التفكير مليا، والاستنتاج أن لا إمكانيات في ظل الظروف الحالية لإنجاز كل ما يفكر فيه المرء، فالعواصف البحرية تتطلب قدرات وإمكانات غير متوفرة، وبالتالي يصبح الاستغناء عنها هو القاعدة الذهبية، لا الإستثناء.

المخرج السوري “غسّان شميط”

إذن، نحن نقف في المعمار السينمائي السوري الجديد أمام ثلاثة أفلام حتى اللحظة، جميعها كما أسلفنا من إنتاج القطاع العام السوري، وبإنتظار أن يفرج القطاع الخاص عن مفاجآت لا تبدو في الأفق على أية حال، فقد انكمشت كرة الثلج لديه، ولم يعد بوسعها أن تتدحرج صعودا أو هبوطا، بإنتظار أن تحل سيور الأزمة الناشبة حاليا، فليس مضمونا في مثل هذه الحالة إذكاء نار رأس المال المعقود لهذه المهمة الصعبة، والأهم من كل ذلك، هو أن تفكير القطاع الخاص بجدوى السينما السورية الجديدة، لم يزل بمرحلة فطام معلول ونهي ليس بوسع القائمين عليه الإلتفاف من حوله وعليه ليسهموا مع الجميع بانتشال هذه السينما، كما يفترض، وتفترض الأزمة التي ترخي بظلالها على الأفلام التي تصور حاليا من دون أن يعني ذلك أن ثمة مساحة لها فيها.

تجدر الإشارة هنا في المقلب الآخر إلى أن الممثل السوري “نضال سيجري” قام أخيرا بإخراج فيلم تلفزيوني بعنوان (طعم الليمون)، عن فكرة لـ/ حاتم علي تعرض لزيارة “أنجلينا جولي” لسورية في أوقات سابقة، وسيناريو “رافي وهبي”، وهو من إنتاج الهيئة العامة للإنتاج في التلفزيون السوري، وقد بدأت عروضه الجماهيرية مؤخرا في صالات كندي السورية، ما يدفع إلى  القول إننا نقف هنا في الوسط أمام هوية ملتبسة لفيلم جديد، يقول عنه صاحبه إنه فيلم تلفزيوني، ولكنه يعرض في صالات سينمائية.

على أية حال مشاهدة واحدة للفيلم ستكفي لحسم مسألة الهوية، وإن بدا أن هذا الأمر لا يشغل كثيرا بال صاحبه “سيجري”.


إعلان