وثائقي عن ألاعيب السلطة لحجب الحقائق

يحيلنا تعاطي الإعلام السوري مع الأحداث في سورية إلى فيلم بعنوان 9/11 Press for The Truth إنتاج وإخراج/ دان ديكز، والذي عُرض على قناة “الجزيرة الوثائقية” أكثر من مرة تحت عنوان “11/ 9 من أجل الحقيقة”.
 ويمكن ترجمة العنوان بـ “صحافة من أجل الحقيقة” لكن مضمون الفيلم يدل على أن الترجمة الأفضل هي “11/9 الضغط باتجاه معرفة الحقيقة” أو “الدفع لكشف الحقيقة”.

 فعندما بدأت الانتفاضة السورية في مدينة “درعا” قال التلفزيون السوري إن الذين خرجوا إلى الشوارع إنما خرجوا لأداء صلاة الاستسقاء بعد انقطاع المطر لفترة طويلة وليس للاحتجاج على الأوضاع المعيشة القائمة والمطالبة بالحرية بعد نحو نصف قرن من الاستبداد الذي عاشوه في ظل حكم البعث ودولة المخابرات.
وأن المشاهد التي سربت إلى وسائل الإعلام عن تعذيب أهالي قرية “البيضاء” التابعة لبلدة “بانياس” إنما هي مشاهد من شمال العراق، وأن الجنود الذين يعذبون الأهالي هم من قوات “البشمركة” وليس عناصر من المخابرات السورية.

 وأن القتلى الذين يسقطون خلال التظاهرات إنما يسقطون بنيران “مندسين” من “العصابات المسلحة” أو”التنظيمات الإرهابية المسلحة” وليس برصاص أجهزة الأمن أو الشبيحة… وعلى هذا النحو تسير “تغطية” الإعلام السوري للحدث المحلي، وذلك في مواجهة تغطية “القنوات المغرضة” مثل “الجزيرة”، و”العربية”، و”البي بي سي”  و”فرانس 24″، و”روسيا اليوم”، و”الحرة”، و”الحوار”، و”دوتش فيليه”، و”أورينت” وبقية القنوات التلفزيونية الموجودة على كوكب الأرض.

ويكشف فيلم “11/ 9 من أجل الحقيقة” عن أن لا أحد في الإدارة الأمريكية والإعلام الأمريكي يريد كشف الحقيقة بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 الذي قتل فيها نحو ثلاثة آلاف أمريكي.
وهنا وجه الشبه بين الإدارة الأمريكية والإعلام الأمريكي من جهة، والسلطات السورية والإعلام السوري في الجهة المقابلة.

 يتتبع الفيلم الحملة التي قام بها ذوو ضحايا هجمات سبتمبر لمعرفة الحقيقة عن كيفية وقوع تلك الهجمات؛ يبدأ من مدينة “جيرسي” حيث هناك أربع من أرامل الضحايا “أرامل جيرسي” تقمن بحملة بحث، ومنذ بداية الحملة “اكتشفن أن ما يُبذل (لمعرفة الحقيقة) أقل مما ينبغي”، خلال بحثهن تولّد لديهن إحساس بأن وزارتي العدل والإعلام غير راغبتين بالقيام بتحقيق مستقل، فتولين بأنفسهن القيام بمثل هذا التحقيق، إحداهن تقول إن الرئيس بوش الذي يفترض به أن يكون مؤيداً لهن في عملية التحقيق تحول إلى واحد من أكبر خصومهن.. من “جيرسي” ينتقل المخرج إلى “نيويورك” حيث “سالي ريغينهارد” المرأة التي فقدت ابنها رجل الإطفاء في الهجمات والتي قامت بتحقيق مماثل لتكتشف أن المقابلات الخمسمائة  التي أجريت مع رجال الإطفاء العاملين في المركز التجاري حجبت كلها عن الناس. امرأة أخرى فقدت زوجها انضمت إليها في التحقيق تشك في أن تكون المباني انهارت بفعل الهجوم الجوي وحده عندما تقول متسائلة: “لماذا انهارت المباني؟ كيف تنهار ناطحة سحاب كهذه في عشر ثواني؟”.

هذا السؤال يحيلنا إلى فيلم آخر بعنوان “سبتمبر الأخرى” يتبنى الفرضية التي تقول أن الإدارة الأمريكية ووكالة الاستخبارات تقفان وراء تدمير المباني. يضيف راوي الفيلم، مؤكداً هذه الفرضية: “قبل ذلك لم يحدث أن تسببت النيران في انهيار مبنى ذي هياكل من الصلب، المبنى رقم 7 في مركز التجارة العالمي لم تضربه طائرة لكنه انهار في مساء ذلك اليوم!”. مما يعني أن هذا المبنى كان معداً للتفجير، تعبر “سالي” عن تواطؤ الحكومة عندما تقول: “لم تكن تريد الحكومة ولا أي مسؤول منتخب معرفة لماذا وكيف جرى ذلك”.

 يواصل الفيلم تتبع عدد من الحقائق التي تكشفت لاحقاً، منها أن “البيت الأبيض كان يعرقل إجراء تحقيق لم يكن يريده في المقام الأول”. ثم إذعاناً للضغوط التي مارسها ذوو الضحايا شكّل لجنة للتحقيق؛ لكن والد أحد الضحايا يشكك بجدية البيت الأبيض بإجراء تحقيق لمعرفة الحقيقة، فيقول إنه في التسعينات أنفقوا مئة مليون دولار للتحقيق في مغامرات كلينتون الجنسية، بينما لم يخصصوا في البداية سوى ثلاثة ملايين دولار للتحقيق في مقتل ثلاثة آلاف شخص. عدم جدية التحقيق إذاً هو ما توصل إليه ذوو الضحايا. بعد عامين ونصف أصدرت اللجنة تقريرها، لكنه كان دون التوقعات ومخيباً لآمال عائلات الضحايا و”خلص إلى أن الحادي عشر من سبتمبر لم يكن أكثر من افتقار للتوقع”. وتقول عنه إحدى أرامل الضحايا أنه لم يجب سوى على ثلاثين في المائة فقط من الأسئلة التي يطرحها ذوو الضحايا. إنه تقرير “قائم على أنصاف الحقائق”، تضيف أرملة أخرى.

يكشف الفيلم أن الإعلام الأمريكي لعب دوراً في حجب الحقائق، أو على الأقل فشل بالمساعدة على كشف الحقيقة، “فشل بالربط بين الأحداث” يقول الراوي.
 فـ “بول تومسون”، وهو صاحب موقع إلكتروني عن الهجمات، يكشف عن “ظاهرة غريبة”، وهي أن هناك معلومات مهمة عن الهجمات كانت في الصحافة لكنها اختفت.

يورد الفيلم سلسلة المعلومات والتحذيرات التي تلقتها الإدارة الأمريكية عن احتمال تعرض الولايات المتحدة لهجمات عن طريق خطف طائرات؛ “بول تومسون” جمع قصصاً عن أربعة عشر بلداً كانت حذرت الولايات المتحدة قبل الحادي عشر من سبتمبر أنها ستتعرض لهجوم جوي؛ وهو يلوم الصحافة كونها لم تتساءل: “لماذا لم يفعل شيئاً إزاء كل هذه التحذيرات؟”، أحد هذه التحذيرات حجبته إدارة بوش لأشهر إلى أن كشفت عنه محطة “سي بي أس”، وبالتالي وضعت الإدارة الأمريكية في موقع الدفاع.

 ثم، وبغية إظهار كذب الإدارة الأمريكية ونفاقها، يورد الفيلم مشاهد لأعضاء الإدارة (رايس، تشيني، بوش) ينكرون فيها مثل هذه التهديدات أو حتى علمهم بها.
بوش مثلاً قال إنه “لا أحد في حكومتنا أو في الحكومة السابقة كان يتصور أن تصدم طائرات في الجو مبان”.
محطة “سي أن بي سي” تساءلت بتاريخ 26/ 7/ 2001 عن سبب قيام وزير العدل برحلاته الجوية بطائرة خاصة مؤجرة، مما يعني أن لديه، كما لدى إدارته معلومات عن الهجمات.

 وفي الليلة التي سبقت الهجمات تم إلغاء رحلات جوية لعدد من ضباط البنتاغون كانت مقررة في صباح الحادي عشر من سبتمبر.
هذه الوقائع وغيرها مما ترد في الفيلم تؤكد أن الإدارة الأمريكية كانت على علم بالهجمات، وبالتالي لماذا لم تخبر بها الشعب الأمريكي، وخصوصاً للمسافرين على متن الطائرتين المخطوفتين؟.
 “بوب كيري” عضو لجنة التحقيق في الهجمات وفي مقابلة على محطة “سي أن أن” يوجه اللوم بشكل مباشر إلى الرئيس بوش قائلاً له: “سيدي الرئيس أنت علمت أنهم كانوا في الولايات المتحدة وحذرتك “السي آي إيه”، وأخبرك موظفو الإيجاز اليومي في أغسطس مرة أخرى بأن هناك تهديدا قوياً، لم تفعل أي شيء لزيادة أمن حدودنا، لزيادة أمن المطارات، لتحديث أجهزة إنفاذ القانون في الداخل، لجمع مسؤولي جهاز الهجرة والجنسية والمكاتب القنصلية لتقول لهم إن علينا أن نغلقها، لتحذر الشعب الأمريكي. ماذا فعلت؟ لا شيء حتى الآن كما ترى”. ومما يضيفه الراوي أن المسؤولين الأمريكيين لم يفعلوا شيئاً سوى حماية أنفسهم.

ينتهي الفيلم بمقطع يُظهر خيبة ذوي الضحايا من حكومة بلدهم التي كانت على علم بالهجمات ولم تحرك ساكناً لحماية مواطنيها.
 وبالعودة للشأن السوري لابد من طرح السؤال عما إذا كان ذوو ضحايا شهداء الانتفاضة السورية، عسكريون ومدنيون، سيقومون يوماً ما بحملة مشابهة للحملة التي قام بها ذوو ضحايا هجمات أيلول من أجل كشف الحقيقة حول ملابسات مقتل ذويهم.

في الفيلم مشهد للمستشار السابق للأمن القومي الأمريكي “ريتشارد كلارك”، الذي وضع كتاباً بعنوان “ضد كل الأعداء” يكشف فيه خفايا الهجمات قبل وأثناء وبعد وقوعها؛ في المشهد يقول “كلارك” موجهاً كلامه إلى ذوي الضحايا: “لقد خذلتكم حكومتكم..أولئك المخولون لحمايتكم خذلوكم..وأنا خذلتكم”.

إنها صحوة ضمير من أحد المسؤولين الأمريكيين، فهل ستكون هناك صحوة ضمير لدي أي من المسؤولين السوريين كي يروي الحقيقة بشأن مقتل السوريين أثناء انتفاضتهم؟ ..سؤال نتركه لقادم الأيام.


إعلان