سينمائيا.. العاصفة في النفوس أيضا
عاد المخرج السوري “غسان شميط” من أوكرانيا بعد أن انتهى من تصوير مشاهد “العاصفة البحرية” في استوديو مجهّز بهذه النوعية من المشاهد الصعبة والمكلفة، والتي لم يكن ممكناً تصويرها في سورية بسبب ضعف في القاعدة المادية والتقنية التي لم تتوفر بعد في “الصناعة” السينمائية السورية.
اللافت في التجربة أن شركة (كان) الخاصة التي كانت طرفاً في الإنتاج المشترك مع مؤسسة السينما السورية، انسحبت بعد أن أنجز “شميط” معظم مشاهد فيلم (الشراع والعاصفة)، المأخوذ بالعنوان نفسه عن رواية الأديب السوري/ حنّا مينة على الأراضي السورية، ما دفع بالمخرج السوري إلى الاستغناء عن استوديوهات يالطا الشهيرة التي كان مقرراً أن يصور فيها مشاهد العاصفة، والاكتفاء بالتصوير في استوديو أوكراني في مدينة كييف، يقول عنه شميط أنه قد أوفى بالغرض.
“غسان شميط” سبق له وأخرج مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة مثل: (شيء ما يحترق، الطحين الأسود، الهوية)، ويعتبر فيلم (الشراع والعاصفة) فيلمه الرابع.
هنا حوار مع المخرج السوري بعد عودته من أوكرانيا مع طاقمه الفني والتمثيلي الذي رافقه إلى هناك :

ما مغزى أن تذهب لتصوير مشاهد العاصفة البحرية في أوكرانيا ؟
العاصفة البحرية في فيلمي تحتل حيزاً مهماً من حيث البنية الدرامية فيه، وهي لبّ وجوهر الفكرة الأساسية للعمل برمتّه، فالبطل الشعبي الطروسي لاقى الصعاب في حياته اليومية، فتصدى لها بشراسة، ولم تكن هذه الصعاب إلا مجموعة من العواصف على الأرض قبل أن تكون في البحر وانتصر عليها، كما سينتصر لاحقاً على العاصفة البحرية إن كانت على الشاطئ أو داخل البحر نفسه.
العاصفة البحرية تمثل في الفيلم قرابة نصف ساعة، ونحن صورنا ستة مشاهد من زمن العاصفة ضمن البحر، وهذا يمثل حوالي 12 دقيقة من الفيلم ؛ وأعتقد جازماً أن المسألة لا تقاس بالزمن، بل بأهمية كل مشهد سينمائي، فهو هنا يشكّل لبنة يعتمد عليها في بناء الفيلم السينمائي الذي يجب أن يكون متناغماً إلى أقصى درجة.
لماذا لم تعمل على تصويرهذه المشاهد على الأراضي السورية ؟
تنفيذ مشاهد العاصفة يقسم إلى عدة مراحل: أولاً التحضير للعاصفة البحرية يجب أن يكون في أحواض مائية خاصة، وفيها أجهزة رفع الأمواج وتكسيرها، والبرق والرياح، ولهذا قمنا ببناء مركبين، الأول للطروسي، والآخر للرحموني.
في استوديوهات أوكرانيا هناك إمكانية لخلق جو يشبه العاصفة في البحر، وهذا يتطلب خبرة لا تتوفر عندنا.
نحن حاولنا انجاز مشاهد العاصفة على الشاطئ ، وليس في البحر، ووجدنا صعوبة فائقة من حيث توفر التقنيات اللازمة، ولهذا لجأنا إلى استوديوهات أوكرانيا.
وقد استجلبنا معدات خاصة من يالطا، حيث لم نتمكن من تصويرها فيها بسبب التأخر المستمر من قبلنا بتنفيذ ما اتفقنا عليه وذلك لخروج الشريك الذي كان من المفترض أن يموّل تصوير مشاهد العاصفة البحرية؛ وهذا التأخير أدى إلى بروز مشاكل تقنية كبيرة دفعت بنا إلى تنفيذها في استوديوهات أخرى غير التي كان متفقاً عليها مع الجانب الأوكراني، مما اضطر إلى أن ننتقل إلى كييف، ناهيك عن أسباب خاصة متعلقة بالتوقيت الصيفي في أوكرانيا، حيث تغيب الشمس فيها بعد العاشرة ليلاً، وتشرق في الرابعة صباحاً، وهذا يعني أن التصوير سوف يستمر لأكثر من شهر بسبب قصر الليل.
أما في الأستوديو ، فهناك إمكانية للعمل أكثر من خمسة عشر ساعة، وأعتقد إن مجموعة الغرافيك الأوكرانية قامت بعملها كما هو متوقع منها.

ذهابك لتنفيذ مشاهد العاصفة في بلد آخر وبإمكانات أخرى … ألا تكشف هنا عن “عورة” تقنية في السينما السورية كان يجب تجاوزها منذ زمن بعيد ؟
لا أعتقد أنها عورة، والسبب الرئيسي لتنفيذ مثل هذه المشاهد هو أن السينما السورية طوال تاريخها لا تحتوي أصلا على مثل هذه المشاهد المعقدة والصعبة؛ كما يمكن القول إن هناك دول أوروبية لها باع طويل في السينما ليس لديها التقنيات اللازمة لتنفيذ مثل هذه المشاهد، فهي تعتمد أيضا على الإمكانات المتوفرة في أوكرانيا وغيرها؛ وأعتقد جازماً أن الدول التي تستطيع تنفيذ هذه المشاهد معدودة على الأصابع، وهذا يدفعني للتأكيد بأن لا أسعى مستقبلاً للعمل على مثل هذه الأفلام، وفيلمي هذا استغرق من وقتي أكثر من ثلاث سنوات، ولولا تدخل وزارة الثقافة لما أمكن تنفيذ “العاصفة البحرية” بعد تخلي الشركة المنفذة عن تعهداتها لأسباب مالية، وقد كلفنا ذلك الإسراع بالتحضيرات النهائية لتجاوز الفترة التي قصّرنا فيها .
هناك مشاريع سينمائية قد تتكلف أوقاتاً أطول، وما أعرفه هو أن مشاهد العاصفة البحرية مهمة بالنسبة لفيلمك؛ هل تحوي أبعاداً فلسفية متداخلة مع خطوط الرواية الأدبية، أم أنها ظلت موضوعاً تقنياً بحتا بالنسبة إليك ؟!
رواية (الشراع والعاصفة) هي مشروع مهم، وهي من المشاريع التي يحلم بها السينمائي السوري، وقد كانت بالنسبة إليّ من المشاريع التي صبوت إلى تحقيقها منذ أن قرأتها للمرة الأولى وأنا على مقاعد الدراسة؛ أما الآن وقد تحقق لي إخراج هذا العمل بعد الكثير من الصعاب، فإنني أجد أن الرواية مبنية بالأساس على العاصفة البحرية، وقد استطاع هذا البطل الشعبي البسيط أن يقهرها داخل وخارج البحر،لأنها تمثل الروح العنيدة التي يمتلكها “الطروسي”، والتي جعلته ينتصر ، ليثبت أنه ( الريّس ) في المقهى وفي المركب..
وفي البحر حيث يتحقق حلمه عندما يعود منه في أقسى الظروف وقد دفع بأعدائه ليعترفوا به كإنسان يستحق الإسم الذي يحمله.
كم فيلماً يحقق المخرج السوري في حياته العملية حتى تستفزك مسألة الوقت ؟

المخرج السوري لديه إمكانية لإنجاز عدد غير محدد لجهة الأرقام ؛ والمهم في العمل السينمائي يكمن هنا في حمله الأفكار الإنسانية بين بدايته ونهايته، وهي ذاتها التي تهم الشارع والإنسان في عموم قضاياه الاجتماعية شريطة أن يبحث عنها بأسلوبية متفردة تحمل خصوصية هذا المبدع أو ذاك؛ وليس من الضروري أن يلاقي المخرج السوري الكثير من الصعاب حتى ينجز فيلمه عندما تتوفر إمكانية لأن يقدمه بالطريقة الأمثل، وأن لات ُستفز أعصابه عند تنفيذه للأفكار التي جاء بها على الورق وهو يصطدم بالعقبات الإنتاجية الواحدة تلو الأخرى؛ أعتقد إن هذا ما قصدته بالوقت الذي قضيته وأنا أنتظر تمويل مشاهد العاصفة البحرية من أجل تنفيذها بحرية أكبر.
لديك مشاهد بحرية معقدة ومكلفة في أوكرانيا… هل ستقرّب هذه المشاهد الفيلم من مشاهدين غير سوريين ؟
برأيي الشخصي إن أي فيلم يحمل في المحصلة النهائية خصوصية المكان والبيئة، ويحمل وبالتالي همّاً فكرياً واضحاً، وهو يجب أن يلاقي اهتماماً من المشاهد أينما كان، فالقضايا الإنسانية واحدة في كل زمان ومكان، والأهم هو أن نكون صادقين مع ذواتنا وأنفسنا ومخلصين للفكرة التي يحملها الفيلم، وقد حاولت في هذا العمل تحديداً أن يكون هناك إيقاع سريع للعمل بسبب خصوصية الفكرة التي يوفرها الحامل الأدبي للفيلم .
بخصوص الروائي “حنّا مينة”.. هل ستعرض عليه ما صورته أثناء المونتاج، أم أنك ستترك ذلك حتى مشاهدة النسخة النهائية؟
الأستاذ “حنّا مينة” باسمه الكبير لم يطلب مشاهدة الفيلم قبل أن يرى النور، وما أتمناه هو أن يشاهد هذا العمل ويخرج من الصالة والابتسامة تعلو وجهه، ويقول لي شكراً على هذا الفيلم .