بوليوود أشهر قصة حبٍّ رُويت

تطوّر حضور السينما الهندية في فرنسا

“أن نُحبها، أو نكرهها، أن نعتبرها في الصفوف الخلفية، أو عصريةً تماماً، نحن لا يمكننا الاستغناء عنها، ومعها نشعر بأننا أكثر حيويةً من أيّ وقتٍ مضى، نحن نقول في بلادنا، بأنها الثقافة الوحيدة القادرة على جمع شمل الهند، وهناك من يقول أيضاً، بأنها تضفي هويةً، وفرديةً على ملايين الهنود الذين غادروا بلادهم، ومنذ عشرات السنين، أصبحت حمى أصابت كلّ الأجيال، هذه هي بوليوود” .
 ـ شيخار كابور ـ

***
كانت الأفلام التي يُقال عنها “بوليوودية غير معروفة في فرنسا، وأصبحت اليوم ظاهرةً حقيقية، وتخطى هذا الشغف أولئك المُنحدرين من عائلاتٍ هندية، إفريقية، أو مغاربية، كي يصل إلى الجمهور الفرنسي نفسه.
في عاميّ 1983، و1985 منح “المركز الوطني للفنّ، والثقافة” (جورج بومبيدو) بباريس تكريماً لعموم السينما الهندية، ونجومها.
وفي عام 2003 بدأ “فانسان بول ـ بونكور” مدير شركتيّ CARLOTTA  و  BODEGA بتوزيع الأفلام الهندية في فرنسا، وتزايد الاهتمام مع النجاحات التي حققتها العروض التجارية لفيلميّ “Lagaan” لمُخرجه “أشوتوش غواريكر” في عام 2002، و”Devdas” لمُخرجه “سانجاي ليلا بانسالي” في عام 2003 الذي قدمه مهرجان كان وقتذاك في عرضٍ خاص، تلاه مشاركة النجمة “أشواريا راي” في عضوية لجنة تحكيم نفس المهرجان عام 2003، وفي قلب تلك الأحداث، قدم “مركز جورج بومبيدو” في عام 2004 برنامجاً إستعادياً ضخماً، واحتفى بالأعمال الثمينة لهذه السينما منذ الثلاثينيّات وحتى ذلك التاريخ.
وفيما إذا كانت “بوليوود”(وهي كلمةٌ ناتجة عن التلاعب اللفظيّ بين “بومباي” عاصمة الصناعة السينمائية الهندية، وهوليوود) تُستخدم غالباً خارج الهند للإشارة إلى الميلودرامات الكبرى للسينما الهندية الشعبية مع توابلها الخاصة، رقصات، أغاني، وموسيقى، أجد بأنه من الضروري تصحيح سوء الفهم، والخلافات حولها، وذلك بالكشف عن ثرائها، وتنوّعها.
وهكذا، يجب العودة إلى أصول العروض المسرحية الحيّة، والتقاليد الشفهية في الهند لفهم القواعد التي ارتكزت عليها، وتشكلت منها هذه السينما، وتحيلنا إلى صورة الحكواتية الجوالين في طول البلاد، وعرضها، يقصّون حكاياتهم الملحمية، ويمثلون خلال ساعاتٍ، وساعاتٍ حلقاتٍ لا تُحصى من النصوص المؤسّسة للـ “مهاباهاراتا”، و”رامايانا” مصحوبةً بالغناء، والموسيقى، والأشعار التي أضافها المؤلفون أحياناً .
وجاءت السينما بمثابة استمرارية لتلك التقاليد، واعتمدت على الشعراء، الموسيقييّن، ومصممي الرقصات بحثاً عن عرضٍ متكامل، وسنةً بعد أخرى، تطورت الاستوديوهات في كلّ البلاد من “بومباي” إلى مَدراس مروراً بـ “كالكوتا”، و”تريفاندروم”، وبدأت تتنافس في كمّ الإنتاج، ونوعيته.

ديكورات مستوحاة من أجواء ألف ليلة، وليلة، إضاءة باذخة، أسلحة، مجاميع، أفواج من الفيلة، مؤثرات خاصة، موسيقى، أغاني، ونجوم صعدوا إلى مصاف أنصاف آلهة، وتجمعت توابل من الخيال، تلهب أحاسيس المتفرجين، وعواطفهم، وتنقلهم إلى عوالم مدهشة بعيداً عن قسوة الحياة اليومية التي يعيشونها.
هذا العدد الكبير من الأفلام التي تُنتج سنوياً، وتتخطى كمياً الإنتاج الأمريكي، لا تحوي جواهر فحسب، ولكن الأعمال الكبرى لهذه السينما الشعبية أصبحت من الكلاسيكيات (ظلت بعض الأفلام تُعرض في الصالات الهندية أكثر من 100 أسبوع)، ومع مرور الوقت عرفت كيف تجعل جمهوراً كبيراً يحلم، وبالآن ذاته، تُرضي هواة السينما عن طريق أصالتها، وتفردها.
ومع أنّ تيمات الأفلام متشابهة غالباً، تمزقاتٍ عائلية، علاقات حبّ متعارضة، صراعات اجتماعية، أو سياسية، قصص تاريخية، ميثولوجيا ملحمية،.. إلاّ أن السيناريوهات لا تقدم ما ينتظره الجمهور فقط، هي في كثير من الأحيان أكثر تعقيداً، تمنح مستوياتٍ متعددة للقراءة، وتعكس تساؤلاتٍ مُعمّقة عن نشأة، وتطوّر أمة مازالت تُعتبر شابة، ومجتمعاً هنديّاً تتصارع فيه التقاليد، والمُعاصرة.
انتظمت تلك الاحتفالية السينمائية في مرحلتيّن، تركزت الأولى على تكريم خمسة من مخرجي العصر الذهبي للسينما الهندية الشعبية فترة الخمسينيّات، واهتمّت الثانية بموضوعاتٍ أنشأت جسوراً بين فتراتٍ مختلفة، ومقارنةً بين مختلف الإنتاجات الإقليمية منذ الثلاثينيّات، وحتى عام 2004.
وانطلاقاً من النجاح الذي حققته تظاهرة صغيرة بعنوان Bollywood Week-end  في إحدى صالات باريس، وبعد دورتين ناجحتين، انتقل هذا الحدث إلى صالةٍ أكبر، وأصبح أسبوع السينما الهندية Bollywood week
في 26 أبريل عام 2006 تجمع آلافٌ من المُعجبين أمام صالة  Le Grand Rex لرؤية، وسماع ثلاثة من نجوم السينما الهندية : بريتي زينتا، راني موخرجي، شاروخان، وواحدٌ من كبار المنتجين، والمخرجين، ياش شوبرا، حضروا بمناسبة الدورة الثالثة لأسبوع الفيلم الهنديّ.
ويمكن تفسير هذا الشغف بثلاثة أسباب، هناك نماذج مختلفة من الجمهور، المتفرجون المنحدرين من أصولٍ هندية، مغاربية، وأفريقية حيث تُشكل هذه السينما جزءاً من ثقافتهم، وهم يشاهدونها منذ صباهم، ومن ثمّ الفرنسيون، وهي، بالنسبة لهم، اكتشافاً جديداً، سينما تعكس ما يرغبون مشاهدته، ملاحم من ثلاث ساعاتٍ، وقصص حبٍّ ممكنة، ومستحيلة، ببساطةٍ شديدة، تيمات إنسانية قوية.
وفي 3 ديسمبر عام 2008، شهدت باريس عروضاً استثنائية لفيلم Jodhaa Akbar (إخراج أشوتوش غواريكر، وإنتاج عام 2008)، ومن ثمّ تجول في معظم المدن الفرنسية.
وكان النصر الساحق الذي حققه فيلم Slumdog Millionaire (إنتاج عام 2008) في جوائز الأوسكار عام 2009، إشارةً بأنّ نظرة الغرب عن السينما الهندية في طريقها إلى التغيير، حتى وإن كان الفيلم من إخراج بريطانيّ (داني بويل)، فقد فازت الصناعة السينمائية الهندية بكاملها في لوس أنجلوس، تقنييّها، ممثليها، ومؤلف الموسيقى، وكانت تحيةً حارة لبلدٍ، واعترافاً هوليوودياً  متأخراً بمواهب بوليوود.
في 29 يوليو عام 2009 عُرض الفيلم الهندي   Saawariya(إخراج سانجاي ليلا بانشالي، إنتاج 2007) في واحدة من صالات أهمّ المُجمعات السينمائية المُتمركزة في وسط العاصمة باريس.
وفي عام 2009 أيضاً بدأت صالة Le Brady في وسط حيّ شعبي يعيش، ويعمل فيه خليطٌ من الأجانب، بعروض تجارية لمجموعةٍ من الأفلام الهندية الجديدة.
ومنذ بداياته، حرص “صالون السينما” في باريس على اختيار سينما بلدٍ معين لتكون ضيفة شرف، وكانت السينما الهندية من نصيب الدورة الثالثة عام 2009.
السينما الهندية حاضرة أيضاً في مهرجاناتٍ فرنسية مثل فيزول، نانت، آميان، باريس،.. وحتى في كان.
بعد محادثةٍ مع “شيخار كابور” الذي كان عضواً في لجنة تحكيم مهرجان كان عام 2010 بدأت حكاية إنتاج الفيلم التسجيلي “بوليوود، أشهر قصة حبٍّ رُوّيت” ( إخراج راكيش أومبراكاش مهرا، وجيف زمباليست)، وعرض في الدورة الرابعة، والستين للمهرجان عام2011.
وتُعتبر التظاهرة السنوية الأهمّ، تلك التي يُنظمّها “المتحف الوطني للفنون الآسيوية” في باريس، حيث تقدم في كلّ دورة مجموعة كبيرة من الأفلام تتمحور حول تيمة محددة : مختارات من الأفلام الهندية (2004)، السينما البنغالية (2005)، هنديّ القلب (2006)، الهند نحو استقلالها (2007)، نجوم السينما الجماهيرية الهندية (2008)، السينما الهندية الناطقة بلغة الماراتي، والمالايالام (2009)، عوالم ساتياجيت راي (2010).
حالياً، لا أحتاج الذهاب إلى “مومباي”، أو “كيرالا” لمُشاهدة الأفلام الناطقة بالهندية، أو التامولية، في نفس الوقت الذي احتفى مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي بالعرض الأول لفيلم Blue “أزرق” (إخراج أنتوني دسوزا، وإنتاج عام 2009)، كان الفيلم يُباع في المحلات الهندية، وعندما سمعت بأنّ الفيلم الهندي “نيويورك”(إخراج كبير خان، وإنتاج عام 2009) سوف يعرض في حفل افتتاح الدورة  الـ 33 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي حتى بادرت إلى شراء نسخة منه، وشاهدته قبل الوصول إلى القاهرة.
وعندما تعرفت على قائمة الأفلام المُدرجة في نفس المهرجان احتفاءَ بالسينما الهندية، وجدت معظمها في مكتبتي، بينما كنت أشاهد في “المتحف الوطني للفنون الآسيوية” بباريس أفلام المخرج الأكثر تفرداً في السينما الهندية الناطقة بلغة المالايالام “أدور غوبالاغريشنان”.
الجميع يعرف بأنّ باريس مُدللة سينمائياً، ويطال هذا الدلال الأفلام الهندية، والتي نستطيع العثور عليها في كلّ مكانٍ تتدلى في واجهته أقمشةً ملونة، وتفوح منه رائحة البخور.
تجدر الإشارة، بأنّ الأفلام الناطقة بالهندية أكثر حظاً في سوق المبيعات، لأنها مترجمة إلى لغاتٍ متعددة، ومنها العربية، ويمكن العثور على الكثير من الأفلام الناطقة بالتامولية مترجمة إلى الإنكليزية،  ولا تخلو الأسواق من الأفلام الناطقة بلغاتٍ هندية أخرى، بالإضافة إلى أفلام الجارتين باكستان، وسيريلانكا.
لا تتوفر اليوم في فرنسا إمكانية مشاهدة الأفلام الهندية في ظروفٍ جيدة (صالات السينما)، ماعدا المهرجانات، والعروض الاستثنائية، وبين خوف الموزعين الفرنسيين، وأصحاب الصالات، والمُتطلبات المالية الهائلة لشركات الإنتاج الهندية، يبدو بأنّ السوق الفرنسية مغلقة أمام الإنتاج البوليوودي.
ومع ذلك، يمتلك المخرجون الذين يعيشون خارج الهند حظوظاً أكبر في العواصم الغربية، وأفلامهم تتخطى غالباً الكثير من المحظورات كحال : ميرا نائير، ديبا ميهتا، غوريندر شادا، نيخيل أدفاني،…
ورُبما يجب الانتظار، كما حدث في الولايات المتحدة، بأن يبادر ثريّ هنديّ بشراء شبكة توزيع مكوّنة من 250 صالة كي يتمكن الجمهور الفرنسي من المُتابعة المُنتظمة للسينما الأكثر خصوبةً في العالم.
 


إعلان