صلاح سرميني: المخرج الغربي ليس دائما هو الأفضل

الناقد صلاح السرميني من الأسماء اللامعة في سماء النقد السينمائي العربي يقيم في باريس. وهو مستشار مهرجان الخليج السينمائي كما أنه اشتغل مع مهرجانات عربية وأجنبية اخرى. ويتميز هذا الناقد بجرأته النقدية التي تصل أحيانا إلى النقد اللاذع للأفلام والنقاد. صلاح السرميني ينقد في ثلاث اتجاهات على الأقل : الأعمال السينمائية والخطاب النقدي وسير المهرجانات. أما الأعمال السينمائية فهو من المتابعين الجيدين للحركة السينمائية في العالم العربي وخاصة الشبابية منها. وأما الخطاب النقدي فيسعى السرميني مع آخرين إلى تنقية الساحة السينمائية من الكتابات المشبوهة والمسروقة لذلك أحدث مع بعض زملائه النقاد مدونة “سرقات سينمائية” تترصد كل الذين يسطون على المقالات النقدية العربية والأجنبية. وأما سير المهرجانات فيحاول مستشار مهرجان الخليج السينمائي إلى فضح الفاسدين في بعض المهرجانات العربية. في هذا الحوار يتحدث صلاح سرميني عن مهرجان الخليج السينمائي وآفاقه كما يتناول مشاكل المهرجانات العربية ونقائصها.

* لماذا عمد مهرجان الخليج السينمائي في دبي إلى إضافة مسابقة دولية، أثرت على مشاهدة الأفلام الخليجية، أو حصولها على الجوائز؟

الناقد صلاح سرميني

بدأت معظم مهرجانات السينما في العالم بمسابقة محلية، وبعد سنواتٍ أضافت أخرى دولية، أخرجتها من حدودها الجغرافية، في مهرجان الخليج السينمائي كانت الأضواء موجهةً نحو المسابقة الخليجية، ولكن أُضيفت مسابقة دولية موازية بهدف إيجاد تفاعلٍ بين مخرجي الأفلام الأجنبية، والخليجية، وهي فرصة لمُشاهدة أفلام قصيرة قادمة من كلّ أنحاء العالم، واستقطاب صحافة عالمية، وضيوف أجانب انتهزوا الفرصة للتعرّف على ما يحدث في المشهد السينمائي المحليّ، لم تتنافس الأفلام الأجنبية مع الخليجية، كانت كلّ مسابقة منفصلة عن الأخرى، وتمتلك المسابقة الدولية ميزانية خاصة، ومن ثمّ، لماذا نفترض بأنّ المخرجين الأجانب أكثر موهبة، واحترافية من الخليجيين، وإذا دققنا في الأفلام الدولية التي قدمها المهرجان، سوف نجد بأن بعضها امتلك نفس ميزانيات الأفلام الخليجية، وربما أقلّ، وأنجزت بنفس الأدوات،..

* كيف تُقيّم أداء صناع الأفلام الخليجيين، ومدى تفاعلهم مع المهرجان بكلّ فعالياته.
هناك من يهتمّ فقط بمشاهدة الأفلام، بينما يمتدّ نشاط آخرين للمشاركة في الورش التدريبية، والندوات الليلية، وهي مسألة شخصية، ما يحدث في مهرجان الخليج السينمائي أفضل حالاً من مهرجاناتٍ عربية كثيرة، وحتى دولية، وأنا أعرف مهرجان كليرمون ـ فيران، على سبيل المثال، وهو أهمّ مهرجان للأفلام القصيرة، لا يحضر كثيرون ندوات النقاش مع المخرجين.

* إلى أيّ مدى يعكس تنظيم هذه الندوات رسالة المهرجان في التأسيس لصناعة سينمائية خليجية في المنطقة ؟
يطمح المهرجان إلى أن يكون مختلفاً، ولهذا، تمّ اختيار منتصف الليل لعقد جلسات النقاش، وأصبح هذا الموعد تقليداً، في الدورة الثالثة، استخلصنا موضوعاتٍ من الضيوف الإعلاميين، والنقاد أنفسهم، جمعنا الأفكار، وكثفناها في خمس ليالٍ، وتمّ اختيار البعض لإدارة الجلسات، في الدورة الرابعة، قررنا مُسبقاً موضوعات تتعلق بطبيعة المهرجان، وتوجهاته، لقد أصبح مدرسة لصناع الأفلام، وفرصة للتواصل بين الجدد، والقدامى.

* ما هي أهمية تقديم تجربة السينمائي الفرنسي “جيرار كوران” ؟
يسعى المهرجان بأن يفتح نوافذ جديدة سينمائية، ومتعددة، وقد تعوّد بأن يسلط الأضواء على سينما بلد، أو مخرج معين، وهكذا تباعاً، الأفلام السويسرية القصيرة، الأفلام الهندية القصيرة، السينمائي الفرنسي “فرانسوا فوجيل”، وفي الدورة الرابعة قدمنا “جيرار كوران” الذي ينجز أفلاماً لا علاقة لها بالسينما السائدة إطلاقاً، وتقع خارج كلّ الأطر التي تعوّدنا عليها، التقليدية، أو التجريبية، والهدف تكريس فكرة الاختلاف، وتقديم تجربته الزاخرة بطريقةٍ مغايرة، حيث عُرضت مختارات من أعماله على 11 شاشة فيديو منتشرة ما بين الفندق حيث يقيم الضيوف، وصالات العرض.

جيرار كوران في الدورة الرابعة لمهرجان الخليج

* هل يعكس هذا اهتمام المهرجان بالسينما الوثائقية خاصةً مع عرضه لعددٍ لا بأس به من هذه الأفلام ؟
أعمال “جيرار كوران” استثنائية، لا علاقة لها بالسائد، وغير قابلة للتصنيف، هي توثق شخصيات، وأماكن، وهو لا ينجز أفلاماً تسجيلية بالمعنى المتعارف عليه، بل أفلاماً شعرية، غنائية، متكررة، مغناطيسية.. سينما خاصة، مثل شخص يكتب يومياته في دفتر ملاحظات، يحمل كاميرا صغيرة، يسافر إلى جميع أنحاء العالم، ويصور أشخاصاً من العاملين في المشهد الثقافي، الأدبي، الفني، والسينمائي، ويجمعهم في سلسلته “سينماتون”، كما يصور الأماكن التي يزورها بأهدافٍ تتخطى التسجيل، إنه سينمائيّ استبدل عينه بعدسة الكاميرا.
* هل هناك توجه من قبل إدارة المهرجان لتوجيه الشباب نحو صناعة أنواع معينة من الأفلام السينمائية.
الهدف الأول تشجيع من يرغب في إمساك الكاميرا للتعبير عن ذاته وطموحاته، وانفعالاته، وخلق جيل سينمائيّ، وتطوير مواهبه، ومحاولة تأسيس طقوس سينمائية مختلفة عما يُعرض في صالات السينما، قبل عشر سنواتٍ، كان البعض يسخر قائلاً: هل هناك سينما في الخليج كي تنتظم فيها مهرجانات سينمائية ؟ ومن ثمّ أصبح التساؤل: هل يستطيع هؤلاء الخليجيون إنجاز أفلام؟ حالياً، يتمنى أيّ شخص من أولئك الساخرين متابعة مهرجان دبي، والخليج كي يتعرّف على ما يحدث فيهما.

* ما الذي يميز مهرجان الخليج السينمائي عن باقي المهرجانات العربية ؟
ليست مهمتي المُقارنة مع هذا المهرجان، أو ذاك، ولكن أقول إن الهدف من مهرجانيّ دبي، والخليج سينمائيّ، هو تنشيط صناعة السينما في المنطقة، وتأسيس جيلٍ من السينمائيين الإماراتيين، والخليجيين. 

* من أين يأتي عدم جدية المهرجانات العربية التي كثيرا ما تنقدها في مقالاتكً؟
ببساطة، من مديرين وقائمين على إدارتها لا علاقة لهم بالسينما، وإذا كان المدير فاسداً مالياً، سوف يبتزّ الميزانية بأساليب ملتوية، وعادةً يتعاون مع أشخاصٍ لا يمتلكون خبرة، أو همّاً سينمائياً، يبحثون فقط عن العلاقات والأضواء والدعوات، والسفر.. في حالاتٍ كهذه، كيف يمكن أن تعمل هذه المهرجانات بشكلٍ صحيح، ومن المؤسف، بأن الأمثلة كثيرة على هذا الفساد المُتفشي الذي يجعلني أتوقف عن متابعة مهرجاناتٍ عربية كثيرة، لم أعد أطيق الذهاب مثلاً إلى مهرجان، واللقاء مع منظمين مزيفين، وأشاهد نسبة كبيرة من الضيوف لا علاقة لهم بالوسط السينمائي، وعندما تسأل عنهم، يُقال بأنهم أصدقاء المهرجان، أو مشاهدة أفلام معروضة عن طريق دي في دي، أو أتصفح نشرة تحتوي على مقالاتٍ مسروقة، وعندما أنبه إلى هذا الأمر، يُقال لي : حرام، “خللي الناس تسترزق”.

* ولكن، وسط هذه الأجواء، كيف لدبي أن تؤسس لصناعة سينما حقيقية، وتقدم صناع سينما، وجيلا من المهتمين، والمنشغلين بالسينما، كيف يمكن ذلك ؟
لحسن الحظ، فإن القائمين على هذا المهرجان يؤمنون بأنّ ما يحدث من حركة سينمائية في المنطقة لها تأثيرات ايجابية في تحريك المشهد السينمائي العربي على مستوى الإنتاج، والتوزيع، وهذا ما حدث فعلا، فالأمر بدأ بمسابقة بسيطة في أبو ظبي (مسابقة أفلام من الإمارات)، شجعت هذا العدد الكبير من السينمائيين الذين نجدهم اليوم بمستوياتهم المختلفة، وحفّزت على تأسيس عدد من المهرجانات السينمائية، هذه الأسباب الغير متوفرة في بلدان عربية أخرى تجعل من المبادرة الفردية التي بدأها “مسعود أمر الله” جديرةً بالتشجيع. 

* لكن كيف يمكن لدبي، والخليج الصمود في وسط هذه التيارات المتلاطمة، ألا يتأثرا بالمحيط الفاسد ؟

صلاح السرميني يشرف على إحدى ورشات المهرجان

على العكس تماماً، ما يحدث حالياً، بأنّ الوسط السينمائي العربي إنتاجاً، وتوزيعا وثقافة سينمائية بدأ يتأُثر، يقلد، ويستوحي من مهرجاني دبي، والخليج، كانت المنطقة صفحة بيضاء سينمائياً، ولكنها ليست كذلك الآن، الصفحات المليئة منذ خمسين، أو ستين سنة بدأت تراجع نفسها، وآليات عملها.

* نأتي إلى المقالات المسروقة، ومدونة “سرقات سينمائية”، لماذا توقفت ؟
المدونة لم تتوقف، هي في حالة راحة بعد كلّ النتائج الإيجابية التي حققتها، لأنّ المشرف عليها يعمل، والحمد لله، في مهرجاناتٍ عديدة، والأهمّ، منذ بداية العام، الشعوب العربية منشغلة بسرقاتٍ أكبر، وأعتقد بأنّ العاملين في الوسط الصحفي، والنقدي، ومنهم من تصدى بعنفٍ للمُدونة، وصاحبها، غير مهتمين حالياً بهذا الجانب الصغير من الفساد، وربما سوف ينتظرون ثلاثين، أو أربعين عاماً أخرى كي يتنبهوا إلى خطورته.

* أثارت المدونة جدلاً كبيراً منذ بداياتها، وقيل بأنها تُذكرنا بالحقبة المكارثية، وأصبحت تتهمّ الجميع، وربما أساءت لبعض الكتاب، والنقاد المعروفين.
المدونة لم تتهمّ، بل أكدت بأنّ هذا الشخص، أو ذاك سارق، وذلك من خلال عرض المقال المسروق، وبجانبه الأصلي، وبخصوص الجدل، هل تقصدين بأنه جاء من عموم العاملين في المشهد النقدي، أم فقط من المذعورين من تلك المدونة التي يمكن أن تكشفهم في أيّ لحظة، من يعمل بصدقٍ، ونزاهة لا مبرر لخوفه، ومن ثمّ، الثقافة السينمائية مهنتي، هل أتقاعس على الدفاع عنها، وأغمض عينيّ بحجة أنه لا يصحّ الكشف، والتشهير، وأنتظر سنواتٍ أخرى كي ننسى، وفي لحظةٍ ما نكتشف، بأننا نقرأ ثقافة سينمائية مسروقة، هل تريدين لنفسك استهلاك مواد غذائية فاقدة الصلاحية، فاسدة، أو مسروقة، هذه ثقافة سينمائية تشكل وعيّ الناس، لو سكتنا عن هذا الجانب، فسوف نسكت عن جوانب أخرى من الفساد.


إعلان