اختتام الدورة 26 لهرجان قليبية لأفلام الهواة
الاحتفاء بالربيع العربي سينمائيا
أحمد القاسمي – قليبية

اختتمت ليلة العاشر من سبتمبر في مدينة قليبية الدورة السادسة والعشرين من المهرجان الدولي لفيلم الهواة تحت عنوان ثقافات المقاومة. وقد أراد منظموه أن يجعلوه احتفاء بالربيع العربي فجعلوا له ثقافات المقاومة عنوانا وكان انعقاده فرصة لجمهور السينما اكتشف من خلالها جمهوره الواسع أفلاما مستقلة تجمع مشاركات عربيّة عديدة من تونس و��لجزائر والمغرب ومصر ولبنان وسوريا وأخرى أجنبية من إسبانيا وفرنسا وروسيا والأرجنتين وإيران.. وكان هذا المهرجان قد قدّم الأفلام الأولى لنخبة من أهم السينمائيين العرب أمثال محمد ملص ويسري نصر الله وأحمد بن كاملة ومر به سينمائيون أفذاذ أمثال المصري يوسف شاهين.
ومثّل المهرجان فرصة للشباب للاتقاء بعدد من السينمائيين والتحاور معهم حول تجاربهم وتطارح مشاغلهم السينمائية كاللقاء مع مخرج بوركينا فاسو حسن كوياتي والمصرية منى العراقي والبرازيليّة لارا لي والفلسطيني عز الدين إسماعيل شلح. وكانت تجارب هؤلاء السينمائيين ومنزلة المقاومة والتحدّي منها محورا لهذه النقاشات. كما كان محور المقاومة هذا العنصر المشترك بين الاستضافة الشرفيّة للسينما المصريّة وتكريم الرّاحل الطاهر شريعة المناضل السينمائي ومؤسس أيام قرطاج السينمائيّة.
ثقافات المقاومة يفتتح المهرجان:
كدأبه في سابق دوراته عمل المنظمون على برمجة فيلم عالميّ مقاوم في عرض الافتتاح وقد فرض السياق السياسي والتاريخي برمجة فيلم “ثقافات المقاومة” للمخرجة البرازيلية ذات الأصول الكوريّة “ايارا لي”، وهي مخرجة ملتزمة جعلت من علاقتها بالكاميرا وسيلتها لمقاومة الفقر والحروب والتمييز التي يعانيها الإنسان في كل أصقاع الكون وللبحث عن السلام والعدالة والتنمية المستديمة. ومن أشهر أفلامها فيلم “ترنيم” وهو وثائقي يهتم بالموسيقى الإلكترونية. ومدار فيلم الافتتاح هو رحلة تقوم بها المخرجة إثر الهجوم على العراق في 2003 حتى تفهم العالم أكثر فكانت رحلتها فرصة وثّقت من خلالها وجوها من مقاومة الإنسان لما يواجه من الاستبداد فالتقت في البرازيل أطفال أحيائها الفقيرة الذين يحوّلون البنادق إلى قيثارات لعزف الموسيقى ثم زارت في بورما رهبانا يستلهمون حياتهم الروحيّة من تجارب غاندي لتنتهي بها الرحلة على مخيّمات الفلسطينيين في لبنان فكانت صورتها تكريسا للمقاومة والكرامة باعتبارهما مَحضنا كونيّا شاملا موحّدا وكافلا لإنسانيّة الإنسان.
صعوبات عديدة وتنظيم المهرجان هو الحدث الأبرز.
رغم كون الجامعة التونسيّة للسينمائيين الهواة قلعة نضال ثقافي قاومت بوسائلها التعبيريّة المتاحة سياسة بن علي الثقافية وظلت تبحث عن تطويع الصورة المبتكرة لتجسيد الممانعة، لم تبق بمنأى عن رياح الثورة فلم يخل إعدادها للمهرجان من تعثّر، سببه احتجاج منتسبي الجامعة عن أداء المشرفين وانخفاض وتيرة النشاط السينمائي في النوادي وغياب التأطير والإشراف أو إيمان بعضهم بأن مدّ الثورة يجب أن يقتلع القديم كلّه وأن يفتح الأبواب أمام الكفاءات الشابة. ورغم أن الجدل رُحّل إلى ما بعد تنظيم المهرجان لم تخل هذه التظاهرة من صعوبات عديدة منها ما يتعلّق بانشغال التونسيين على أيامنا بالشأن السياسي والاجتماعي في المقام الأول وإلقائهم بالمشغل الثقافي إلى الخلف فجاءت الأفلام التونسيّة المشاركة دون المستوى المعهود، ومنها ما يتعلّق بالجوانب الماديّة فقد أربك الحراك السياسي الذي تشهده البلاد وزارة الثقافة والقائمين على المهرجان وعسّر توفير الاعتمادات اللاّزمة ومنها ما هو تنظيمي تتعدّد حتى أن المخرج التونسي وليد الطايع عضو لجنة تحكيم المسابقة الوطنيّة اعتبر أن تنظيم المهرجان في حدّ ذاته يعدّ الحدث الأبرز في هذه الدورة.
“المركز الوطني للسينما والصورة” بارقة أمل بين غيوم كثيرة
مثلت المصادقة الحكوميّة على بعث “المركز الوطني للسينما والصورة” خطوة جيدة ومشجعة للسينمائيين. هذه المؤسسة التي ستعهد إليها مهمة النهوض بالقطاع السينما في تونس وستوكل إليها مهمة إعادة النظر في الهياكل والتنظيمات الثقافية وتنفيذ السياسات الثقافيّة العموميّة، اعتبرها الكثيرون بارقة أمل يعوّل عليها الشباب للدفع بالمشهد السينمائي وتخليصه ممّا علق به من الرتابة في السنوات الأخيرة نتيجة هيمنة بعض المنتجين على الفعل السينمائي بتونس بمؤازرة من نظام بن علي وهو ما أدى حسب أرائهم إلى تنميط المواضيع المطروحة وتقارب رؤاها الجماليّة.

ثلاث مسابقات وفيلم الأرواح المحروقة يصنع الحدث
يضم المهرجان ثلاث مسابقات هي المسابقة الدوليّة التي تراوحت فيها الأفلام المشاركة بين عمق التناول وطرافة الطرح فكانت كما شأنها على مدار الدّورات السابقة محرارا لقياس للسينمائيين الشباب يقيسون به مدى تقدم سينما الهواة بتونس ومسابقة المدارس السينمائيّة وهي تقليد لا يزال ينتشر في العالم. وقد كانت الجامعة التونسيّة للسينمائيين الهواة سباقة في توفير فضاء للطلبة لعرض مشاريع تخّرجهم. والمسابقة الوطنيّة التي تجمع بين منتسبي الجامعة والمستقلين. وقد كان فيلم “الأرواح المحروقة” لجهاد بن سليمان استثناء في هذه الدورة باقتلاعه ثلاث جوائز: هي جائزة منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان والجائزة الأولى للسينمائيين القدامى للجامعة التونسية للسينمائيين الهواة وجائزة الميدالية الفضية ضمن المسابقة الوطنية وتضمّن رؤية سينمائية تعرض حرائق بعض الغابات بالوطن القبلي شمال شرقي تونس ويبحث في أسباب اندلاع هذا الحريق وما خلّفه من الضرر المادي والبيئي.
وقد أفضت نتائج هذه المسابقات إلى اقتلاع فيلم “مصنع الدمى” التخييلي لجائزة الصقر الذهبي وهو من إخراج الإسباني إينهاو مينونداز ضمن المسابقة الدوليّة وفيلم “بنية تحتيّة” لزياد اليتم جائزة المسابقة الوطنيّة وهو فيلم وثائقي. وفوز فيلم”القمر” لريم نخلي وفيلم “شكوى السمكة الحمراء” لعبيد الله العياري بجائزة المدارس مناصفة وهما فيلمان تخييليان.