ربيع السينما العربية في باريس

بدأت مسيرة “بينالي السينما العربية” بباريس في عام 1992، وتوقفت في عام 2006 (البينالي مؤنث في اللغة الفرنسية)، اُعتبرت وقتذاك نافذةً حقيقيةً للسينما العربية، وساهمت في نشرها، ودعمها، وكرست سينمائيين مخضرمين، واكتشفت مواهب جديدة، وخلال دوراتها الثمانية، انطلقت الأفكار التأسيسية لتظاهراتٍ، ومهرجاناتٍ أخرى في الوطن العربي، وخارجه، تشكلت بين كواليسه، وتحققت بدعمٍ من فريق البينالي حتى وقفت على أقدامها، وحلقت بأجنحتها، لم يرغب أحدٌ بأن يتوقف، ولكنّ الإدارة السابقة لـ “معهد العالم العربي”، ولأسبابٍ تمويلية، كانت أكثر قسوة، وحسماً.
وبعد فترة راحة، وإعادة نظر، تأسّست في عام 2009 “جمعية السينما العربية الأوروبية” (ACEA) في باريس بهدف إنشاء جسرٍ بين ضفتيّ المُتوسط، وتعميق تبادل الخبرات، والمعارف في مجال الإنتاج، والتوزيع، ونشر الأعمال السينمائية، وتعوّيض نُدرة التبادلات المُتعلقة بالسينما، والنتاج السمعيّ/البصريّ بين الدول العربية، والإتحاد الأوروبي، وبين البلاد العربية نفسها، والمساهمة بمعرفةٍ أفضلٍ للآخر عن طريق تنظيم عروض، وتظاهراتٍ دورية في مجال الفنّ السابع، أكان ذلك في ” شمال “، أو “جنوب” المُتوسط، وجذب اهتمام الجمهور نحو أعمالٍ قليلة التوزيع، وتخصيص فضاء لتقديم الإبداعات الفيديوية العربية، والأوروبية، والأفلام المُستقلة المُنجزة في الجانبين، وعقد اتفاقاتٍ مع المدارس السينمائية للعمل على تنشيط دوراتٍ تدريبية، والاهتمام بالتقنيات الجديدة التي أصبحت اليوم مُتاحةٌ لعددٍ كبيرٍ من المخرجين، وتفعيل الطاقة المُتولدة من نشاطاتها للتأثير إيجاباً على دورة الإنتاج السينمائي، والسمعيّ/البصريّ، وتعزيز التكامل بين مُبدعي الشمال، والجنوب، وتطوير التبادلات بين مُبدعي الجنوب أنفسهم، والعمل على تحسين التواصل بين الفاعلين في المُؤسّسات الحكومية، والخاصة، وتشجيع العلاقات الاحترافية بين المُنتجين، والمُوزعين على المُستوى الأوروبيّ، والمُتوسطيّ العربي، وحثّ المُؤسسات الوطنية للعمل على حفظ الميراث السينمائي، والسمعيّ/البصريّ لبلدان الجنوب بالتعاون مع المُؤسّسات المعنية لبلدان الشمال، مع الأخذ بعين الاعتبار التطوّر الهائل للوسائل السمعية/البصرية العربية، وتنوّع، وانتشار القنوات الرقمية المُتخصصة، واستخدامات الأنترنت بشكلٍ واسع .
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، أو بعضها، حاولت الجمعية في عام 2010 تأسيس مهرجانٍ دوريّ للسينما العربية باستقلاليةٍ تامّة عن “المعهد”، والتف حول “د.ماجدة واصف” نفس الأشخاص الذين ساهموا دائماً، أو مُؤقتاً في دورات البينالي السابقة.
 وبعد شهور متواصلة، ومضنية من التحضيرات الإدارية لم تنجح المحاولات في الحصول على تمويلٍ فرنسيّ، أو أوروبيّ، ويبدو بأنّ السلطات الثقافية الفرنسية أصبحت أقلّ كرماً من سنوات الثمانينيّات، والتسعينيات، وأيضاً، أكثر حذراً في الإنفاق، والطريف، كانت “د.ماجدة واصف”، دينامو الجمعية، وصائدة التمويل، تنقل إلى الفريق نتائج لقاءاتها مع المسئولين الذين كانوا يقولون لها دائماً :
* لماذا لا تجمعوا جهودكم، وتتعاونوا مع المهرجانات الأخرى المهتمّة بالسينما العربية المُتواجدة مسبقاً في باريس، وضواحيها ؟
وكانت تردّ بدورها :
* ترغب “جمعية السينما العربية الأوروبية” بأن تؤسّس مهرجاناً جامعاً للسينمات العربية، ولا تُحدد نشاطها في منطقة جغرافية معينة كما حال المهرجانات الأخرى.
اليوم، يخطر في بالي بأنّ مؤسّسات الدعم الحكومية ـ رُبما ـ أرعبتها الميزانية التي اقترحتها الجمعية مقارنة مع مهرجاناتٍ تنتظم بميزانياتٍ أقلّ بكثير.
لم تتوافق النتائج مع توقعات، وطموحات الأعضاء، وهكذا أصاب الإحباط بعضهم، وانخرط آخرون في أعمالهم، وقررت “د.ماجدة واصف” العودة إلى القاهرة بحثاً عن آفاقٍ جديدة، وتسلمت زميلتها ”

ماري كلود بهنا

” الإدارة أملاً في تحقيق الأهداف، والغايات التي تأسّست الجمعية من أجلها.
في ليلة تنحي الرئيس المصري السابق “حسني مبارك”، انتقل إليها الحماس من ميدان التحرير، وكما تقول، في تلك اللحظة بالذات، خطرت لها فكرة تنظيم تظاهرة سينمائية تتمحور تيمتها حول الحراك الشعبيّ الذي تشهده البلدان العربية، ولم تهدأ ليلتها قبل أن تنقل خواطرها إلى هدى إبراهيم، جيوفاني ريزو، جوزي بيرسفال، والآخرين،..
في الأيام التالية مباشرةً، بدأت التحضيرات التطوعية لـ “ربيع السينما العربية” في باريس، وبدون أيّ ميزانية حتى وصلت مؤخراً منحة صغيرة من “المركز الوطني للسينما” في فرنسا، ومبلغاً تبرعت به سيدتان تحمستا للمشروع، وها نحنُ ننتظر انعقاد التظاهرة خلال الفترة من 15 وحتى 18 سبتمبر 2011 في (LA CLEF) إحدى الصالات الباريسية التي نوّهتُ عنها في قراءةٍ سابقة بعنوان “باريس عاصمة سينما الفنّ، والتجربة”.
يشير البيان الصحفيّ الذي شارك جميع الأعضاء في كتابته، بأنّ “عام 2011 حمل إلى العالم العربي تطوراتٍ كبيرة متتابعة، وبينما يواصل التاريخ مسيرته، وتسعى الشعوب لاستعادة حريتها، وكرامتها على درب تحقيق الديمقراطية، ارتأت الجمعية تنظيم تظاهرة بعنوان “ربيع السينما العربية”.
في البداية، ارتكزت الفكرة على عرض الأفلام التي أُنجزت خلال، وبعد الثورات، وأيضاً تلك التي سبقتها، وأعلنتها، ولكن، مع تقدمنا في البحث، انتبهنا بأنّ السينمائييّن بحاجةٍ إلى وقتٍ لإنجاز أعمالهم حول هذه الأحداث المُستمرّة، وهكذا توجه الاهتمام نحو برمجة مُنفتحة على كافة التجارب الفيلمية.
لقد فرضت الأعمال الواقعية نفسها أكثر من تلك التي تتسّم بمعالجاتٍ فنية متقدمة، ولكن جميع الأفلام تعكس ديناميكيةً مُحمّلة بالمعنى، ولا يغيب عنها الشعر.
ويُضيف البيان :
“لقد بدأت السينما العربية ثورتها منذ حينٍ مع مخرجين جُدد، يُمثلون جيلاً من الشباب متعطشاً للحرية، عرف كيف يتحدى أنظمة القمع، ويطوّر أدوات إنتاجه السينمائي الذاتي ليتجاوز الممنوع، هذا ما شهدته على سبيل المثال السينما المصرية المُستقلة قبل سنوات.
كانت السينما العربية، وما تزال تشهد على الواقع كي تتخطاه، وتقدمت على زمنها، ويمكن القول، بأنّ بعضها تنبأ بهذه الثورات.
اليوم، تحررت العبارة، وظهر شبابٌ، ومنهم لا تربطه أيّ علاقة مباشرة بالسينما، ومع ذلك حملوا الكاميرات مدفوعين بزخم حركات التحرر الوطني، نشروا نتاجهم في الشبكة العنكبوتية، أسّسوا لغتهم، وأنجزوا أشرطةً من وجهة نظرهم الخاصة.
هذه المُقاربات المختلفة، والمُتنوعة هي الخيط الذي يربط اختيارات “ربيع السينما العربية” في باريس التي توسّعت كي تضمّ أعمالاً من بلدانٍ تشهد حراكاً فعلياً، ولكنها لم تعشّ الثورة بعد، حيث تتجاور أعمال من الخليج مع أخرى قادمة من سوريا، مصر، فلسطين، لبنان، والمغرب العربي، وخاصةً تونس التي أطلقت الشرارة الأولى.
في هذه اللحظات بالذات، تصرخ الشعوب العربية الثائرة شعاراً مقدساً “الشعب يريد إسقاط النظام”، ونحنُ في “ربيع السينما العربية” عبر حوالي خمسين عنواناً تُمثل أكثر من اثنيّ عشر بلداً، نريد أن نكون صدىً لهذا الصوت من خلال أعمالٍ أغلبها قصيرٌ، ووثائقيّ.
نريد للحرية المنشودة أن ترفرف دائماً متنقلة بخفة فراشة تحتضن تحت جناحيها خريطة العالم العربي كي تُعلن الربيع عنواناً لكلّ الفصول”.
بدوري، أجدني أحتفي بفريق “جمعية السينما العربية الأوروبية” من خلال قراءة هي خلاصة حوارٍ جمعني مع اثنين من الهيئة الإدارية، هما “ماري كلود بهنا”، و”جيوفاني ريزو” بهدف تسليط الأضواء على “ربيع السينما العربية” في باريس، والكشف عن التطلعات المُستقبلية لمُؤسّسيها.
إنها دردشةٌ جماعيةٌ أكثر منها حواراً، التقطتُ منها ما استطعتُ من شخصيّن حملا المشروع على أكتافهما بإخلاصٍ لا مثيل له.


إعلان