الرقابة على المصنفات بين الالغاء والتطوير
تظل الرقابة على المصنفات الفنية، أحد المؤشرات المهمة على التغييرات المتوقع حدوثها بعد ثورة 25 يناير سيما في ظل الجدل الدائر بين اراء تؤيد إلغاء الرقابة و أخرى تسعى الى تطويرها..
ترى مالذي يريده السينمائيون في المرحلة المقبلة من الرقابة..؟ وهل هم مع الإلغاء الكامل أم مع الحرية المقيدة بالقانون..؟

يقول المخرج يسري نصرالله “أنا مع إلغاء الرقابة على السيناريوهات بمعنى أننى كمخرج لست مضطرا لتقديم نص السيناريو للرقابة حتى تتم الموافقة عليه ويتم منحي تصريح للتصوير. لكن من حقي أن أصور فيلمى بالطريقة التي أريدها، وبعدها تضع الرقابة شروطها على الفيلم من خلال تصنيفه حسب فئات العمر، مثل ممنوع لأقل من 18سنة، وإذا أراد التليفزيون قص الفيلم لعرضه، فلديه عدة حلول، إما أن يعرض الفيلم كاملا متكاملا في وقت متأخر، ويكتب على الشاشة قبل عرض الفيلم: انه تم حذف بعض المشاهد من الفيلم لكي يتناسب مع الأسر المصرية، مع معايير التليفزيون. لكن لا يأتي الرقيب ويطلب منى قص الفيلم لكى تكون معايير الفيلم فنية..!
يقترب تصور مريم نعوم عن إلغاء الرقابة، إلى حد ما من رؤية المخرج يسري نصر الله، اذ ترى أن الرقابة ليست الأزمة الحقيقية وتتساءل :”هل لو ألغيت الرقابة سنعرض فيلما جنسيا في السينما؟ بالطبع لن يحدث هذا وبالتالي فالمشكلة الأساسية مع الرقابة كفكرة نرفضها على أساس مقاومة مبدأ الوصاية ذاته .
ترفض نعوم أن يحكم موظف في الرقابة على مستوى فيلمها وآراء أبطالها، ولذلك يفضل أن يكون هناك خبراء لديهم قدر ما من الوعي السينمائي كما أن الموظف، لا يصلح لأن يكون رقيبا.
وترى نعوم أن إلغاء الرقابة، يحتاج لوجود وعي عام وجمهور من الناضجين يقبلون بهذه الفكرة الصادمة التي لا نزال غير مؤهلين لها، خاصة في ظل تنامي المد السلفي وتفشي الفكر الديني .
ومن جهته يري “مدكور ثابت” الرئيس السابق للرقابة على المصنفات الفنية أن أزمة الرقابة لن تحل بقرار إلغائها بقدر ما تحل بالعمل على تطوير جهاز الرقابة ذاته ، لكي تصبح الوظيفة النهائية هي حماية المبدع وليس كرباج علي رقاب المبدعين، ويشير مدكور إلى أن معظم الذين يقومون بالرقابة على الأعمال السينمائية غير مؤهلين لهذه الوظيفة، حتى لو كانوا من أكبر النقاد، كما أن التقييم الفني ليس من وظيفة الرقابة وإنما هي مهمة النقاد والسينمائيين، وبالتالي لا يجوز أن نترك التقييم لجهاز إداري، ففي هذه الحالة لن تكون هناك ضمانات لتقييم العمل الفني، وتلك هي نظرة موضوعية.

مدكور ثابت وعلي أبو شادي
بينما يري الناقد على أبو شادي أحد أبرز من تولوا نصب الرقيب على المصنفات الفنية في العشرين عاما الاخيرة، أن مسئوليته كانت واضحة عندما كان رئيساً للرقابة على المصنفات الفنية، وهى العمل على خلق موائمة بين المجتمع وبين ما يقدم في الفن بكافة أنواعه.
وفيما يتعلق بإلغاء الرقابة يقول: ” كنت أول من طالب بإلغاء الرقابة في مصر، ولكن نحن نعيش فى مرحلة غير مستقرة تماماً، ولكى يتم إلغاء الرقابة، لابد من وجود مجلس شعب منتخب، لأنه وحده يستطيع أن يقرر ذلك.
وترفض المخرجة هالة خليل تدخل الرقابة فى العمل الإبداعى، لان ذلك يؤدى إلى خلق وصاية على الجمهور.
وترى إن الرقابة فى مصر، وتحديداً قبل ثورة 25 يناير، كانت تتعامل مع المبدع والفنان بشكل امنى، ولأن عقلية النظام السابق كان يعتقد انه وصي على الشعب المصرى بكافة شرائحه.
وطالما سقط النظام، فلابد من إسقاط جهاز الرقابة بأكمله، نظراً لان العاملين فيه غير مؤهلين لتقييم الاعمال الفنية، بالإضافة إلى أنه في حالة إلغاء الرقابة، فهذا لا يعنى ان هناك خطراً على الشعب المصرى، ففي عصر السماوات المفتوحة بات الحديث عن الرقاب نوعا من العبث، الأمر الذي يؤكد أن الإنسان هو رقيب نفسه. وبالتالي ليس أمام كل منا إلا ان يكون رقيباً لنفسه.
وترى خليل، أن أمن الدولة والنظام السابق هو الذى كان يعوق إلغاء الرقابة او يطورها.
فى حين يصف الناقد طارق الشناوى جهاز الرقابة فى مصر قبل ثورة 25 يناير بأنه جهاز يقمع الإبداع، اذ كان أداة لحماية نظام مبارك ودولته.

والدور المهم الذى يراه الشناوى للرقابة هو حماية المجتمع، وليس حماية رأس النظام، مثلما كان يحدث من قبل. لذلك هناك أهمية في ضرورة إلغاء الرقابة على السيناريو، فمن حق أى مخرج النزول بكاميرته ويصور فيلمه، وذلك ما يعنى ضرورة إلغاء تصاريح التصوير.
ويرى الشناوى أن مصطلح الرقابة على المصنفات الفنية مصطلح بغيض للغاية. وبما أن دور الرقابة سيختلف، فلابد من تغيير اسمه، وتشكيل هيئة لتنظيم العروض الفنية والسينمائية.
وعن رؤيته لمدى تحمل أو استيعاب المجتمع المصرى لإلغاء الرقابة على المصنفات الفنية، يؤكد الشناوى، أننا غير مؤهلين لإلغاء الرقابة، لكن يجب ان يتحمل أفراد المجتمع والمبدع المسئولية كاملة فى الرقابة الذاتية.
إبراهيم البطوط، واحد من المخرجين الذين خاضوا معارك ضارية مع جهاز الرقابة في مصر منذ أول أفلامه “عين شمس”، ولذلك يملك تصورا مختلفا فيما يتعلق بتطوير الرقابة فى مصر، وتتلخص فى عمل تصنيف العمل الإبداعى والفنى فى أماكن العرض..
يعتبر البطوط أن الرقابة على الأفكار والإبداع، سقطت بسقوط نظام مبارك، وهذا ما سيخلق فرصة فى طرح جميع الأفكار من كافة الطوائف فى المجتمع، وهذا ما يجعل هناك حالة من التعددية فى العمل السينمائى والفنى والإبداعى.
ويري إبراهيم أن ضرورة تطوير الرقابة فى مصر، يحتاج إلى إلغاء الرقابة على السيناريو وإلغاء تصاريح التصوير، وهذا أمر كان من الصعب تحقيقه فى ظل شعب كان يعيش مستعمرا من الحكومة ورئيس الدولة ونظامه الفاسد، بهدف تحجيم البشر والحد من الإبداع، وبالتالي كان الجهاز الرقابى يقمع كافة الحريات.

من جهته يرى المخرج داود عبد السيد ضرورة إلغاء الرقابة على السيناريو، وبعدها يتم عرض الأفلام طبقاً لمراحل عمرية مختلفة، بمعنى ان يكون هناك تصنيف عمرى للأفلام. وأن يتم وضع قانون معين بعدم مس الأديان. ويؤكد عبد السيد، أن النظام السياسي السابق، كان العائق الأكبر لتطوير الرقابة، ويوضح قائلاً: لقد كانت رغبة هذ النظام – الفاسد- فى السيطرة وقمع حرية الإبداع.
أما سيد خطاب رئيس الرقابة على المصنفات الفنية فيرى أن إلغاء الرقابة، هو قرار صادم، وهو عبارة عن مشروع قامت عليه دراسة هامة جدا أنجزت خلال سنة لكى يكون هناك مشروع بديل للرقابة.
ويوضح قائلاً: أرى إننا نعيش الآن فى فترة مهمة جداً، حيث تجرى تنقية سقف الحريات وسيكون أعلى من ذي قبل وستكفل الحريات للجميع، فالثورة قامت بتأسيس عقد اجتماعي جديد بين المثقف والناس والمجتمع وبين المؤسسات الأخرى.. ودورنا الآن أن نقوم برعاية حرية الإبداع، وقانون الرقابة موجود لكي ينظم تلك العلاقة المتعلقة بحرية الإبداع وبين ثوابت المجتمع وسيختلف عن المرحلة السابقة التي كانت فيها الرقابة قمعية”
وعن فكرة دور الرقابة كما يراه خطاب يقول إن “حرية الإبداع لا تعنى إعطاء مساحة وجود مشاهد إباحية، لأن مجتمعنا لا يسمح بالاستغناء أو تجاهل ثوابتنا ، لأننا مجتمع لا يسمح بذلك لأنه يقدر ويحترم ثوابته الدينية، كما أنه لا يسمح بازدراء الأديان، فالمجتمع يطلب الحرية الملتزمة وينادي بحقه فى الحفاظ على قيمه المتغيرة، وهذا ضروري نظرا لأن التقنية الحديثة أثبتت انه بالإمكان إنتاج أفلام بأقل تكلفة دون الرجوع إلى الرقابة مثل فيلمي عين شمس وميكرفون.

سيد خطاب
ويرى خطاب، أن الكثيرين متخوفون من إلغاء الرقابة، ويعتبرون القرار دعوة للفوضى وليس دعوة للحرية، لكن أرى أن هناك شيء اسمه الحرية الملتزمة وأتمنى أن نتناقش مع كل فئات المجتمع والمؤسسات الدينية، فهذا القانون الجديد الذي نطالب به في الرقابة يحمى الطرفين في المجتمع (المبدع والجمهور) وكلاهما متخوفان من الحرية والتى تأتى بالتبعية فى حالة إلغاء الرقابة..
ورأى أن هذا القانون يضع خطا فاصلا بين حرية الإبداع وبين ثوابت المجتمع، ونطمئن لهؤلاء للمتخوفين من الحرية على ثوابت المجتمع وقيمهم وفى نفس الوقت نحافظ على حرية المبدع وحرية الرأي والتعبير، وأعتقد أن الرقابة على المصنفات الفنية سوف تمثل حماية للمبدع وحماية للمجتمع في ذات الوقت، فنحن نطالب بالدولة المدنية، ولم يعد هناك داع لعرض الأفلام على جهات دينية متمثلة فى الكنيسة أو الأزهر، وهذا القانون البديل نأمل أن يحد من أنواع الرقابات الأخرى الموجودة في المجتمع.
وفى إطار الحديث عن تصوره لإلغاء الرقابة يؤكد سيد خطاب قائلاً: قبل أشهر طويلة من بدء ثورة 25يناير، قمت بإعداد دراسة عن الرقابة في مختلف دول العالم، واقترحت إنشاء مؤسسة فى مصر خلفا لجهاز الرقابة وضعت لها اسم “مؤسسة المصنفات الفنية وحقوق الملكية الفكرية”، وتقوم هذه المؤسسة بدورين، الأول هو “الرقابة البعدية”، والتى تقوم بعمل تصنيفى لكل مصنف فني تصنيفا عمريا فقط، فهناك فيلم يصنف :عرض عام للجمهور. وهناك فيلم يتم تصنيفه “للكبار فقط”، وهناك عمل يشاهده من تجاوز عمره 18 عاما وهكذا.
أما الدور الثانى للمؤسسة فيتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية واستثمارها، بما يخدم المبدع والمجتمع، مع ضرورة أن تكون هذه المؤسسة كياناً حقوقياً مستقلاً عن وزارة الثقافة، ويعتبر هذا نمطا آخر، مختلفا، لتحرر عملية الإبداع في مصر لأنها ستضمن إلغاء الرقابة القبلية (أى رقابة العمل قبل طرحه للجمهور)، لأنها أمر غير حضاري ويزعج أي مبدع.
ويلخص خطاب فى دراسته مطلبه بعد إلغاء الرقابة قائلاً: نحن نريد قانونا جديدا للرقابة، هذا القانون الذي نطالب به يحمى الجميع..
ويضيف خطاب “قمت بعمل دعوة عدد من الحقوقيين والقانونيين ومسئولي المنظمات المعنية بالمصنفات الفنية كالنقابات الفنية الثلاث وغرفة صناعة السينما وجمعية منتجي الكاسيت وجمعية المؤلفين والملحنين- من أجل صياغة قانون لإنشاء تلك المؤسسة وإلغاء القوانين القديمة التي كانت تنظم عمل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، لأن حرية الإبداع يجب أن يكفلها القانون، وصياغة هذا القانون يجب أن تتم بمشاركة المبدعين أنفسهم.