«ذي كينغ ليون»: الأسد الذي زأر مرّتين
لا أدري إذا ما كانت هناك سابقة لما سيلي أم لا، لكنّ فيلماً حل في المركز الأول في سلّم الإيرادات قبل ستة عشر سنة منجزاً نجاحاً كبيراً، يعود إلى الصالات ليتبوّأ، مرّة أخرى المركز نفسه.
الفيلم هو «الملك الأسد»، فيلم أنيماشن من ديزني ستديو وكان افتتح في الولايات المتحدة في الخامس عشر من حزيران/ يونيو سنة 1994 وعالمياً، بدءا بكوريا الجنوبية، في السابع من تموز/ يوليو. آنذاك حصد من أسواقه العالمية 783 مليون دولار، أي ما يوازي بليون و200 مليون دولار، إذا ما أخذنا في الحسبان التضخم المالي وسعر التذكرة الأعلى اليوم مما كان عليه في ذلك الحين.
الفيلم نفسه أطل في الأسبوع الماضي مزوّداً بسلاح الأبعاد الثلاثة وحقق إيرادا غير مسبوق في أيامه الثلاث الأولى.
نجاحه المتجدد سيكون مدعاة اهتمام هوليوود من حيث أنها قد تجلب بعض القديم المتميّز الذي سبق له وأن حقق نجاحاً كبيراً لتعيد طرحه فيما يشبه من يكتشف أن بذلة ما لازالت تناسبه فينظّفها ويعيد لبسها و “?والا”… لديه الآن بذلة جديدة.
لكن ما يخص تجربة ديزني هذه هو أن الفيلم كان قد عُرض على جمهور من الأولاد والراشدين كحال كل الأفلام الكرتونية غالباً. في الأساس، هو فيلم آباء للصغار، فالصغار بحاجة للكبار كي يصطحبوهم إلى الصالة. التذكرة بتذكرتين والدولار بدولارين…. كيف لفيلم أنيماشن أن يفشل؟
لكن ما استند إليه الأستوديو هي عملية حسابية بسيطة: الجمهور الذي كان صغيراً كَبُر وقد يرغب في مشاهدته من جديد، وأولئك الذين شاهدوه من فئة الثلاثين سنة وما فوق، ربما أرادوا مشاهدته من جديد أيضاً. إليهما سينضم جيل صغير دون السادسة عشر لم يلحق بتلك التجربة وسوف يود مشاهدته كما لو كان إنتاجاً جديداً.
في صلبه، «الملك الأسد» هو طموح شكسبيري على الشاشة الشكسبيرية. شيء من «هاملت» مدفون مباشرة تحت تربة هذا الفيلم من دون السعي للذكر. صانعوه استعاروا لكنهم لم يقدّموا الفيلم على أنه يحمل اقتباسا لـ«هاملت» ممثّلاً بحكاية الأسد الصغير، الأمير سيمبا ووالده الملك موفاسا وعمّه سكار. العم قتل الأب والأمير يقرر العودة لكي ينتقم. هذا إلى جانب إيحاءات دينية مسيحية غير خافية بدءاً من مشهد في مقدّمة الفيلم حين يوحي الفيلم أن الطفل سيمبا هو منحة مميّزة من الله تعالى.
إنه ليس فيلماً أخلاقياً وديزني ليست في صناعة السينما لكي تنتج أفلاماً من هذا النوع، لكنه فيلم يقدّم لمن يشاء بضعة مبادئ ما يجعله منتمياً إلى تلك الأفلام الكرتونية ذات الأبعاد. أهم تلك المبادئ حب العائلة واعتمادها الواجب على وحدتها في مواجهة بعض الأطراف الشريرة. أيضاً تعلّم سيمبا أن الحفاظ على مملكة والده من مسؤوليّته. يستطيع أن يهرب ويستطيع أن يلتهي مع أصدقائه من حيوانات الغابة الأقل من مركزه الاجتماعي لكنه لا يستطيع أن يستمر في ذلك مغفلا شؤون الحكم.
لكن هذه المبادئ الاجتماعية الكبيرة ليست ناصعة من دون شوائب. ما يرسم إيجابية طرح لفيلم ليس أبطاله وما يقومون به، بل أشراره أيضاً وما يمارسونه. كنه هؤلاء الأشرار. ألوانهم وثقافاتهم. في هذا الإطار «ذي كينغ ليون» يحتاج إلى تنقية لسحب الشوائب منه. مصفاة حب تلتقط منه الحجارة الصغيرة التي يستخدمها لوصف سواه. هل نأخذ مثلاً بالصورة التي يرسمها الفيلم للأشرار كشخصيات ذات بشرة داكنة وقبلها لتنمية ثقافة أولادنا؟ وإذا كنا نستطيع أن نفعل متجاوزين، هل يستطيع ابن السابعة من العمر أو نحوه تمييز ما هو خيالي عما هو واقعي أو مستوحى من الواقع؟

خلو الفيلم من الحس المسؤول شيء، لكنه أيضاً، وبصرف النظر عن جيش النقاد الأميركيين الذين وجدوا الفيلم آنذاك رائعاً، هناك التقنية الممارسة. أيامها (منتصف التسعينات) كانت ديزني تخطو خطوات فاصلة عن تقنية الرسوم التي اعتمدتها سابقاً في الستينات وما بعد. تلك المدرسة الكلاسيكية العريقة التي نتج عنها أفضل أعمالها إلى اليوم: «كتاب الأدغال»، «سنو وايت والأقزام السبعة»، «بامبي» وسواها. «ذي ليون كينغ» هو آخر العنقود الفاصل بين مدرستين: يحمل ما يكفي للتذكير بتلك التقنية التي صنعت تلك الكلاسيكيات، ويحمل تقنيات جديدة تبلورت لاحقاً عن أخرى أكثر انتماءً للجديد من القديم. لكن في صلبه، هو أيضاً فيلم قليل الجدوى. لا أقول قليل القيمة، لكن جدواه على صعيد الذخيرة الذهنية وعلى صعيد الترفيه ذاتيهما محدود. لا نحكم على الأولاد إذا ما أعجبوا بالفيلم، فشخصيات ساحرة كالأسد ومضحكة كالسعدان تسعد هؤلاء كما تخيفهم شخصيات الضباع وصوت الفحيح للممثل البريطاني جيريمي آيرونز لاعب شخصية عم الأسد الصغير الذي قتل شقيقه.
هذا يعيدنا إلى «هاملت» الذي احتوى، إلى جانب قيم كثيرة، على شخصية شاب وجد أن لديه اختياراً بين أن يقبل باستيلاء عمّه على الحكم والزواج من أمّه (سنوات ضوئية قبل سيغموند فرويد) أو أن يعيش حرّاً من الرغبة في السُلطة والانتقام.
هذا الفيلم يوجّه بطله إلى الاختيار نفسه وهو إذ يختار الحل الأول طبعاً يترك وراءه العيش بحريّة والاختلاط بقوم آخرين. أعتقد أن ما هو مقبول بالنسبة لهاملت شكسبير ليس بالضرورة مقبولاً في «الملك الأسد» والسبب هو أن الأول دراسة في ذلك الاختيار وفي المراجع النفسية عدا كونه عملاً أدبياً رائعاً. أما فيلم ديزني ففي أفضل حالاته ملهاة لا نستطيع أن نقول عنها أنها بريئة فعلاً، لكنها ترفيه تختلف حولها الآراء حسب مفاهيمها ومرجعياتها.