هل يؤثر “سوق الثورات” سلبا على الوثائقي ؟؟

سجلت المخرجة 30 ساعة بأكملها طوال أيام الثورة المصرية الثمانية عشر، ولم تعرض سوى الهتافات المتكررة للثوار المعتصمين في ميدان التحرير… هذا ما يبقى في ذهنك بعد خروجك من عرض الفيلم الوثائقي “انا والأجندة” للمخرجة نفين شلبي، والذي استغرق 48 دقيقة.
يعتمد الفيلم على السرد التاريخي للثورة والعاطفية الشديدة دون أن يحمل نقطة ارتكاز بعينها، بل يعرض خطوات الثورة وما صاحبها من خطابات سياسية تلعب على تعاطف المشاهد مع الذكريات.
وكما يبدو واضحا أن الفيلم جاء كرد فعل على الثورة وكأنه فيلم تعليمي لحفظ التاريخ للأجيال القادمة، مثله مثل موضة كتيبات الثورة المصرية دون بحث حقيقي أو تحليل يضيف جديدا سوى شغل فراغ على رفوف المكتبات المصرية.
كان بإمكان المخرجة أن تعرض حياة كاملة للثورة سواء في الليل أو النهار، كمشاعر المعتصمين وحيرتهم وشجاراتهم وطعامهم وضحكهم، وتفاصيل إنسانية بسيطة طالما كانت أحجية بالنسبة لمن لم يحضر الثورة، دون تكرار الصراخ بالهتافات التي تنضح بها المواقع الإلكترونية وتعج بها الفضائيات العربية، فلم تضف المخرجة جديدا للمشاهد سوى أنها صورت بكاميراتها الخاصة اللحظة الحية، وهنا يلح التساؤل أين الرؤية التي على أساسها صورت و”منتجت” المخرجة الإبداعية..؟
وعامل الإحباط الآخر في الفيلم انه اعتمد على مقابلات للجماهير المعتصمة تشتكي من الجوع والفقر وكأن دافع الثورة هو المكبوت الاقتصادي رغم أن المكبوت السياسي ومكبوت الحريات والجنس والدين كانت الدوافع الحقيقية وراء الثورات العربية ومن ثم يضاف إليها المكبوت الاقتصادي، فقد كانت ثورات وعي أكثر مما هي ثورات جوع ويأس كما يريدنا الفيلم أن نستخلص.
أما علاقة الفيلم بعنوانه “أنا والأجندة” فقد كان أكبر المآخذ لأنه عنوان ابتعد في معناه عن نسيج الفيلم ككل، فأن تتكلم الشخصيات الرئيسية في الفيلم ومنها نيهار طبيبة أسنان وزوجها الطبيب رامي عن الأجندات أمرا غير كاف كي يتم ربط لقاءات الفيلم مع روح الأجندة كتيمة رئيسية فيه.
وأن يحمل نيهار ورامي لافتات كتب عليها “أجندتي حريتي وأجندتي كلمتي ومستقبلي” لا يفسر تعقيدات مفهوم الأجندة على أرض الواقع، فالأجندة مفهوم دينامكي متغير يحتاج ذكاء في العرض، وليس الاكتفاء بالتلفظ بالكلمة على لسان طبيب ورئيس المخابرات الأسبق عمر سليمان وبعض المتظاهرين، الأمر الذي يجعل وكأن المخرجة احتارت في حبكة الفيلم فقررت ان تكون “الاجندة” الوحدة الموضوعية للقاءات ولقطات مفككة.

وتتبعت المخرجة شخصيات الفيلم الرئيسة منذ بداية الفيلم حتى نهايته دون أن تجعلها تستحوذ على مشاهده، ويبدو جليا أنها شخصيات من طبقة راقية لم تتواصل بعمق بمعاناة ما قبل الثورة، فقد كانت شخصيات ضعيفة في تعبيراتها عن الثورة وأسبابها، ما يتناقض بطبيعة الحال مع الشخصيات الهامشية والعابرة في الفيلم والتي جاءت حية من اعتصام ميدان التحرير والتي هي بالأساس طبقة متوسطة كادحة تُعتبر مفجرة الثورة.
وما يجب أن ينتبه إليه العديد من صناع أفلام الثورات وما بعدها أن كون موضوع الفيلم الوثائقي عن هذه الثورة أو تلك ليس أمرا كافيا لنجاحه، فيجب الحذر من أن يستهلك سوق الثورات رؤى المخرجين وصانعي الأفلام من دون وجود مقاربة إبداعية وذكية وجديدة لما نقدمه عن هذه الثورات.