قراءة أولية في مهرجاني الدوحة وأبو ظبي 1/2

في افتتاح رسمي لموسم المهرجانات السينمائية العربي للعام 2011، أعلن كل من مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي، ومهرجان أبوظبي السينمائي، جداول الفعاليات الكاملة، أو شبه الكاملة، للدورة القادمة لكل منهما، وعلى رأس كل منها قائمة الأفلام المشاركة في المسابقات الرسمية، أو على الأقل المسابقات العربية، التي استحدثاها، على مستوى الأفلام الروائية الطويلة، والأفلام الوثائقية.
وبالانتباه إلى جملة الأحداث، والتطوّرات، التي جرت في غير بلد من العالم العربي، منذ نهايات العام المنصرم، وطيلة العام الحالي، فمن الجدير بالانتباه إلى أن عدداً من المهرجانات السينمائية العربية، التي كان من الممكن لها أن تكون فاتحة الموسم المهرجاناتي السينمائي العربي، قد غابت، أو غُيّبت، هذا العام، نذكر منها على سبيل المثال: مهرجان وهران للفيلم العربي، ومهرجان الاسكندرية السينمائي، ومهرجان الإسماعيلية للأفلام الوثائقية والقصيرة، وهي الأفلام التي تنعقد عادة مبكراً، في الصيف وبدايات الخريف، الأمر الذي جعل من مهرجان أبوظبي السينمائي (13- 22/10/2011) البداية الرسمية لموسم المهرجانات السينمائية العربية، هذا العام، يليه في ذلك زمانياً مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي (25- 29/10/2011) بفارق أيام معدودات، لا أكثر!..
وفي وقت تقرر انعقاد المؤتمر الصحفي لإعلان برامج مهرجان أبوظبي السينمائي، بتاريخ 21/9/2011، فقد بادر مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي لإعلان برامجه، من خلال نشرة إعلامية، بتاريخ 20/9/2011، أي قبل أقل من أربع وعشرين ساعة، لترتسم للمهتمين والمتابعين، ومن خلال النشرة الإعلامية والمؤتمر الصحفي، الملامح النهائية للدورتين القادمتين.
ومن المثير في هذا الشأن أن مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي آثر أن يقتصر الإعلان عن الأفلام العربية المشاركة في مسابقتيه المخصصتين للأفلام العربية، وهكذا وجدنا أنه في «مسابقة الأفلام العربية الروائية الطويلة»، سيشارك كل من فيلم «إنسان شريف» للبناني جان كلود قدسي، و«قلب أحمر» للعراقي هلكوت مصطفى، و«قديش تحبني» للجزائرية فاطمة زهرة زعموم، و«الشوق» للمصري خالد الحجر، و«أغنية المهرّب» للجزائري رباح عامور زايميشي، و«طبيعي» للجزائري مرزاق علواش، و«عمر قتلني» للمغربي رشدي زم.

أما في «مسابقة الأفلام العربية الوثائقية»، فسيشارك فيلم «الكلمة الحمراء» للتونسي إلياس بكار، و«اختفاءات سعاد حسني الثلاثة» للبنانية رانية اسطفان، و«توق» للسورية لينا العبد، و«أقلام من عسقلان» للفلسطينية اللبنانية ليلى حطيط سلاس، و«العذراء، الأقباط وأنا» للمصري نمير عبد المسيح، و«بنات البوكس» للمخرجين لطيفة ربانة دوغري وسالم الطرابلسي، و«في الطريق لوسط البلد» للمصري شريف البنداري.
النظرة الأولى، تبين أن مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي شاء أن تقتصر مسابقتيه للأفلام العربية: الروائية الطويلة، والوثائقية، على عدد محدود جداً من الأفلام، بما لا يتجاوز سبعة أفلام في كل قسم: (7 أفلام روائية طويلة + 7 أفلام وثائقية)، وهذا مما يعني أن البرنامج اختار جانب التواضع على المستوى العدديّ، إذ غالباً ما تتعارف مهرجاناتنا السينمائية العربية على أن تتراوح الأفلام المشاركة في أيّ شقّ من المسابقات الرسمية: (روائية طويلة، روائية قصيرة، وثائقية)، على ما لا يقل عن 12 فيلماً، في مراعاة منها للتنوع فيما بين البلدان العربية، وإتاحة الفرصة للمزيد من المخرجين والمخرجات لخوض غمار التنافس للفوز بالمسابقة، ونيل الجوائز.

فيلم “عمر قتلني”

الملاحظة الثانية تتجه نحو مسألة أن عدداً وافياً من الأفلام العربية المشاركة في المسابقتين، لاتبتعد عن كون المهرجان، أو إحدى مؤسساته الموازية، شريكاً إنتاجياً، سواء أكان معلناً، أو ما بين السطور، الأمر الذي يعني أن مهرجان الوحة ترايبكا السينمائي يبدو وكأنه يجري المسابقة بين أفلامه التي اختارها، ودعمها، وموّلها!..
صحيح أن ما يجري في مؤسسة الدوحة للأفلام، بما فيها المهرجان السينمائي، الذي هي هو أحد أذرعها، يُقدِّم نفسه في إهاب المؤسسات التعليمية، من جهة أولى، والداعمة للإنتاج، من جهة ثانية، والممولة بالتالي، ولكن أن ينحصر حضور الأفلام، في المسابقة، بما هو مدعوم أو ممول، يتضمن دون أدنى شك غبناً بحظوظ أفلام أخرى، يمكن أن يكون لها نصيب من الحضور، وربما من الفوز، أو على الأقل شرف التنافس!..

يبقى من الضروري الانتباه إلى أن خريطة توزُّع الأفلام، كما وردت في برنامج مسابقتي المهرجان، تنحصر في دوائر ضيقة، تغيب عنها بلدان عربية عديدة، على حساب حضور واضح لبلدان أخرى. هنا ثمة ثلاثة أفلام من الجزائر، مثلاً، وتغيب بلدان عربية هامة على مستوى الإنتاج السينمائي. قد يكون هذا لأسباب إنتاجية، تتعلَّق بغياب الإنتاج السينمائي، في هذا البلد أو ذاك. وهو أمر مفهوم، دون أدنى شك، ولكن الإشكالية تتبدّى عندما يذهب البرنامج إلى اختيار أفلام تثير أسئلةً تتعلق بجنسيتها، أو تاريخ إنتاجها.
من هنا سنجد، مثلاً، أن فيلم «عمر قلتني» للمخرج المغربي الأصل رشدي زم، سبق له أن عُرض جماهيرياً في كل من المغرب وفرنسا، وحصلت التباسات حول جنسيته، ما بين فرنسي ومغربي، خاصة بما يتعلق بترشيحه لجائزة الأوسكار عام 2012، كما أن فيلم «الشوق» للمصري خالد الحجر، سبق له أن فاز في العام الماضي 2010، بجائزة الهرم الذهبي؛ أفضل فيلم في مهرجان القاهرة السينمائي، الأمر الذي يعني أنه بات قديماً في عُرف المهرجانات السينمائية العربية.
مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي، ومع وجود اثنين من المبرمجين السينمائيين العرب، اللذين لا يمكن إنكار براعتهما، وقدرتهما في مجاليهما، من طراز المخرج الشاب شادي زين الدين، والمبرمجة هانيا مروة، واتكاءً على استراتيجية المهرجان التي تتدامج فيه الأبعاد التمويلية الإنتاجية، مع الأبعاد التعليمية، يبدو أنه يمضي باتجاه اختيارات محددة، ربما تبدو ذات علاقة تنافسية مع كل من مهرجان أبوظبي السينمائي، ومهرجان دبي السينمائي، ولكن من الواضح أن كلاً من هذين المهرجانين له سياقاته الخاصة، التي لا نُنكر أنها قد تتأثر باختيارات مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي، ولكنها دون أدنى شك تذهب نحو خياراتها الفنية والمضمونية، التي ليس لها بالضرورة أن تتطابق مع اختيارات مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي.

كل ما في برنامج مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي يشير إلى تواضع ملفت. ولكنه تواضع خادع، على أقل تقدير، فغالبية الأفلام المشاركة في المسابقتين الرسميتين، في المهرجان، هي من إنتاج أو تمويل أو دعم المهرجان، أو واحدة من مؤسساته. وربما من نافل القول إن مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي ينأى بنفسه، عبر هذا، أن يكون منافساً حقيقياً للمهرجانين اللذين ينعقدين في المنطقة ذاتها؛ منطقة الخليج العربي، حيث يتواجد الآن ثلاثة مهرجانات سينمائية عربية، هي: مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الثامنة، ومهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الخامسة، ومهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي في دورته الثالثة. ومع هذا فإن مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي يبدو الأكثر قدرة على استخدام إمكانياته المادية، لاستقطاب ما يريد من أفلام، تماماً بما يفوق مهرجاني أبوظبي ودبي، السينمائيين، ولكن دون أن تتضح هويته، واتجاهاته، الذي يريد!..
يبقى ثمة من جملة لابد قولها، وهي أننا لا نعترض على سياسات واستراتيجيات مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي، وخياراته، الراهنة، والمتحولة من دورة إلى أخرى!.. إنما كل ما نريده هو أن يوضّح، لنفسه ولنا، هويته واستراتيجيته، التي يمكن من بعدها معرفة كيفية التعامل معه. أي مهرجان يريد هو أن يكون. أي استراتيجية يطمح لها. وأي هدف يسعى إليه. ماذا يريد. وإلى أين يمضي. وعندها كل شيء يهون!..
يقيننا أن مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي، بقوته المالية المعروفة، يستطيع الذهاب إلى هدفه. أي هدف يريد. ويحققه. حالما يحدده.


إعلان