المهدي بن بركة .. رمز له دلالة

انتهت قناة الجزيرة الوثائقية من إنتاج فيلم وثائقي عن الرمز التاريخي والنضالي المغربي مهدي بن بركة. وستم عرض الفيلم يوم 26 أكتوبر. لذلك أردنا أن نستبق الفيلم بمقال تمهيدي عن موقع المهدي بن بركة في الذاكرة الجماعية. يكتبه لموقع الجزيرة الوثائقية الدكتور عبد الله أبو عوض الباحث المغربي المتخصص في الإعلام.

يعتبر المهدي بن بركة*  أحد الشخصيات التي ترمز إلى الفعل الثوري وإلى التحرر الديمقراطي من منطلق  الفكر الاشتراكي، هذا الفكر الذي جعل منه بعد وفاته مطلبا يوميا للممارسة السياسية في فلسفة الأحزاب السياسية الاشتراكية بالمغرب بغية تحقيق أهدافه، فقد مثل دفعة نضالية ومكسبا ماديا ومعنويا في أدبيات الضغط الحقوقي للورقة السياسية اليسارية، خاصة بالمغرب، هذا إذا علمنا أن منطلق النضال في رؤية المهدي بن بركة تمحورت في إسقاط النظريات الماركسية على مفهوم الإصلاح، مما يحيل على مدرسة مهمة من مدارس الإصلاح السياسي في العالم العربي عموما والمغربي خصوصا، حيث تعتمد أساسا على مجموعة من المرتكزات الثابتة كقواعد المساواة والديمقراطية والمتحولة كأساليب النضال المتوافقة مع رهانات التغيير المتجددة بتجدد الأحداث في الممارسة السياسية، إلا أن الحمولة المعرفية التي تحملها شخصية تاريخية مثل هذه الشخصية في النضال السياسي لا زالت تنعكس إيجابا وسلبا على أتباعها . فمن حيث الإيجاب المنوط بها فيرى البعض أنها تتمركز في الرؤية الإصلاحية التي جاءت بها ودافعت عنها وناضلت من أجلها وهي في الأساس تعتمد على نقد كل ما هو ضد إرادة التغيير الاجتماعي والسياسي، ويرى البعض الآخر الجانب السلبي، حيث أصبحت شخصية المهدي بن بركة جامدة في سرد سيرته والتحسر على اغتياله، أو أن يتم تجاوز دلك كله في استغلاله كورقة حقوقية نضالية لمعركة انتخابية سياسية مرحلية.
إن الوقوف على دلالة الصورة في شخصية ذات عنوان  سياسي في العالم العربي لابد أن يتقيد بمجموعة من الشروط والضوابط التي تعكس استبطانات العقل الجمعي للمجتمع بمختلف ألوانه. والمهدي بن بركة في المشترك الإنساني هو من الصفحات التاريخية التي أسست للحراك الحقوقي في الدفاع عن الكرامة الإنسانية قبل وبعد وفاته، هذه الكرامة التي يقف عليها كل شخص حسب رؤيته الإيديولوجية، وهي وإن اختلفت من حيث المبدأ فقد توحدت من حيث الممارسة. والرمز الدلالي للصورة في شخصية المهدي هي من الحقول المعرفية التي مزجت بين الرابط الكلي في القضايا الدولية والوطنية ألا وهو العدالة الاجتماعية. إلا أن طبيعة الوقوف على ذلك ينبغي أن تأخذ جانبا من الحذر الممزوج باستقراء الوقائع ومداولتها كنفس يستفاد من إيجابياته دون الالتفات إلى بعض المنكصات المرافقة لمفهوم الاستغلال.
لا يمكن الجمع بين المحطات الإجرائية للنضال السياسي للمهدي بن بركة في حياته وبين الحمولة الدلالية الموروثة من شخصيته بعد وفاته، لأن ما كان يتم تجسيده في نشاطاته كانت تدخل في إطار السياق العام للأحداث الدولية التي أثرت بشكل مباشر على أفكاره الإصلاحية ومن تم انعكست على أوضاعه المحلية، أما  المطالب الحقوقية في حق شخصه قد مزجت بين مطلب العدالة وغالبا ما يفضي إلى الاستقرار وبين مطلب المنهج الفكري والإصلاحي في فكر المهدي والذي يضفي لا محالة إلى الاستمرار.
إن فلسفة الرمز في العالم العربي عموما خرجت طوعا إلى لغة العودة تحت مبدأ ليس في الإمكان أبدع مما كان، وكل رمز في العالم العربي في ظل الانحلال الثقافي والفكري أصبح مطية الرهانات المرحلية لنيل مكتسبات آنية، فصار الرمز النضالي في شخصية معينة هو تلك الورقة الرابحة للرهان المطروح سواء كان سياسيا أو ثقافيا أو اجتماعيا، وغالبا ما يكون ذلك مقرونا بجهل الأطراف المعنية بالرمز ما يحمله فكر وفعل ذلك الرمز، فابن بركة الرمز (السلطة، المحنة، النضال….) لا يمكن أن يتجسد إلا من خلال القراءة التاريخية والتفكيكية لمحطاته النضالية، مع ربط ذلك بالأحداث الدولية والإقليمية، وليس بن بركة الرمز الذي سطرت مداد سيرته محطة تاريخية يمكن العودة إليها كلما أعاد التاريخ يوم ولادته. كما أنه لا يمكن الوقوف على شخصيته دون الوقوف على بنية التنشئة الاجتماعية المقومة لأفكاره.
لا يمكن الحديث عن الرمز في صورة المهدي بن بركة دون استحضار الشكل النضالي والحقل المعرفي الذي حكم فلسفة هذا النضال، وليس عيبا أن يعاد نحت الذاكرة الفردية والجمعية لتحديد معالم التغيير الذي أحدثته رمزية شخصيته، فالتاريخ هو إعادة قراءة ما لم يقرأ تحت مبدأ الاستقصاء والمقارنة ليستفاد من الرمز في منظومته القيمية، لأن منظومة القيم لا تقبر ولو مر التاريخ.

* نبذة عن المهدي بن بركة: سياسي مغربي اشتراكي معارض، ولدف ي الرباط عام 1920، وانتخب في البرلمان عام 1963 بعد حياة سياسية حافلة مغربيا وإفريقيا وفي إطار دول العالم الثالث، واختفى في شمال فرنسا عام 1965، ومازالت قصة اختفائه تحيطها الألغاز حتى اليوم.


إعلان