فيلم المواطن … كان مواطنا أكثر مما ينبغي


حسن المرزوقي – ابوظبي

من الأفلام التي انتظرها جمهور مهرجان أبو ظبي السينمائي الفيلم الأمريكي الذي أخرجه المخرج السوري سام قاضي ويقوم بالبطولة فيه النجم المصري خالد النبوي.
 وإلى قبل انطلاق الفيلم كان الأمل معقودا على رؤية محاولة لمبدع عربي درس المسرح والسينما في ميشيغين ولممثل عربي سطع نجمه عربيا وها هو ينطلق إلى العالمية لأول مرة بدور بطولة يتقاسمها مع الممثل أغنس بروكز.
 كما أن الجمهور عبّر بإقباله الفريد في هذه الدورة على انتظاره لمحاولة سينمائية تهدف إلى تغيير الصورة النمطية عن المهاجر العربي في أمريكا .

يروي الفيلم قصة مهاجر لبناني يدعى زياد جراح تطأ قدماه أمريكا يوم 10 أيلول / سبتمبر 2001 أي قبل الأحداث التي غيرت وجه أمريكا وأيضا وجه العربي المسلم. جاء زياد إلى أمريكا بسبب ابتسامة حظ نادرة في حياته إذ تم اختيار اسمه في دائرة الهجرة. وهو الشاب الذي مات أهله في الحرب الأهلية اللبنانية فلجأ إلى سورية ثم الكويت التي لم يطل فيها المقام أكثر من عدة أشهر ليحتلها صدام حسين. ولكن إرادة زياد جعلته يحصل على شهادة في إدارة الأعمال ويتعلم ميكانيك السيارات ليكون مؤهلا ليحمل آمالا في مستقبل كان عنوانه الحلم الأمريكي.
يبدأ الفيلم بزياد في المحكمة يسأله الإدعاء عن سبب وجوده في هذا البلد قبل يوم من 11 سبتمبر. لتعود بنا الأحداث إلى البداية حيث دائرة الهجرة وأسئلتها الكثيرة وزياد ينجو من سؤال ليسقط في آخر. وتبدا العقدة عندما يتصل زياد بابن عمه رشاد الذي لم يأت لاستقباله كما وعد. فيلجأ إلى فندق في بروكلين. ومن هنا يبدأ يومه الأول في  أمريكا بشجار بين فتاة اسمها دايانا وصديقها القاطنين في الغرفة المجاورة ويتطور الشجار إلى عنف تفر بعد الفتاة لتلتجئ إلى غرفة هذا العربي الغريب. فيكرمها بالحلوى ويبدي لها من النبل والرقي ما يجعلها تتعاطف مع غربته وتأخذه في رحلة أولى في المدينة لالتقاط الصور. ثم يعودان وتبيت في غرفته دون أن يلمسها بل يترك لها سريره لينام على الأرض.
يفتح زياد عينيه على الأخبار وصوت الدنيا قد قامت قيامتها لا يفهم شيئا مما يحدث يتصل بدايان فلا ترد ليكتشف من خلال أحد العملة الباكستانيين الذي سيصبح صديقه وسيشغله فيما بعد في متجره، يكتشف من الباكستاني أحداث 11 سبتمبر وأن وجودهم كعرب ومسلمين أصبح صعبا وغير مرغوب في. وتتتالى الأحداث بشكل درامي لا يحكمها إلا منطق الصدفة ومنطق كاتب السيناريو الذي يجهد نفسه ليظهر كل ما يتميز به زياد من أخلاق عالية وكأنه لا يخطئ وحتى أخطاؤه ناتجة عن طيبة خلقه أمام عالم لا يحبه رغم أنه جاءه هاربا منه إليه بحلمه الأمريكي. م يشفع له ارتداء “تيشيرت” عليه علم أمريكا ليقضي ستة أشهر في إيقاف مظلم من دون سبب تهمته أن أحد مرتكبي 11 سبتمبر لقبه الجراح..

              الجاسم والجسمي يحضران فيلم الافتتاح

يخرج زياد من سجنه أكثر إصرار على العيش في أمريكا وعلى إثبات شخصيته كمواطن صالح. يرأف بالفقير ويثبت مروءته يوما بعد يوم لصديقته دايان ويبحث عن عمل ويتعلم الانجليزية وما يجنيه يساعد به فقيرا بل ويسكنه معه في بيت دايان ورغم ذلك سيخونه ويسرق شقتها ويهرب فتضطر ديان إلى أن تطرد زياد وفي الليلة نفسها الموحشة ينقذ زياد فتاة وصديقتها من عصابة ويتعرض للضرب موشكا أن يموت فتكتب الصحف عنه ويصبح بطلا ويعود لديان.. بنفس منطق الصدفة يظهر أن أب الشاب الذي أنقذه زياد رجل أعمال كبير في مجال السيارات – المجال المحبب لزياد- فيصبح زياد رجل أعمال. يقدم أوراقه للجنسية فترفضه السلطات كمواطن أمريكي. ليدخل الفيلم في قاعة المحكمة ويبدأ حوار عربي أمريكي يظهر فيه زياد بطلا خطيبا لبقا وشجاعا لأنه اختار منذ الجلسة الثانية للدفاع عن نفسه. وتتحول قضية زياد إلى قضية رأي عام. وينتصر. وينتهي الفيلم بزياد متزوجا من ديان ولهما طفل وعلى شباك بيته علق علم أمريكا.
من الناحية الفنية كان الفيلم يحمل طرازا هوليوديا ممتازا وحتى من حيث الأداء كان مقبولا وجيدا. ولكن النص كان ضعيفا جدا ترك فيه صاحبه الأحداث في مهب الصدفة ومنطق الوعي الذي يلهث وراء الفكرة مهما كان الثمن ولو كان السقوط في سذاجة الطرح وإظهار البطل على أنه بطل مثالي لا يخطئ بطريقة “سوبار ماني” (من سوبر مان) عربية مليئة بشحنة أخلاقية فائضة جعلت مفهوم المواطنة مفهوما طوباويا
لقد اراد الفيلم أن يحسن صورة العربي فمحاها. فأظهر لنا إنسانا عربيا يقع خارج قانون المجتمع البشري المليء بالمؤامرات والمفارقات بل هو إنسان يقع خارج العالم الجسد البشري وانفعالاته عندما نرى شابا يعيش مع شابة فاتنة في غرفة واحدة لمدة ست سنوات دون أن يلمسها أو تتغير مشاعره. في حين نراه يتعلق بفتاة لبنانية متحجبة تعرف عليها في دروس اللغة الإنجليزية. فيحبها لأنها متدينة ويظهر ميله للعفة وللاستقرار بعائلة داخل مؤسسة الزواج. وهو يقرأ القرآن ويؤدي فرائضه بل إن الشرطة قبضت عليه وهو ساجد يصلي. هو الرجل الكريم العربي الذي يتقاسم غداءه وماله مع ذلك الفقير المهمش الذي سيخونه. وهو الشجاع المقدام ولا يخشى من الحق. وهو الصبور الحليم الذي يتلقى الإهانة ولكنه مسامح كريم .

                            النبوي مع ابنه زياد

لقد كان زياد جراح في هذا الفيلم “مواطنا أكثر مما ينبغي “لأن المخرج أراد أن يكسر الصورة النمطية عن العرب في فيلم واحد وبضربة واحدة. وكأننا به جعل بين عينيه جدولا من وادين واد فيه صور العربي السيئة وقابلها بواد رتب فيها كل الصور الجميلة التي يحملها العربي عن نفسه ويعتقد أن الآخر قد ظلمه ولم يفهمه. فترى المتفرج يشاهد فيلما في القاعة ويستحضر أفلاما وأخبار وصورا تقع في عالم الدنيا المتوتر. فالعربي الإرهابي يصبح في الفيلم مسالما والعربي المحب للنساء يصبح عفيفا والعربي المهزوم ينتصر على العصابة والعربي الجاهل يصبح خطيبا مفهوما يعرف الدستور الأمريكي أكثر من النائب العام نفسه.
لقد سقط المخرج في منطق دفاعي ساذج ليحول مفهوم المواطنة إلى مفهوم ميتافيزيقي مثله مثل المفاهيم الغيبية ليسلب شخصيته كل بعد إنساني قادر على أن يخطئ ويصلح خطأه يتحمل مسؤولية خطئه. لأن الجراح لم يخطي ولم يكن مسؤولا عما حدث له ورغم ذلك كان قادرا على أن يتجاوز كل مآسي البشر المحيطين به ويصبح بطلا شبيها ببطل الأسطورة نصف آلهة ونصف إنسان. فهل بهذه الرؤية السينمائية يستطيع المبدع العربي أن يحسن صورة العرب
لذلك خرج الكثير من الأجانب قبل العرب من القاعة يتبادلون ضحكات ساخرة… من مواطن عربي ينطبق عليه المثل القائل “فاقد الشيء لا يعطيه “.


إعلان