براند …….. الكاتب في يومياته ومغامراته
طاهر علوان
الكاتب الذي يقرأ الواقع تتجلى امامه صور شتى لحياة تجري وقائعها من حوله بعضها يمر عليه بشكل عابر والآخر قد يتوقف عنده مليا متفحصا ومدققا في كل شيء .مابين الحالتين ثمة صورة هي التي تكشف الحقيقة وحدها .في هذا الفيلم هنالك كاتب اسمه “براند” اسمه راسخ ومعروف وتاريخه حافل بالأنجاز لكنه هنا يهتم بتسجيل مايجري من حوله بالكاميرا وليس بالقلم . الكاميرا العين التي تواكب كل شيء مرافقة له في كل حركة في فيلم حديث من اخراج النمساوي “توماس روث” عرض في العديد من المهرجانات وحظي بثناء النقاد .
هاهو يراقب زوجته الراقدة في المستشفى فاقدة للوعي ، يلتقط لها صورا وتدخل عليه الممرضة فجأة ويكتشف وهو في المنزل ان صورة تلك الممرضة ظهرت في الصورة وهي تدخل لاعطاء زوجته الدواء ..لسبب ما ينظر اليها بتأمل ، تلك الممرضة السمراء الفارعة وآخر ماتتوقعه هو ان يغرم بها منذ تلك اللقطة التي التقطها لها ، واضح ان ملامحها تدل على انها من جيل المهاجرين القادمين لتلك البلاد .
يعيش براند (الممثل الألماني الكبير جوزيف بيربيشلر) وحيدا في منزله النائي المحاط بشبه ريف او غابة ويراجع صوره التي يلتقطها في كل يوم .
يعود الى المستشفى وينجح في سماع اتصال تلفوني بين الممرضة انجيلا (الممثلة الصربية الأصل انجيلا جريجوفيتش) وبين صديقها او حبيبها وواضح انها ليست على وفاق معه ويستثمر الكاتب الفرصة ليتكلم لاحقا معهاعن زوجته وحالتها الصحية ثم ليدعوها ، ان يصحبها الى مقهى او مطعم وعندما يبدو على وجهها الأستغراب يتراجع سريعا قائلا انه لم يقصد شيئا .

لكنه يظل يراقبها حتى يتمكن من لقائها وتروي له تفاصيل عن حياتها الشخصية وهي التي تنحدر من اصول تركية وينتهي الأمر ان يدعوها الى منزله حيث يمضيان الليل معا وبذلك تتطور علاقتهما الى طريق اللارجعة لتؤكد له وهي تشاركه السرير انها المرة الأولى التي تخون فيها زوجها .
الكاميرا الراصدة وفضول الكاتب تقوده الى اكتشاف عالمها الخاص ، لقائها مع شخص ما يرتدي قبعة دوما ويقع العكس عندما يراقب صاحب القبعة حركة انجيلا وهي تلاقي الكاتب ثم يكون وجها لوجه مع شاب شرس يكلم لبراند مباشرة : هل لك علاقة بزوجتي ؟
هذه الشكوك وحدها كافية لكي يضغط ذلك الزوج العنيف على انجيلا التي لاتجد ملاذا غير براند واللجوء والشكوى له .
تغيب انجيلا عن المستشفى مدة من الزمن وسط ترقب براند وحيرته وتعلقه بها فيراقب حركة زوجها وهو خار ج المنزل ليذهب اليها وفي لحظة وجوده معها يعود الزوج مجددا بحجة انه نسي شيئا ما ويصغي براند المختبئ في احد اركان المنزل الى حوارهما وغطرسة ذلك الزوج الذي حتى وهو يعاشرها فكمن يغتصبها وبراند يصغي ايضا .
وتتأكد للزوج فيما بعد شكوكه ان زوجته تخونه مع ذلك الكاتب فيقرر احتجازها في داخل المنزل .
تخرج الزوجة من المستشفى وحال خروجها تقرر دعوة انجيلا وزوجها الى المنزل تقديرا لها على مساعدتها ورعايتها فيرفض براند الفكرة بشكل كامل وسط دهشة زوجته لتعلم بالتدريج ان هنالك شيء ما يربط براند بأنجيلا حتى اذا حضرالزوجان الى المنزل يتجول الزوج بطريقة مريبة في الغرف ويعثر على الكاميرا والصور .ليكتشف براند ايضا ان ذلك الزوج ليس زعيم عصابة ولا مافيا بل هو محقق ويعمل في الشرطة الألمانية .
وحال عودته ينتقم انتقاما وحشيا من انجيلا التي تستنجد ببراند الذي ينصحها ان تذهب الى احد الفنادق ليلحق بها وفي طريقه تعترضه عصابة توسعه ضربا وتأخذ المال الذي في جيبه ولايكتفون بذلك بل يقطعون احدى اذنيه فيرقد في المستشفى وخلال تحقيق الشرطة يكون زوج انجيلا هو المحقق بينما هو الذي سلط تلك العصابة على براند كما سنكتشف لاحقا .
يخرج براند من المستشفى لتصل زوجته الى قناعة كاملة انه يخونها وليعثر عليها متوفاة في سريرها بعد حين.
يعيش براند حياة محطمة قاتلة لايبقى له فيها غير انجيلا المحاطة بذلك الشرطي الشرس الذي من دون شك يمتلك عصابة يحركها كيفما شاء .
الجريمة دافع اخير
تغيب انجيلا تماما ولكنها فجأة تتصل به لتخبره انها قتلت زوجها فلما يذهب اليها يجد الزوج سابحا بدمه ويبدأ بالتقاط الصور وفي الأثناء يدخل صديقه صاحب القبعة فيظطر براند الى اطلاق الرصاص عليه وقتله ولتبدو القصة وكأنها انتقام بين ذلك الشرطي وبن خصمه صاحب القبعة وليمحو براند كل اثر او بصمة من المكان ويهرب هو وانجيلا التي تثبت الشرطة عدم علاقتها بالحادث وفي طريقهما هي وبراند لبدء حياة جديدة يصادفهما غزال بري فلا يتمكن براند من التخلص من الموقف لتنحرف السيارة بهما وتحترق لينتهي بهما المطاف في غرفة العناية المركزة وحيث يلفظ براند انفاسه تاركا كاميرته وكتبه ومذكراته بين يدي انجيلا .

مما شك فيه ان الفيلم ينطوي على بناء درامي متماسك ولكنه بسيط ومكثف ولاتوجد فيه حبكات مفاجئة سوى اكتشاف ان زوج انجيلا ليس من المافيا بل هو رجل شرطة ولكن الفيلم يتميز بمعالجة فيلمية مميزة واداء متقن وشخصيات مبنية دراميا بشكل ناضج ومؤثر .
الشخصيتان المؤثرتان الجامحتان بكل تأكيد هما براند وانجيلا لكن براند يعد ركنا اساسيا وعمودا فقريا في الفيلم فهو الممثل المخضرم بل من عمالقة الممثلين الألمان في هذا الجيل ، له تاريخ طويل وكبير مع العديد من المخرجين جيث شارك في اكثر من 25 فيلما .
اداؤه وشخصيته القوية ساحرة حقا ، فهو قادر على التعبيرعن الموقف ببراعة وتأثير وبلاغة واضحة ، يعيش الدور بعمق وموضوعية ولاتستطيع الا ان تتفاعل معه وفي هذا الفيلم ليس هنالك كثير من الصخب ولكن هنالك حس عميق بالأفعال والمشاعر وحتى وهو في اعلى حالاته هياما بأنجيلا الا انه يبدو كمن يكتشف حقيقة ما ويكشف للمشاهدين تلك الحقيقة .
الدراما الفيلمية يقودها الممثل الذي يواصل اكتشافاته ،وان هي الا يوميات الكاتب ومغامراته ، ولكن ياترى لم هو يركز دوما على تصوير كل مايحيط به ثم يفرغ الصور في كومبيوتره الشخصي و ويبدأ بتحليلها ، يقيم علاقة بصرية ما معها ؟ كل شيء يبدو عاديا كمثل هذا الفعل ولكن السؤال هو كيف تصنع شيئا من هذه الأفعال البسيطة وتبني عليه دراميا ، هذه المناقشة الضرورية تجدها في افلام اخرى ليس فيها مجهود انتاجي ومتطلبات انتاجية كبيرة بل يمكنك القول انها افلام قليلة التكلفة ربما فالتصوير كله جرى في اماكن حقيقية :المستشفى ، بيت براند، السيارة، شقة انجيلا ، شوارع ..الخ ..
هو كل هذا التسلسل الذي لاتمل متابعته مع الممثل الألماني توماس بيربيشلر العملاق الذي مازال يحمل عبقرية التمثيل ويذكرك بممثلين عمالقة من امثال ستيف ماكوين وروبرت متشوم و لورنس اوليفييه و انتوني كوين و وشارلتون هستون وانتوني هوبكنز وصولا الى رود شتيجر وجيمس كاجني وغيرهم كثير ..