استعادة سينما نضالية
عدنان مدانات
عرف مصطلح” السينما النضالية” عربيا بالعلاقة مع الأفلام التسجيلية الفلسطينية التي كانت تنتجها فصائل المقاومة الفلسطينية، وتحديدا حركة فتح والجبهة الشعبية و الجبهة الديمقراطية. أولى هذه الأفلام كان” لا للحل السلمي” وجرى إنتاجه من قبل وحدة أفلام فلسطين في حركة فتح في العام 1969، والفيلم حسب ما كتب على الشاشة اخراج جماعي، لكن الفيلم كان بإشراف عام من مصطفى أبو على الذي أخرج الفيلم الثاني للوحدة وهو ” بالروح والدم”.و مصطفى هو مؤسس وحدة أفلام فلسطين وكان أول من أطلق على سينما المقاومة الفلسطينية تسمية” السينما النضالية”، وهو لم يكتف بإطلاق هذه الصفة بل كتب عن السينما النضالية ونظّر لها في أكثر من مقالة ومقابلة وندوة.
بعد انتقال فصائل المقاومة الفلسطينية من الأردن إلى لبنان انضمت بقية الفصائل إلى عملية إنتاج الأفلام التسجيلية بنفس الروح” النضالية”، فيما تحولت وحدة أفلام فلسطين إلى مؤسسة للسينما الفلسطينية. الأفلام التي أنتجت من قبل جميع هذه الفصائل كانت خير رسول دعائي للمقاومة الفلسطينية و قضيتها في أرجاء العالم، لكن المفارقة كانت تكمن في أن النقاد و بقية أهل السينما العرب إضافة إلى الأوساط الثقافية التي أتيحت لها فرصة مشاهدة هذه الأفلام كانت تقف موقفا سلبيا منها و تتهمها بأنها أفلام دعائية مباشرة متشابهة في صورها و لا فن ولا إبداع فيها، أفلام تستند في الترويج لنفسها إلى عدالة القضية التي تتحدث عنها.
هذه النظرة السلبية لأفلام المقاومة الفلسطينية فترة نهاية الستينيات و زمن السبعينيات التصقت بها لسنين طويلة، إذا ظلت التهمة تتردد في تصريحات و كتابات النقاد خاصة والذين لم يحاول أحد منهم أن ينصف هذه الأفلام التي جرى إنتاجها في ظروف بالغة الصعوبة والخطورة، ولم يحاول احد منهم تصحيح هذه النظرة السلبية وتفنيد هذه التهمة الظالمة التي انطلقت من تجربة بضعة أفلام لتعميمها على بقية الأفلام التي احتوت على معالجة فنية إبداعية مثل الفيلم التجريبي” بالروح والدم” لمصطفى أبو علي الذي يستخدم العرض المسرحي ضمن مادته، و فيلم ” ذكريات ونار” لإسماعيل شموط الذي يستعيد تاريخ فلسطين عبر لوحات تشكيلية، وفيلم” صوت من القدس” لقيس الزبيدي عن المغني وعازف العود مصطفى الكرد، وفيلم” رؤى فلسطينية” لكاتب هذه السطور عن الفنان الفطري ابراهيم غنام ولوحاته وأغانيه الشعبية.

مقابل هذه النظرة السلبية لأفلام المقاومة الفلسطينية تبنى النقاد موقفا إيجابيا متضامنا و متحمسا للأفلام التسجيلية الأولى التي أنتجها السينمائيون الفلسطينيون في الضفة الغربية بعد اتفاقية أوسلو، وهي الأفلام التي تصور الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال، رغم أن غالبية هذه الأفلام كانت متشابهة في مادتها المرئية والحداثية، خاصة منها الأفلام التي تصور أطفال الحجارة.
مناسبة هذه المقدمة الإعلان عن مشروع فيلم فلسطيني يجري العمل عليه ويهدف إلى إعادة احياء ذكرى الأفلام الأولى التي أنتجتها وحدة التصوير في حركة فتح في أواخر الستينيات. الفيلم الجديد من إخراج مهند اليعقوبي الذي أجرى بحوثا مستفيضة حول تاريخ سينما المقاومة الفلسطينية وقام بتجميع ما تيسر له من أرشيف فيلمي استعدادا لفيلمه الذي سيحمل عنوان” خارج الإطار” أو” البحث عن غودار” ، أي المخرج جان لوك غودار الذي صور في نهاية الستينيات في الأردن مادة فيلمه عن المقاومة الفلسطينية الذي حمل في البداية عنوان” حتى النصر” وتغير بعد سنوات إلى عنوان” هنا وهناك”. أثناء وجود غودار في الأردن عمل مصطفى أبو علي معه مرافقا مساعدا وتأثر به و بأفكاره السينمائية الثورية. هذا التواجد مع غودار وتجربته في الأردن سيكون على الأغلب أحد المداخل لاستعادة ذكرى أفلام المقاومة الفلسطينية الأولى، وهو ما يعني في النتيجة تكريما لها ولو انه يجىء متأخرا
حضرت في عمان قبل أيام لقاء مع المخرج مهند يعقوبي تحدث فيه عن مشروع فيلمه. ومن المبكر الآن الحكم على هذا المشروع الذي يتضح من اللقاء أنه ينطلق من نيات طيبة منصفة، أو توقع ما سيكون عليه الفيلم الطموح والمعد له بعناية سواء من ناحية المادة البصرية أو المعلوماتية، لكن كلاما قاله المخرج في اللقاء أثار لدي اهتماما خاصا، فقد عقد مهند يعقوبي مقارنة جديدة من نوعها وهامة ومعبرة بين سينما المقاومة الفلسطينية وسينما التسعينيات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
في أفلام المقاومة الفلسطينية كانت صورة المناضل وهو يحمل السلاح قاسما مشتركا بين الأفلام، أما في الأفلام التي أنتجت في الضفة الغربية فإن القاسم المشترك هو صورة الدوريات والحواجز الإسرائيلية. يعتبر مهند يعقوبي أن أفلام المقاومة إذ تنتهي بصورة الفدائي يحمل بندقيته تقدم نهاية مفتوحة على أمل النصر، في حين أن الأفلام الجديدة إذ تنتهي بصور الحواجز الإسرائيلية فهي تقدم نهاية مغلقة، حيث التعبير يتم ليس عن الأمل بل عن كيف يمكن التعامل مع الأمر الواقع.
أهمية هذه الشهادة أنها تلقي نظرة مختلفة على أفلام المقاومة و تأتي من قبل سينمائي ينتمي إلى جيل السينمائيين الفلسطينيين الجدد.