“دموع غزة” وسياسة “كرة السلة” في جديد الصالات

متأخرا عامين عن زمن إنتاجه، يصل الفيلم التسجيلي “دموع غزة” للمخرجة النرويجية “فيبيكا لوكيبرغ” إلى الصالات السينمائية الأمريكية. وبعد أن عرض في عدة مهرجانات سينمائية حول العالم وعلى شاشات تلفزيونية أوروبية.

هذا العرض المتأخر كثيرا هو بالطبع أفضل من غياب الفيلم الكامل عن الصالات الأمريكية، فـ”دموع غزة” هو أحد أهم الأعمال التسجيلية التي تناولت حروب الشرق الأوسط الأخيرة وأكثرها صدقا بنقله لبعض من وحشية الحرب تلك ونتائجها المتواصلة على المدنيين العزل وخاصة الأطفال.

 

نجوم هذا الفيلم وأَدِلاَّءُ المشاهد إلى جراح المدينة

الفيلم الذي نال على استحسان نقدي كبير أينما عرض، ينقل تفاصيل مروعة كثيرا للحرب الإسرائيلية على غزة في شتاء عام 2008، هو لا يكتفي بتسجيل وقائع من تلك الحرب، فيعود أيضا إلى غزة بعد أشهر من نهاية العدوان الإسرائيلي، ليسجل يوميات فلسطينيين، أغلبهم من الاطفال، خرجوا من تلك الحرب بجروح بدنية ونفسية غائرة، ليقدمها جنبا الى جنب مع مشاهد من تلك الأيام القاسية، بعضها شديد التفصيلية والقسوة، للثمن البشري الذي دفعه سكان مدينة غزة في تلك الحرب.

وتوفر مشاهدة ثانية للفيلم، الفرصة للتركيز على تفاصيل صغيرة، لم تلتقطها العين في المشاهدة الأولى أو في تغطيات إعلامية مشابهه لحرب غزة، عرض كثيرا منها على التلفزيونيات العربية والأجنبية وقتها، منها مشاهد مكررة لرجال وشباب فلسطينيين يتجمعون قرب أبنية قصفت للتو في مناطق سكنية في غزة، وعندما تتكشف الخسائر البشرية لتلك المجازر الجوية لسلاح الطيران الإسرائيلي، يبدأ هؤلاء الرجال، الذي يبدو على كثير منهم القوة والتماسك، وهم يبحثون على المواساة من الواقفين هناك، فتتحرك أذرعهم، بحركات عفوية، باحثة عن أيدي او أكتاف لآخرين كانوا يقفون بالصدفة هناك، فيما يخيم الذهول على الجميع، وتتأخر صيحات “الله أكبر”، الشائعة في تلك المناسبات، لتترك المدى لصفير سيارات الإسعاف والحريق، التي لم تتوقف في المدينة، التي تعد الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم.

كرة سلة أمريكي في إيران

الشرق الأوسط والسياسية يحضران في فيلم تسجيلي آخر يعرض حاليا في صالات سينمائية أمريكية منتخبة، لكن هذه المرة من بوابة الرياضة وبالتحديد كرة السلة، فوجود لاعب كرة سلة أمريكي في إيران، للعب في أحد أنديتها المعروفة، يهيج كثير من أسئلة السياسية والخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، والذي يتجه حاليا إلى أكثر أوقاته تأزما. يسجل فيلم “وظيفة إيران” للمخرج تيل سخاودر حياة لاعب كرة السلة الأمريكي كيفن شيبارد في إيران، والذي ستتحول شقته في طهران الى مكان للنقاش عن السياسية، أمريكا ودورها في المنطقة، ومستقبل ايران، وأيضا عن النساء في إيران وصراعهن الذي لا يتوقف لنيل حقوقهن. كرة السلة هي المدخل لفيلم تسجيلي آخر يعرض في صالات سينمائية أمريكية، لكن هذه المرة، لن يكون كمناسبة لإنطلاق الخلافات والمناكفات السياسية، بل على النقيض، ففيلم ” فريق الأحلام الثاني ” للمخرج ماريوس أي. ماركوفوكوس، يعود الى عام 1992 ليعيد التذكير بإنجاز الفريق اللتواني بالفوز على فريق الولايات المتحدة الأمريكية لكرة السلة – الذي لا يقهر بالعادة – وحصوله على الميدالية الذهبية في إولمبياد برشلونة. لكن الإنجاز ليس رياضيا فقط، ففريق كرة السلة، تحول لأيام إلى رمز لنضال لتوانيا للتحرر من هيمنة الإتحاد السوفيتي. يبحث الفيلم التسجيلي عن نجوم الفريق وقتها، ليحاورهم عن تلك الفترة الحاسمة من تاريخ بلدهم.
تتنوع موضوعات الأفلام التسجيلية الاخرى التي تعرض حاليا في أمريكا، فعن الهجرات اللاتينية الى أمريكيا وتاريخها ودور الحكومات الأمريكية المتعاقبة وعلى طوال الستين عاما الماضية يدور فيلم ” حصاد الامبراطورية ” للمخرجين ادواردو لوبيز، بيتر غيتزيلز، والذي يتسند على كتاب بالاسم ذاته للصحفي خوان غونزاليس.فيما يتناول فيلم ” الخريف الأمريكي: اوكودو ” للمخرج دينيس ترينور جونير حركة ” إحتلال وول ستريت” الإجتماعية التي إنطلقت قبل عامين ضد جشع بنوك ورجال أعمال من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغنية. ليكون الفيلم التسجيلي هذا، الأول الذي يتناول هذه الحركات الاجتماعية الفتية.

موضة وعارضات أزياء

يعرض بالتزامن بعدة دول اوربية، منها بريطانيا وهولندا، فيلم ” ديانا فريلاند: العين عليها أن تسافر ” للمخرجة ليزا ايمردونو، والذي تقدم فيه سيرة الصحفية وخبيرة الموضة الأمريكية المعروفة ديانا فريلاند، والتي تعد الأكثر تاثيرا في تاريخ إعلام الموضة والأزياء، إذ ساهمت في سنوات إشرافها على تحرير مجلة فوغ الأمريكية الشهيرة، على إدخال مفاهيم جديدة لصحافة الموضة، وأطلقت شهرة أسماء عديدة من عالم الفن، بعضها لا تملك مواصفات الجمال التقليدي التي كانت شائعة في الخمسينات من القرن الماضي. المخرجة التي تربطها قرابة بديانا فريلاند، عادت إلى تسجيلات صوتية قديمة (سجل أغلبها في عقد السبعينات) مع الصحفية الراحلة، تتحدث فيها عن تاريخ إمتد وقتها لخمسين عاما طويلة مع الموضة ( توفيت في عام 1989).

فيلم آخر على الموضة يعرض حاليا في الصالات الهولندية يعيد التذكير بالجدل الذي لا يتوقف منذ سنوات، عن الإستغلال الذي تتعرض له عارضات الأزياء الصغيرات بالعمر، عن طريق وكالات الأزياء، والذي يتدرج من الإستغلال النفسي الى الجنسي. يسجل فيلم ” عارضات أزياء فتيات” للمخرجين ديفيد ريدمون واشلي سابين عن نشاط أحد مكاتب البحث عن عارضات أزياء المثيرة للجدل، ويركز على عارضة من سيبيريا بعمر 13 عاما، تقوم بعرض أزياء في اليابان، والأثر النفسي الذي يمكن أن يلحقه إنشغال كهذا على فتاة مراهقة.

وعن مهاجرو العاصمة الألمانية برلين، يعرض في صالات هولندية منتخبة، فيلم “يوميات برلين” للمخرجة الألمانية المقيمة في العاصمة الهولندية أمستردام روزماري بلانك. تعود المخرجة (التي تعترف في مقدمة فيلمها، بأنها لم تفكر كثيرا بمهاجري مدينتها عندما كانت تعيش هناك، لكن تجربتها الشخصية بالعيش في مكان آخر هي التي ألهمتها لإخراج هذا الفيلم) الى برلين لتقدم من هناك فيلما حميما كثيرا عن مهاجرين، أغلبهم من تركيا، يرون فيه قصصا:عن حياتهم التي تغيرت مع الهجرة، عن البلاد البعيدة التي قدم منها آبائهم، وتعلقهم بين حب تلك البلاد وصعوبة العودة او إستحالتها. تصور المخرجة فيلمها بكاميرا صغيرة وبدون فريق فني، هذا بدوره يعد قرارا فنيا للقبض على حميمية لا يفسدها ضوضاء الفريق الفني الكبير، وايضا رغبة بالقبض على الصوت الخاص للاماكن العامة في المدينة الواسعة، وكأنها باسلوبها هذا لم ترغب أن تشوش على الصوت الخاص لبرلين، على تلك الموسيقى الخاصة الفريدة التي لا تتوفر الا في المدن العملاقة مثل برلين، بجلجلة فريق فني كبير يجذب الانتباه. تتنقل المخرجة في مترو الانفاق في برلين، تركز بكاميراتها على بشر من كل الأجناس، بشر سعداء، مكسوري القلوب، متوجهين إلى بيوتهم بعد يوم عمل شاق، او ذاهبين لسهرات في المدينة، وحده “المترو” يجمع فسيفاء المدينة، ويوفر صورة سريعة للمدينة وسكانها، ومنهم مهاجريها، والذين وصولها قادمين من كل زوايا العالم.