السينما الوثائقية المصرية الصامتة

الجدل حول أول فيلم في تاريخ السينما المصرية يتمحور حول فيلمين روائيين طويلين وأيهما الأول، والفيلمان ينتميان إلى العام1927، لكن الكتاب الذي صدر قبل فترة في مصر بعنوان” السينما المصرية الصامتة الوثائقية/ التسجيلية” للمؤلفين إبراهيم الدسوقي و سامي حلمي يعيد النظر في بداية تاريخ السينما المصرية ويحدده بأول فيلم وثائقي مصري خالص جرى إنتاجه في العام 1907، معيدا بذلك الاعتبار للسينما الوثائقية. قدّم للكتاب المخرج والباحث محمد كامل القليوبي الذي كتب في مقدمته:”… لم يعرف أي بلد في العالم تأريخا سينمائيا لها بأول فيلم روائي طويل سوى مصر التي ظل مؤرخوها السينمائيون وحتى وقت قريب يرفضون الاعتراف بأي تاريخ سابق على عرض فيلم” ليلى” يوم الأربعاء 16 نوفمبر 1927″.
يبدأ المؤلفان بحثهما من الأفلام الوثائقية التي صورها في مصر مصورون أجانب لكنهما لا يعتبران ذلك بداية السينما المصرية، بل ينتقلان بعد ذلك إلى تحديد أول فيلم صامت تم إنتاجه كشريط وثائقي” بأموال مصرية وعقول فنية مصرية وذلك في 11 يونيو 1907، وهو” زيارة الباب العالي لمسجد سيدي أبو العباس” الذي يعد البداية الحقيقية للسينما المصرية”. كان الفيلم نتيجة بعثة لوميير الثانية التي لم يكتف مصوروها بعملية التصوير بل قاموا بتعليم المصريين حرفة التصوير و زودوهم بالمعدات اللازمة وكان ممن تعلم منهم المصوران الفوتوغرافيان عزيز و دوريس اللذان أنتجا أول فيلم مصري. وحسب ما يذكره المؤلفان، ففي هذا الشريط تنبه عزيز و دوريس إلى عامل هام في شكل حياة مصر الاجتماعية، ألا وهي مدى علاقة العامة، من متفرجي السينما، بحدث مصري ما، وبدأت السينما هنا من هذا الشريط، ترصد ما يدور في حياة العامة، ومحاولة إجراء رباط وثيق بينهما،و ربما قد تنبها، ربما بالصدفة، إلى أن الشرائط المعروضة في مصر من أواخر 1896 وحتى عام1907، وقبل إنتاج وعرض فيلمهما، كانت تقدم بغض مظاهر  وملامح الحياة الأوروبية، الغربية، و أن ما قدم من شرائط عن مصر لم تكن أكثر من تسجيل بعض المزارات والمظاهر السياحية لميادين عامة.. كباري .. ساحات مساجد.. أهرامات الجيزة، وهي صور ليست لها علاقة بالواقع المعاش المصري، بل هي تقدم في إطار ما يود ان يراه الغرب الأوروبي. وحسب المؤلفان فقد وجد عزيز و دوريس أن السينما التي يمكن تقديمها لا بد و أن يكون لها علاقة تسجيلية ما، وأن يكون هناك شكل وثيق الصلة بالمتفرج. لا يحدد المؤلفان كيف وصل عزيز و دوريس إلى مثل هذا الاستنتاج، لكن الفكرة التي يطرحانها هنا فكرة مركزية تعكس إشكالية ظلت ترافق، وحتى زمننا المعاصر، تطور و مسيرة السينما المصرية في شقيها الوثائقي/ التسجيلي و الروائي.
يشير الباحثان بداية إلى صعوبة البحث الذي توليا أمره ويعزوان هذه الصعوبة إلى عدم توفر شرائط الأفلام القديمة وانحسار المعلومات أو ابتسارها إضافة إلى شهادات الرواد التي ليست دائما موضوعية.
 صعوبة البحث في تاريخ السينما المصرية الصامتة قادت المؤلفين نحو اعتماد منهج علمي في دراسة هذا التاريخ عن طريق ربط التاريخ السينمائي بالوضع المصري السياسي والاقتصادي والفكري الذي، وفق ما يذكره المؤلفان، شهد بداية التراجع الوطني بعد ثورة قومية لم تنجح بدأها احمد عرابي، ومن ثم الاحتلال الإنكليزي لمصر. ضمن هذا المنهج يحتوى الكتاب على فصول تدرس الوضع الاجتماعي والسياسي والفكري المصري خلال الثلاثة عقود الأولى من القرن العشرين والتي تزامنت مع فترة السينما الصامتة.
يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب ، يبحث البابان الأولان في بدايات دخول السينما إلى مصر وبدايات تعرف المصريين على السينما، و يتضمنان دراسة عن الحياة الفنية والثقافية في مصر، كما يعرفا بأول السينمائيين المصريين، مع تركيز خاص على عزيز و دوريس ومحمد بيومي، فيما يخصص المؤلفان الباب الثالث للحديث التفصيلي عن تاريخ السينما المصرية الوثائقية الصامتة ويرفقان ذلك بقوائم تتضمن فيلموغرافيا السينما المصرية الوثائقية الصامتة مع تحليل لهذه القوائم وسرد لملخصات أهم الأفلام الوثائقية المصرية الصامتة ويقسمانها حسب المواضيع التي عالجتها مثل المواضيع الوطنية، المواضيع الرياضية، المواضيع الدينية، المواضيع الصحية، وأخيرا، المواضيع العامة.


إعلان