ربع قرن على مهرجان “أدفا” للسينما التسجيلية

أمستردام – محمد موسى

بفيلم عن تراجيديا أوربية معاصرة، تتفتح الدورة الخامسة والعشرين من مهرجان أدفا للسينما التسجيلية في العاصمة الهولندية أمستردام، اذ سيعرض “الوقت الخطأ في المكان الخطأ” للمخرج الهولندي جون آبيل والذي يتناول الحدث الإرهابي في النرويج في عام 2011، مقدما شهادات لناجين من مجزرة الكره تلك، التي يقف خلفها المعتوه أندرس بهرنغ بريفيك والذي لازالت محاكمته متواصلة في النرويج لقتله 85 من أبناء بلده، في حادثة إرهابية تعد الإولى والأكثر عنفا في تاريخ البلد الإسكندنافي. قضية فيلم الافتتاح هي مثال لطبيعة الأفلام التي يزيد عددها عن 300 ، والتي ستعرض في أيام المهرجان العشرة ( يبدأ من 14 وإلى 25 من شهر نوفمبر)، وهي الأعمال التي ستغوص كثيرا في السياسية والمشكلات الإنسانية لبشر من كل أرجاء المعمورة، متحولا، أي المهرجان، إلى نافذة تنقل بعضا من عذآبات العالم وحال سكانه.

ورغم إن المهرجان يملك كل الأسباب للإحتفال بربع قرن من النجاحات، بتكريسه السينما التسجيلية كحدث ثقافي فني محلي، قادر على جذب مئات الآلف من المتفرجين في كل دورة، رغم صعوبة المواضيع التي تقدمها كثير من الأفلام المعروضة، إلا إنه لا يخفى إن المهرجان بدأ يعاني من المنافسة الشرسة، عندما يتعلق الأمر بالحصول على عروض عالمية أولى لبعض الأفلام المعروضة، وهنا يبدو إن المهرجان الهولندي، والذي يعد الأكبر للسينما التسجيلية في العالم ، يدفع ثمن النجاحات التي حققها في العقد الأول من إنطلاقه، كأحد المهرجانات السينمائية القليلة التي تهتم بالكامل بالفيلم التسجيلي، إذ ساهم بدفع مهرجانات سينمائية اوربية وعالمية للإهتمام ببرامجها التسجيلية، وبالتالي منافسة “أدفا” على كثير من الأفلام الحديثة، والتي كانت في الماضي تبدأ من أمستردام كمحطة أولى، قبل أن تعرض في مهرجانات صغيرة أو تصل إلى محطات التلفزيون.

لكن مهرجان “أدفا” مازال يتمسك بالريادة، في تنظيمه وإحاطته بحال السينما التسجيلية حول العالم، وإلتفاتاته لماضي السينما تلك وانشغاله بمستقبلها، كما إن المهرجان، وخاصة في السنوات الآخيرة، بدأ يعمل بذكاء كبير لتبسيط برنامجه الضخم للجمهور الذي ربما يربكه العدد الكبير للأفلام وصعوبة إختيار أفلام للمشاهدة، فبدأ المهرجان في موقعه على شبكة الإنترنيت بتقسيم الأفلام المعروضة ضمن فئات مختلفة مثل: السياسية، الربيع العربي، الموضوعات الاجتماعية، الموسيقى، التاريخ، قضايا الشباب، الأفلام التحقيقية، الأفلام التجريبية، قضايا البيئة، الأفلام التي تتناول موضوعات علمية وتكنولوجية. هذا التقسيم لا يمت بصلة للتقسيم الأساسي لأفلام المهرجان ضمن مسابقات وبرامج المهرجان المتنوعة.

وكحال معظم المهرجانات السينمائية، سواء تلك التي تتخصص بالسينما الروائية او التسجيلية، هناك فجوة دائما بين الأفلام التي تنال على إهتمام الجمهور لمهرجان “أدفا” السينمائي وتلك التي تختارها لجان التحكيم للجوائز، إذ تميل تلك اللجان لإختيار أفلام ترتفع قليلا عن المعالجات التقليدية، وتتجه إلى التجريب والجرأة في مقارباتها لمواضيعها، في حين يتجه إهتمام جمهور المهرجان، إلى الأفلام التي تتناول قضايا آنية، والتي تكون قادرة على إثارة إهتمام جمهور واسع بمعالجاتها الحماسية المبسطة.

الربيع العربي من سوريا إلى البحرين
في أول الأفلام التي تتعرض لمآساة اللأجئيين السوريين والذين تركوا بلادهم منذ الثورة الشعبية المتواصلة في البلد منذ عامين، يعرض ضمن برنامج بانوراما فيلم “معاناة الاعشاب: عندما تتقاتل الفيلة، الأعشاب هي التي تعاني” للمخرجة البرازيلية لارا لي، والتي تذهب إلى مخيمات اللآجئيين السوريين في تركيا لتسجل من هناك شهادات ناس عاديين، وجدوا أنفسهم في خَضّم صراع مسلح دموي إجتاح بلدهم. من جانبها تذهب المخرجة السورية المقيمة في باريس هالة العبد الله في فيلمها ” كما لو إننا نمسك بكوبرا “والذي سيعرض في تظاهرة “أفضل أفلام المهرجانات”، إلى مصر لتسلط الضوء على تجارب فنانين الكاريكاتير العرب وموقفهم من ثورات بلدهم. وعن الثورة السورية يعرض فيلم  المخرجتين سلمى الدايري ورولا لاذقاني “مخاوف الصباح، هتافات الليل”، عن فتاة سورية إجتازت خلال أشهر الثورة السورية، خطوات كبيرة في حياتها، من فتاة خجولة من إسرة تقليدية إلى إحدى الناشطات السياسيات، متصدرة التظاهرات الإولى للثورة السورية.

وفي أول الأفلام التي تتناول الثورة المستمرة بدورها هي الآخرى في البحرين، يعرض ضمن مسابقة الأفلام التسجيلية المتوسطة الطول فيلم “البحرين : البلد المحرمة” للمخرج الفرنسي ستيفاني لامور، والذي دخل البحرين بتأشيرة دخول سياحية وسجل سرا  من هناك بعض أحداث الثورة البحرينية، وخاصة دور النساء فيها.

كما يعيد المهرجان عرض فيلم “الثوري المتردد” للمخرج البريطاني شون مكاليستر والذي بدأ عروضه العالمية في مهرجان برلين السينمائي في شهر فبراير الماضي. الفيلم  يرافق فيه دليل سياحي يمني، يتحول ضمن الفترة الزمنية التي صور فيها الفيلم من متفرج على الثورة في بلده إلى متعاطف معها ومؤمن بمثلها والتغيير الذي تَعّد به.

وبعيد عن الثورات العربية، يتناول فيلم “إمراة الكاميرا” للمخرجة المغربية كريمة زبير يوميات مصورة حفلات الأعراس المغربية “خديجة” والتي تعيش مع والدتها في أحد الاحياء الخارجية للعاصمة المغربية كازابلانكا.خديجة التي تواجه يوميا عدم رضا الأهل والمجتمع عن عملها، تعاني أيضا، وهي التي إنفصلت عن زوجها منذ أعوام، من نظرة هذا المجتمع القاسية للمرأة المطلقة.

ويعرض ضمن برنامج “إنعكاس”، فيلم ” تعليم محمد حسين” للمخرجين هايدي إوينغ وراشيل جرادي. الفيلم عن الإنعزال المتواصل منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 للمسلمين الامريكيين، المخرجان يقابلان في الفيلم مجموعة من الأطفال والفتية من إصول مسلمة وعربية في مدينة ديترويت الامريكية، والذين يصفون ما يعنيه أن يكون المرء مسلما في أمريكيا في هذا الوقت.

ويعرض ضمن برنامج “الأساتذة” فيلم ” إعتراف قسري ” للمخرج والصحفي الإيراني المقيم في العاصمة البريطانية لندن مازيار بهاري، والذي يعود فيه إلى التجربة المروعة التي مر بها، عندما تم إعتقاله في عام 2009 في العاصمة الإيرانية طهران، وعندما كان يغطي أحداث الثورة الشعبية وقتها لصالح إحدى القنوات البريطانية، ليتم تعذيبه وإجباره على الإعتراف عبر شاشات التلفزيون الإيراني بتعاونه مع جهات مخابراتية أجنبية.

ويحضر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المهرجان بأفلام منها : فيلم “يوم واحد بعد السلام” للمخرجين إيرز أوفر وميري أوفر، عن إمراة اسرائيلية تبدأ رحلة التسامح مع الفلسطيني الذي قتل إبنها . وفيلم “عندما يعود الفتية” للمخرجة تون أندرسن، عن عودة الفتية الفلسطينين من أبناء الضفة الغربية إلى بيوتهم بعد أشهر من الحبس في السجون الإسرائيلية بجريمة قذف جنود الجيش الإسرائيلي بالحجارة!

عين على أفغانستان
وتحضر “أفغانستان” في خمس أفلام من أفلام الدورة الحالية هي : فيلم “مدرسة كالو” للمخرجة الأفغانية سارة الموسوي عن الرحلة المضنية التي تقطعها فتيات أفغانيات للوصول الى إحدى المدارس القليلة في البلد، الذي تفتك فيه الحروب والمشاكل. وعن مدارس الفتيات في افغانستان يدور فيلم “طفلة افغانية” للمخرجة لويس ايساس، والذي يسجل هو الآخر المشوار اليومي الذي تقطعه ا طالبات مدرسة تقع في منطقة نائية من الريف الأفغاني، الفيلم سيسجل أحلام الفتيات بمستقبل مختلف خلال تلك الرحلة اليومية التي تقترب من الأربع ساعات من المشي في ظروف جوية صعبة لبعض الفتيات. وسيعرض فيلم ” أفغاني: العيش في المنطقة المحرمة”، للمخرج الدنماركي من الإصول الأفغانية نجيب الخاجة، والذي يقوم باعطاء 30 كاميرا صغيرة الى أفغان يعيشون في منطقة “هلماند”، والتي تعد الأخطر في البلد، لتصوير يوميات حياتهم. فيلم “صوت الأمة : رحلتي في أفغانستان” للمخرج الأفغاني جاويد تايمان، والذي يعود إلى بلده وبعد هجرة طويلة ليستعيد مع أفغان لم يتركوا بلدهم، الأحداث الكبيرة التي مروا بها والتغييرات الشاسعة التي مرت بالبلد في غضون العقود القليلة الأخيرة. فيلم “لا برقع خلف القضبان” للمخرجة الإيرانية المقيمة في السويد نعمة سرفستاني، عن معاناة السجينات الأفغانيات في السجون الأفغانية والتي تفتقر لكل شيء.

برامج وتكريمات
يتقسم مهرجان “أدفا” للسينما التسجيلية من المسابقات والبرامج التالية: المسابقة الرئيسية لأفضل فيلم تسجيلي طويل، مسابقة أفضل متوسط الطول (45-60 دقيقة)، مسابقة الفيلم الأول، لأفضل فيلم اول مشترك في المهرجان، مسابقة أفلام الطلبة، مسابقة الأفلام الهولندية، مسابقة الأفلام الموسيقية، مسابقة الفتية، والتي يقوم بها لجنة تحكيم من الفتية بإختيار الأفلام الفائزة، مسابقة “دوك لاب” لأفضل فيلم يقوم بتقديم موضوعته بطريقة مبتكرة.

أما برامج العروض الإخرى في المهرجان فتتالف من التالي: برنامج ” أفضل أفلام المهرجانات”، والذي تعرض فيه اكثر الأفلام التي حققت شعبية في مهرجانات سينمائية سابقة، برنامج “الأساتذة”، لأفلام مخرجين تسجيلين معروفين، برنامج “بانوراما”، والذي يختص بعرض أفلام عن قضايا إجتماعية وإنسانية ملحة. برنامج “بارادوك” للأفلام التجريبية، برنامج إعادة بناء التاريخ، عن أفلام تعيد بأساليب مختلفة أحداث تاريخية من فترات مختلفة. برنامج “اطفال وتسجيلي” عن أفضل الأفلام التي تتناول قضايا الأطفال والفتية. وستحتفي دورة هذا العام بخمس وعشرين من السينما التسجيلية الهولندية بعرضه لأبرز الأفلام التسجيلية التي عرضت على طوال عمر المهرجان. كما ستكرم هذه الدورة الخاصة المخرج الروسي المعروف فيكتور كوسافوسكي بعرض 10 أفلام من أعماله.


إعلان